القائمة

أخبار

مريم الكردوم.. بطلة المغرب التي تحدت الأمواج والأعراف

انطلق حلم مريم الكردوم من قرية تامراخت الساحلية القريبة من مدينة أكادير وهي طفلة صغيرة، ليكبر وينمو مع توالي الأيام، حيث تحدت الأعراف والظروف والإصابات لتحجز لها مكانا بين كبار رياضي الركمجة، تنافسهم لصعود منصات التتويج داخل المغرب وخارجه.

نشر
مريم الكردوم
مدة القراءة: 5'

قدماها الصغيرتان اللتان كانتا تلامسان رمال شاطئ تامراغت (تامراخت)"، أثناء مرافقتها لوالدها البحار، أصبحتا كبيرتان وتركبان أمواج البحار في جميع أنحاء العالم بكل ثقة. بدأت مريم الكردوم ابنة هذه القرية الساحلية الواقعة غرب المغرب ( 14 كلم شمال أكادير)، رحلتها في عالم الأمواج بشكل احترافي عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها.

في البداية، لم تكن متحمسة للرياضة، ولكن تجربتها الأولى مع "البودي بورد"، الذي كان مجرد لوح صغير للاستلقاء عليه، بدأت تغير نظرتها. وكانت النقطة الفاصلة عندما شاهدت أحد راكبي الأمواج وهو يقف على لوح شبيه بلوحها. حاولت مريم الصغيرة بدورها القيام بنفس الشيء، وهو ما شد انتباه أخيها الذي كان يشاهدها من بعيد، وتتذكر مريم بداياتها وكأنها البارحة قائلة "أعطاني لوح ركمجة (حجم 6.0) خاص بالمحترفين، حاولت مرات عديدة الوقوف لكن في كل مرة كنت أسقط، وهو الأمر الذي جعلني أستسلم كما أنني لم أكن متحمسة كثيرا، حينها تأكدت أنني لست من محبي الركمجة" لكن أخوها وأصدقاؤه كانت لهم نظرة أخرى ورأوا فيها عكس ما شعرت به.

بعدها بيومين أعادت الكرة على لوح (حجم 8.2) هذه المرة بمساعدة ابن عمها، لتتفاجأ بنفسها وهي تقف على اللوح للمرة الأولى، وتحكي بلكنة تغلب عليها الأمازيغية التي تفخر بها "لن أنسى طوال حياتي، ذلك الشعور الذي أحسست به للمرة الأولى، في تلك اللحظة أدركت أنني خلقت للركمجة".

ظلت مريم تتمرن بشكل ذاتي أو مساعدة العائلة، لمدة سنتين، إلى أن أنشأت بالمنطقة جمعية "إيموران" الخاصة بتعلم ركوب الأمواج. "كانت رسوم التسجيل أنداك 300 درهم، في البداية كان والدي مترددا في انخراطي هناك، خوفا من أن ينظر إلى عائلتي من أصول أمازغية بنظرة سيئة، حينها تعهدت له بالقول: قم بتسجيلي وإذا خذلتك وقمت بشيء يضر العائلة قم بمحاسبتي" هاته الكلمات التي تعهدت بها مريم وهي تبلغ بالكاد 13 عاما، كانت كفيلة بإقناع والدها.

"العائلة الكبيرة لم تكن راضية على ولوجي هذه الرياضة، لاحتكاكي كثيرا بالذكور، وهو أمر غير معتاد في تقاليد العائلة، لكن تغيرت الأمور بعدما بدأوا يشاهدون مروري على القنوات الإخبارية، في البداية كانوا يعتقدون أن ما أقوم به مجرد مضيعة للوقت ومخالفة للقواعد"

مريم الكردوم

في هذه المرحلة بدأت مغامرة مريم بشكل حقيقي مع الركمجة وكانت البنت الوحيدة في مجموعة من الأولاد، مما جعلها تتحدى الأعراف والتقاليد. "كنت من الأشخاص اللذين يذهبون قبل فتح أبواب الجمعية، على تمام السابعة صباحا، فبمجرد أن يفتح الباب نركض من أجل الحصول على أفضل لباس. الشخص الذي يأتي في الأول هو الذي يحصل على أفضل لبسة ولوح" وتحكي بكل حب "كنا نظل بالجوع طيلة اليوم ونركب الأمواج كأنها لن تعود مرة أخرى هذا ما أسميه الإدمان الحقيقي للركمجة".

في صيف 2008 بدأت مريم تأخذ الأمور بجدية أكبر، ودخلت إلى العالم الاحترافي، بفوزها بأول مسابقة محلية، مما أكسبها الثقة اللازمة للاستمرار.
تتابعت بعدها الانتصارات، حيث حققت المركز الأول في مسابقة إقليمية، ومن ثم المركز الرابع في مسابقة سيدي إفني "لم أتقبل ذلك اعتدت على المركز الأول". كانت هذه المرحلة مهمة جدًا في حياتها، حيث تلقت دعمًا من أحد أبناء تامراغت لشراء معدات جديدة والمشاركة في بطولة المغرب. وبالفعل حققت مريم في سن الرابعة عشرة، أول لقب لها في بطولة المغرب عام 2011.

"خضت جميع المراحل إلى أن وصلت إلى النهائي، حينها شعرت بخوف شديد عند دخولي إلى البحر بدأت أتقيأ، لكن كنت عازمة على الفوز انتظرت الموج المناسب صعدت وبقيت صامدة وحققت المركز الأول، إنه لإحساس رائع جدا"

مريم الكردوم

وكررت البطلة المغربية البالغة من العمر حاليا 27 عاما، هذا الإنجاز خمس مرات أخرى في الأعوام 2012، 2014، 2016، و2018. كما حصلت على المركز الثاني في نفس البطولة ثلاث مرات. دوليًا، شاركت في بطولة أوروبا 2015 وحققت المركز الثامن، بينما حصلت على المركز الثاني في بطولة العالم 2017، رغم الظروف الصعبة والإصابة التي تعرضت لها.

وقالت "بالنسبة لي لم تكن نتيجة جيدة، كانت الظروف سيئة جدا وغير ملائمة تماما، وازدادت الأمور سوء بعد نهاية المنافسة، في طريق عودتي إلى المغرب تعرضت لتمزق على مستوى رباط الكاحل، ما جعلها تتوقف عن ممارسة الرياضة لعدة أشهر وقالت متأسفة، ذلك راجع "لإهمال الجامعة".

كانت إصابة مريم نقطة تحول صعبة في مسيرتها، حيث أجبرتها على الابتعاد عن الرياضة لعدة أشهر. لكن بفضل إصرارها وجهودها في الترويض والتمارين البحرية، عادت بقوة وحققت بطولة المغرب في 2018.

إلى جانب مسيرتها الاحترافية، بدأت مريم التدريب منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، وراكمت خبرة طويلة في هذا المجال، ما ساهم في إطلاق مشروعها الخاص «Dihya Surf Morocco» الذي يستقطب الراغبين في تعلم ركوب الأمواج من مختلف الجنسيات، ويوفر لهم المعدات والتنقل.

"في البداية لم أكن أتوفر على معدات ولباس الركمجة، كنت أقتصر على كرائها، كما أنني كنت أستعين بسائق سيارة أجرة كبيرة من أجل توصيل الزبائن، لكن بعد جمعي مبلغ من المال قمت بشراء معداتي الخاصة بالإضافة إلى سيارة".

مريم الكردوم

على الرغم من أن مريم، لم تواصل تعليمها الأكاديمي بعد البكالوريا، لكنها لم تندم على اختيارها لركوب الأمواج. وقالت "لطالما كنت أؤمن بأن مكتبي في البحر وليس في البر. لكن هذا لا يعني أنني أشجع على التخلي عن الدراسة."

كما تحاول مريم إظهار فخرها وانتمائها الأمازيغي، من خلال لباسها وطريقة حديثها، عكس ما كانت عليه في صغرها، وقالت متأسفة "عندما كنت صغيرة كنت أخجل من كوني أمازيغية، غالبا ما كنت أتلقى انتقادات ما شكل لي عقدة في البداية، لكن مع مرور الأيام، تغيرت الأمور، إذ أنني أصبحت أصر على أن أتحدث بلهجتي مع القنوات العالمية، لكي أقول بصوت عال أنا أمازيغية".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال