في أواسط الثمانينات كان الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بنجديد يفكر جديا في وضع نهاية لنزاع الصحراء، غير أن بعض قادة الجيش الجزائري النافذين لم يكونوا يشاطرونه نفس الرأي، بحسب ما تشير إليه وثيقة صادرة عن وكالة المخابرات الأمريكية تعود لـ 1 أبريل 1985.
وتم إعداد الوثيقة التي رفعت عنها السرية سنة 2016، قبيل زيارة الرئيس الشاذلي بنجديد إلى واشنطن (16-22 أبريل 1985)، والتي تعد أول زيارة لرئيس جزائري إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير الوثيقة إلى أن بنجديد قد يطلب خلال زيارته إلى واشنطن "مساعدة الولايات المتحدة في حث المغرب على البحث عن تسوية سلمية لنزاع الصحراء الغربية". وأضافت أن بنجديد يعتقد "أن استعداده للقاء الملك المغربي الحسن (الثاني) عام 1983 واقتراحه في وقت سابق من هذا العام - بأن تسيطر الصحراء الغربية على شؤونها الداخلية بينما يكون الحسن (الثاني) حاكمها الفخري ويمثل الصحراويين في المنظمات الدولية - هي علامات واضحة على أن الجزائر تريد حلا تفاوضيا".
وواصلت الوثيقة أن الجزائريين ينظرون "إلى بناء المغرب للستار الرملي في الصحراء الغربية وتعنته في المحادثات الأخيرة" كدليل على أن الحسن (الثاني) يرغب في حسم النزاع عسكريا.
وأكدت أن الساتر الترابي المغربي حرم "جبهة البوليساريو فعليا من الوصول إلى المراكز السكانية الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على جبهة البوليساريو السفر عبر موريتانيا لدخول أراضي الصحراء الغربية باستثناء جزء صغير منها. وأصبح جزء من الجدار الرملي الآن على مسافة 15 كيلومترًا تقريبًا من الحدود الجزائرية. وقد نفذت قوات البوليساريو هجومين كبيرين – في أكتوبر في الزاغ وفي يناير في المحبس – منذ الخريف الماضي، ...، وفي كلا الهجومين الكبيرين، اخترقت قوات البوليساريو المجهزة بالمدرعات الجدار الرملي مؤقتًا، لكن التعزيزات المغربية صدتها".
وتوضح الوثيقة أيضا أن بنجديد طلب من العاهل الأردني الملك حسين، والعاهل السعودي فهد بن عبد العزيز، والرئيس المصري حسني مبارك "استخدام علاقاتهم الشخصية مع العاهل المغربي الحسن (الثاني) لتعديل ما تعتقد الجزائر أنه تعنت مغربي بشأن قضية الصحراء الغربية".
"غير بن جديد السياسة الجزائرية بشأن الصحراء الغربية خلال العام الماضي من موقف المطالبة بالاستقلال الكامل إلى موقف ينطوي على وضع للحكم الذاتي للإقليم الخاضع للسيادة المغربية كجزء من جهد لتشجيع التعاون الإقليمي".
وتوضح الوثيقة أن "الجزائر اتخذت عدة مبادرات لإيجاد حل للنزاع، بما في ذلك القمة الجزائرية المغربية في فبراير 1983 وآخرها المحادثات بين مسؤولين رفيعي المستوى في دجنبر ويناير. وفي الوقت الحالي، تعثرت المفاوضات بسبب ما تعتبره الجزائر تعنتا مغربيا للحفاظ على الوضع الراهن".
وأكدت الوكالة أن "الجانبين يواصلان دعم فكرة الحوار والحل السلمي، ولكن انعدام الثقة بين الرباط والجزائر يجعل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض أمرا صعبا".
ويشير المصدر ذاته إلى أنه بالموازاة مع ذلك، "تواصل الجزائر تقديم الدعم السياسي القوي لجبهة البوليساريو"، وبعد نيل البوليساريو عضوية منظمة الوحدة الإفريقية، كانت الجزائر تبحث عن إيجاد مكان لها داخل منظمة عدم الانحياز.
ورجحت المخابرات المركزية الأمريكية أن "يعرض بن جديد مقترح الجزائر الأخير للسلام بشأن الصحراء على المسؤولين الأمريكيين ويطلب منهم الضغط على الحسن (الثاني) لتقديم تنازلات". وأضافت "رغم أننا نعتقد أن الجزائر والرباط يرغبان في التوصل إلى حل سياسي، فمن المرجح أن تحدث فترات من التوتر المتزايد، مما يزيد من خطر المواجهة المباشرة".
لكن وبحسب الوكالة الأمريكية فإن "دعم بن جديد لحل وسط لنزاع الصحراء الغربية يمكن أن يصبح قضية خلافية بين صناع القرار الجزائريين. ورغم أن قضية الصحراء الغربية ليست حاسمة بالنسبة لمعظم الجزائريين، إلا أن بن جديد لا يمكنه تجاهل الفصائل في المشهد السياسي الجزائري التي تدعو إلى دعم البوليساريو".
وواصلت "ستعارض مجموعات معينة في الجيش الجزائري والجناح الأيديولوجي لجبهة التحرير الوطني أي محاولة من جانب بن جديد لقطع العلاقات مع جبهة البوليساريو. ومن أجل ضمان الإجماع في الحكومة، يدرك بن جديد أن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تحتوي على الأقل على مظهر ضمانات لحقوق الصحراويين".