جاء في وثيقة صادرة عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعود تاريخها إلى ماي من سنة 1976، أن الانتقادات المتزايدة للسياسات الخارجية والداخلية والاستعدادات للانتخابات الوطنية التي طال انتظارها، دفعت الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى تركيز اهتمامه بشكل متزايد على المشاكل الداخلية.
وأضافت الوثيقة التي رفعت عنها السرية في دجنبر 2016، أن "بومدين فقد هيبته نتيجة فشل جهوده في منع سيطرة المغرب وموريتانيا على الصحراء الغربية"، وواصلت "لقد بدأ الشعور بالضيق العام يتطور في الجزائر العاصمة. ومع ذلك، حتى الآن، لا يزال موقف بومدين المحلي يبدو قوياً، وقد تفوق على منافسيه الرئيسيين أو قمعهم".
قرارات مفروضة
وتؤكد الوثيقة أنه وعلى الرغم من نمو السلطة الرئاسية لبومدين على مر السنين، "يبدو أن مجلس الثورة قادر على فرض نفسه. وربما تكون بعض القرارات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية قد فرضت على بومدين من قبل المجلس. وخلال الجهود الفاشلة التي بذلها نائب الرئيس المصري مبارك، والتي استمرت أسبوعًا في أوائل فبراير، للتوسط في النزاع المغربي الجزائري، قال مسؤولون مصريون إن بومدين شدد موقفه بشكل ملحوظ بعد المشاورات مع المجلس".
وأصبحت التقارير عن الاستياء "بين بعض مستشاري بومدين الرئيسيين أكثر عدداً في الآونة الأخيرة وربما يكون لها أساس ما في الواقع. وكثيراً ما يُذكر وزير الخارجية بوتفليقة وقائد الدرك بن شريف على أنهما من الساخطين. ويُزعم الآن أن وزير الداخلية عبد الغني، ورئيس الأكاديمية العسكرية العقيد يحياوي، ووزير الصناعة والطاقة عبد السلام إما يعارضون بعض سياسات بومدين أو أنهم على خلاف مع الرئيس لسبب آخر".
"من المرجح أن الدور البارز الذي لعبه بومدين في صياغة السياسات بشأن قضية الصحراء قد أثار بعض التذمر بين ضباط الجيش لأنه فشل في التشاور بشكل كامل مع الجيش. ومما لا شك فيه أن الرئيس على علم بمثل هذا التذمر من خلال مجموعة متنوعة من القنوات الأمنية وكذلك من خلال المقربين منه".
وبدأت تظهر علامات الاستياء "على الرغم من استمرار وابل الدعاية الرسمية الداعمة لحق تقرير المصير للصحراء وجبهة البوليساريو" فقد كان "رد فعل الجمهور عمومًا يتسم باللامبالاة تجاه النزاع مع المغرب حول الصحراء الغربية. ويعارض بعض مستشاري بومدين تحويل الموارد الشحيحة اللازمة للتنمية الاقتصادية إلى قضية لا يبدو أنها تحرز تقدما كبيرا".
الجنود يرفضون الزج بهم في حرب "ليست حربهم"
وتؤكد الوثيقة أنه "بالإضافة إلى ذلك من غير المرجح أن يكون لدى العديد من الجنود الجزائريين رغبة كبيرة في الانخراط في صراع لا يعتبرونه صراعهم".
واعتبرت الوثيقة أن مثل هذا الانتقاد الصريح لسياسات الحكومة وحكم بومدين "أمرا جديدا بالنسبة للجزائر". وتابعت أنه في شهر مارس من سنة 1976 "قام أربعة سياسيين جزائريين سابقين، كانوا يعيشون في غياهب النسيان لأكثر من عقد من الزمان، بتوزيع "نداء إلى الشعب الجزائري"، أدانوا فيه سياسة المواجهة التي ينتهجها النظام مع المغرب بشأن الصحراء، ودعوا إلى إجراء انتخابات حرة وإنشاء مؤسسة مستقلة".
وطالبوا في ندائهم "بإنهاء عبادة شخصية بومدين"، وتفاعل المنشقون الجزائريون في المنفى مع النداء "وكان رد فعل النظام سريعا. ووُضِع أصحاب البلاغ الأربعة قيد الإقامة الجبرية، ويبدو أنهم ما زالوا تحت المراقبة المشددة".
كما "نددت بهم وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة ووصفت الحكومة فيما بعد نداء المنشقين بأنه مستوحى من الخارج ومثال آخر على التهديد "الإمبريالي" للثورة الجزائرية، وعلى الرغم من قلة الأدلة على وجود رد فعل إيجابي على المناشدة، فقد كانت الحكومة محرجة وقلقة بشكل واضح من المؤهلات القومية المحترمة للموقعين عليها".
ومن أجل كسب ود العسكريين، كان بودين بحسب الوثيقة يتخلى عن "مبادئه الاشتراكية"، ويتجنب "بشكل عام كبح مصالح النخبة المتميزة، وخاصة كبار الضباط العسكريين، الذين أصبح العديد منهم من كبار ملاك الأراضي".