في بداية الثمانينات، لم تدرس جبهة البوليساريو جيدا خطواتها العسكرية والدبلوماسية، وهو ما جعل الملك الحسن الثاني يحول انتصاراتها إلى هزائم، بحسب ما تشير إليه وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتاريخ 1 أبريل 1983، رفعت عنها السرية في يوليوز 2011.
وتشير الوثيقة إلى أنه منذ "أواخر عام 1981، عانت جبهة البوليساريو من انتكاسات كبيرة بسبب استراتيجيتها والتي كانت تهدف إلى إجبار المغرب على التفاوض لتسوية قضية الصحراء الغربية".
واستندت هذه الاستراتيجية إلى "فرضية غير مدروسة إلى حد ما مفادها أن الجبهة ستكون قادرة على تنفيذ سلسلة من الانتصارات العسكرية والسياسية المثيرة على المغرب والتي من شأنها أن تهز ثقة المغرب بما يكفي لتقديم تنازلات كبيرة".
وأوضحت الوثيقة أنه "في أكتوبر 1981، حققت جبهة البوليساريو انتصارًا كبيرًا على القوات العسكرية المغربية في كلتة زمور في الصحراء الغربية، مما ألحق بالمغرب أكبر خسارة في الرجال والعتاد في اشتباك واحد منذ بدء الحرب قبل ست سنوات. وبعد ذلك بوقت قصير، حقق المتمردون نصرا دبلوماسيا لا يقل أهمية عن طريق المناورة لجعل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، تجلس في اجتماع وزاري لمنظمة الوحدة الأفريقية".
غير أن "الانجازين" تحولا إلى "انتصارات باهظة الثمن"، حيث "دفعت الجبهة ثمناً باهظاً للمبالغة في تقدير قدراتها وأخطأت في تقدير تصميم المغرب على الهيمنة في الصحراء الغربية ومواهب الملك الحسن الدبلوماسية الهائلة".
فشل عسكري
وتواصل الوثيقة أنه "في أعقاب انتصارهم في كلتة زمور، شاهد المتمردون الملك الحسن وهو يحول الهزيمة إلى محاولة ناجحة للحصول على دعم عسكري أكبر من الولايات المتحدة ودعم دبلوماسي أكبر من الدول العربية والإفريقية"، واستخدم المغرب "القوة الكاملة لعلاقاته الدولية ومكانته الإقليمية لإضعاف زخم جبهة البوليساريو، منذ الهجوم على كلتة زمور، وقد حصل المغرب على دعم عسكري متزايد من الولايات المتحدة"، ما جعله يتغلب "على نقاط الضعف في استراتيجيته الدفاعية".
وتوضح الوثيقة أنه بعد معركة "كلتة زمور" فقدت جبهة البوليساريو زمام المبادرة في ساحة المعركة "وربما لن تكون قادرة على تنظيم حملة ناجحة من شأنها أن تضعف إرادة المغرب في الدفاع عن مطالبته بالصحراء".
وأضافت أن الساتر الترابي المغربي، الذي تم الشروع في بنائه منذ عام 1980، والتحسينات الأخرى في الدفاعات المغربية "ستجعل هجمات الوحدات الصغيرة أقل فعالية مما كانت عليه من قبل؛ ومع ذلك، فإن مثل هذه الهجمات لا تزال قادرة على إيقاع خسائر بشرية في صفوف المغاربة وهز المعنويات".
وأوضحت أن الضربات المغربية الجوية بواسطة طائرات ميراج إف-1، وقدرات الكشف الأفضل هي المشاكل الأساسية التي تحاول البوليساريو حلها. وواصلت أنه "على مدى العامين الماضيين، راكمت جبهة البوليساريو مخزونا حديثا مثيرا للإعجاب من الأسلحة الثقيلة؛ فحيازتها من الدبابات المتوسطة، على سبيل المثال، تعادل حوالي 70 بالمائة من مخزون الجيش المغربي"، ورغم ذلك فإن "الهجوم الناجح على أحد المواقع الأصغر على طول الجدار لن يكون له سوى تأثير عسكري وسياسي هامشي".
فيما "يمثل الهجوم على إحدى المدن أو المواقع العسكرية الكبرى مخاطر كبيرة فيما يتعلق بالانسحاب الآمن للمدرعات البطيئة الحركة عبر قنوات ضيقة وقد يتطلب، على أي حال، قوات أكثر مما ترغب البوليساريو في المخاطرة به في هجمة واحدة. هناك عدد قليل من الأهداف المرغوبة خارج الجدار الرملي. داخل الصحراء الغربية، تظل الداخلة وحدها خارج نطاق حماية المحيط الدفاعي الرئيسي".
وفيما يتعلق بالهجمات على القواعد العسكرية خارج الصحراء فسيكون على البوليساريو حسب الوثيقة "الحصول على إذن من الجزائر، وهو الأمر الذي من غير المرجح أن يتم. وفي كلتا الحالتين، ستواجه جبهة البوليساريو تحديات لوجستية كبيرة، وربما حتى باهظة. ومن غير المرجح أن تتمكن البوليساريو في هذا الوقت من وضع حل مناسب".
وأوضحت الوثيقة أن "جبهة البوليساريو تكاد تكون عاجزة بسبب افتقارها إلى الخيارات العسكرية الجيدة وبسبب الطبيعة المتقلبة إلى حد ما للدعم من رعاتها الرئيسيين، الجزائر وليبيا، اللتين اعتمدت عليهما معظم نجاحات الجبهة. ويخدم الجمود عموماً مصالح المغرب".
وجاء في وثيقة الوكالة "وصف مسؤول في البوليساريو في وقت لاحق النتيجة في كلتة زمور بأنها نصر عسكري لا جدال فيه، لكنه فشل سياسي واستراتيجي. وأشار إلى أن العاهل المغربي خلق ببراعة الانطباع بأن جبهة البوليساريو استخدمت معدات متطورة تتطلب مستشارين عسكريين أجانب ومشاركة نشطة من الجزائر وموريتانيا، مما عزز وجهة نظر الحسن لزيادة المساعدات العسكرية الأمريكية".
فشل في منظمة الوحدة الإفريقية
وتؤكد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن منظمة الوحدة الأفريقية تعرضت لضربة قوية بسبب الخلافات بين المغرب ومؤيديه والمعسكر المؤيد للبوليساريو بقيادة الجزائر وليبيا، "مع غضب غالبية الأعضاء من الكيفية التي أدت بها قضية الصحراء إلى تقسيم المنظمة وتقليص قدرتها على العمل"، حيث ساهم النزاع مرتين في فشل منظمة الوحدة الأفريقية في عقد قمتها السنوية التاسعة عشرة.
كما أنه كان من تبعات مشاركة البوليساريو في لاجتماع الوزاري للمنظمة عدم تحقيق اللجنة "المكلفة بتنفيذ خطة التسوية التي طرحتها المنظمة أي تقدم منذ أكثر من عام". واحتجاجًا على قبول "دولة" البوليساريو كأحدث عضو في منظمة الوحدة الأفريقية، "نظم المغرب و18 حكومة أفريقية أخرى مقاطعة أعاقت التحرك نحو حل ترعاه منظمة الوحدة الأفريقية لمشكلة الصحراء وعطلت اجتماعات المنظمة على مدى الأشهر القليلة التالية".
كما أدى هذا الانقسام في صفوف منظمة الوحدة الأفريقية حسب الوثيقة "إلى عدم عقد اجتماع القمة التاسع عشر في طرابلس...، ومع انهيار قمة طرابلس، رأى المزيد من أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية أن المنظمة لا ينبغي لها أن تظل رهينة لقضية واحدة، وخاصة النزاع العربي".
وبعد ذلك "اجتمعت مجموعة الاتصال المكونة من ستة أعضاء، والتي تم تشكيلها في اجتماع طرابلس للبحث عن سبل لإعادة عقد القمة، مع مختلف أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية وخلصت في أواخر سبتمبر إلى أن قضية "الجمهورية الصحراوية" تعرض استمرار وجود منظمة الوحدة الأفريقية للخطر. واتفقت المجموعة على أهمية انعقاد القمة مرة أخرى بحلول نهاية عام 1982، وأنه لكي تتمكن من القيام بذلك، يجب على البوليساريو ألا تشارك في الاجتماع السابق لمجلس الوزراء أو في القمة نفسها".
وبعد مشاورات مع مؤيديها، خلصت الجبهة إلى أنه "ليس أمامها خيار سوى إعلان امتناعها المؤقت عن جميع اجتماعات القمة المستأنفة. كما أوصت لجنة الاتصال بإدراج تقرير لجنة التنفيذ الخاصة بالصحراء الغربية على جدول أعمال القمة من أجل إحياء عملية السلام المتعثرة".
البوليساريو والارهاب
وآنذاك قالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إنه من شأن توسيع الجدار الرملي المغربي أن يعيق وصول البوليساريو إلى قواعدها الخلفية في تندوف، ويطيل خطوط الاتصال بشكل كبير، ويجبر المتمردين على عبور شمال موريتانيا.
وأضافت أنه "من خلال إدراك أن نجاح المجهود الحربي ضد المغرب يعتمد جزئياً على تحطيم معنويات القوات المغربية، فقد يكون المقاتلون أكثر استعداداً لاستخدام الأنشطة الإرهابية الآن بعد أن أصبحوا أقل قدرة على مواجهة المغاربة بشكل مباشر". وعادت الوكالة لتؤكد أن "تدخل الولايات المتحدة في حرب الصحراء قد يدفع المتمردين إلى النظر إلى عمليات زعزعة الاستقرار في المغرب باعتبارها خياراً عسكرياً مشروعاً وقابلاً للتطبيق".
وأرجعت الوكالة سبب عدم شن البوليساريو هجمات إرهابية داخل المملكة إلى الخوف "من فقدان الدعم الدولي الضئيل الذي لديهم". ورغم ذلك لم تستبعد الوكالة قيام الانفصاليين بـ"الالتفاف حول الجدار الرملي من خلال الهجمات الإرهابية التي يتم تنفيذها خلف الخطوط المغربية عبر الأراضي الجزائرية ودخول المثلث المفيد داخل الصحراء".
وأكدت الوكالة أن الجزائرين بدورهم يعلمون أن الجبهة الانفصالية لم يعد بإمكانها إحداث خسائر في صفوف الجيش المغربي، بسبب الجدار الرملي "وبسبب الفرار من الخدمة وضعف الانضباط داخل حركة حرب العصابات".