القائمة

أخبار

عندما استخدم الاتحاد السوفياتي الفيتو لدعم المطالب المغربية في موريتانيا

في بداية الستينات، عارض الاتحاد السوفياتي فرنسا والولايات المتحدة، واستخدم حق النقض "الفيتو" ضد الاعتراف باستقلال موريتانيا، وكان المغرب آنذاك يخوض حربا دبلوماسية ضد الاعتراف الدولي بموريتانيا التي كان يعتبرها جزء من أراضيه.

نشر
DR
مدة القراءة: 7'

في منتصف ليلة 28 نونبر 1960، أعلن المختار ولد داداه زعيم حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني المعروف بقربه من الإدارة الاستعمارية الفرنسية، استقلال موريتانيا قائلا "بناء على الاتفاق الذي عقد بين كل من الجمهورية الفرنسية والجمهورية الإسلامية الموريتانية بتاريخ 19 أكتوبر 1960، وهو الاتفاق المصادَق عليه من لدن برلمانيي الدولتين، أعلِن استقلالَ الجمهورية الإسلامية الموريتانية".

وأضاف "قد تحقق الحلم الذي طالما راود كل موريتاني وموريتانية. وفي هذه العاصمة الوليدة، أدعوكم للاعتراف برمز إرادة شعب كله ثقة بمستقبله".

آنذاك كان قد مر على استقلال المغرب عن فرنسا أربع سنوات، ورأت الرباط في إعلان المختار ولد داداه قيام دولة جديد في بلاد "الشنقيط" مجرد مؤامرة تقف خلفها الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي اقتطعت أجزاء كبيرة من التراب المغربي.

وبينما كانت فرنسا تحشد التأييد للاعتراف بالدولة الجديدة، كثف المغرب من تحركاته الدبلوماسية، وبقيت الدولة الوليدة معزولة عن محيطها العربي، إذ ساندت جميع الدول العربية باستثناء تونس المملكة المغربية.

الاتحاد السوفياتي يفشل المساعي الفرنسية

كانت سنة 1960 حاسمة بالنسبة للمغرب وموريتانيا، إذ خاض المغرب معركة دبلوماسية في الأمم المتحدة ضد فرنسا التي سخرت كل إمكانياتها لكي تنال موريتانيا مقعدا في الأمم المتحدة.

وفي 3 دجنبر من سنة 1960 استخدم الاتحاد السوفياتي حق النقض الفيتو ضد الطلب الذي تقدمت به فرنسا للاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة. ولم يكن الموقف السوفياتي نابعا آنذاك من قناعة بوجاهة المطالب المغربية، بل كان يدخل في إطار حسابات بين الكتلتين الشرقية والغربية.

وكان الفيتو السوفياتي راجعا إلى رفض دول الكتلة الغربية انضمام دولة منغوليا الشيوعية إلى الأمم المتحدة.

وعلى غرار فرنسا لم تقف الولايات المتحدة مع المغرب، حيث تشير مذكرة رسمية أمريكية رفعت عنها السرية يعود تاريخها إلى 27 فبراير 1961، موجهة من السكرتير التنفيذي لوزارة الخارجية الأمريكية ستوسيل إلى المساعد الخاص للرئيس دونجان، إلى وجود خلافات مع المغرب بخصوص موريتانيا.

وتؤكد الوثيقة أن "الخلافات بين الولايات المتحدة والمغرب بشأن موريتانيا مذكورة ببساطة. ويصر المغرب على أن حكومة موريتانيا هي نظام عميل، اختلقته ودعمته فرنسا لمنع إعادة الأراضي التي هي ملك لها إلى المغرب. وكان المغرب بالطبع حريصاً على الحصول على دعم الولايات المتحدة، باعتبارها قوة عظمى. لقد رفضنا ذلك في الواقع من خلال الاعتراف باستقلال موريتانيا وإظهار استعدادنا للتصويت لصالح قبول موريتانيا في الأمم المتحدة".

واعتبرت الوثيقة أن "ادعاءات المغرب السياسية لا تقوم على أدلة قاطعة، لكن هناك روابط ثقافية وعرقية ودينية بين البلدين". وتابعت "يبني المغرب ادعاءاته على روابط تاريخية (مهما كانت ضعيفة) تعود إلى الأيام الأولى للإسلام في شمال أفريقيا، وعلى الولاء التقليدي" لسلاطين المغرب.

"إن ما جعل الموقف الأمريكي غير مريح بشكل خاص هو تبني الملك محمد (الخامس) نفسه بشكل صريح وحازم للمطالبة المغربية. علاوة على ذلك، يحظى هذا الادعاء على الأقل بدعم علني من جميع الاتجاهات السياسية في المغرب، وسيكون من المستحيل الآن تقريبًا على الملك أو أي شخص آخر في المغرب التراجع عنه".

وثيقة سرية أمريكية

وجاء في الوثيقة أيضا "كنا نأمل أن تكون هناك معارضة كافية للمغرب في هذه القضية من الدول الأفريقية الأخرى لصرف الغضب المغربي عنا. لقد بدا هذا بالفعل هو الوضع في الوقت الذي اعترفنا فيه باستقلال موريتانيا، لكن الوضع منذ ذلك الحين أصبح أكثر غموضًا إلى حد كبير".

وواصلت "وبينما اعترفت العديد من الدول باستقلال موريتانيا، ومن ثم ستصوت لصالح انضمامها إلى الأمم المتحدة، نجح المغرب، من خلال المساومات الماهرة مع الدول الأخرى ذات السياسات التي تحتاج إلى الدعم، في اصطفاف مجموعة من المتطرفين الحازمين وراءه. الدول الأفروآسيوية. وجميع أعضاء الجامعة العربية العشرة، باستثناء تونس، وهناك مؤشرات حديثة على أن تونس تتراجع إلى موقف أكثر حذرًا، وتؤيد الموقف المغربي ولا تعترف بموريتانيا".

الولايات المتحدة والفيتو السوفياتي

وأوضحت الوثيقة الرسمية الأمريكية أن الاتحاد السوفياتي، فضل "لأسباب خفية، المغرب في هذا النزاع"، وواصلت "لقد دعم الاتحاد السوفياتي الموقف المغربي من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) ضد طلب موريتانيا للحصول على عضوية الأمم المتحدة، حيث رأى في هذا النزاع فرصة لتفاقم العلاقات الأمريكية المغربية والضغط على قواعدنا".

وواصلت "لم يتخذ السوفييت موقفًا لا لبس فيه بشأن موضوع النزاع بين المغرب وموريتانيا، بل سعوا فقط إلى ربط قبول موريتانيا باعتراف منغوليا الخارجية. ومع ذلك، فقد تجاهلت الحكومة المغربية والصحافة المغربية هذه الدقة، ومنحوا السوفييت الفضل الكامل في منع انضمام موريتانيا إلى الأمم المتحدة".

وكانت الولايات المتحدة قد اعترفت باستقلال موريتانيا، وصوتت لصالح انضمامها إلى الأمم المتحدة، وأرسلت وفداً رئاسياً إلى احتفالات الاستقلال في نواكشوط.

واعترفت معظم دول أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية، وأغلبية الدول الآسيوية غير العربية، وجميع الدول الأفريقية الاستوائية بموريتانيا.

وأوضحت الوثيقة أن "الولايات المتحدة تواجه معضلة حيث لا تستطيع أن تتجنب بشكل كامل استعداء طرف أو آخر. ومع ذلك، فمن الممكن أن نتمكن من الحد من الضرر الذي قد يلحق بأنفسنا في المغرب الذي يتمتع بموقع استراتيجي، حيث لدينا استثمار عسكري كبير بشكل خاص، من خلال تجنب أي مبادرة بشأن هذه المسألة الأفريقية في المقام الأول. عندما نكون ملزمين بالتعبير عن وجهة نظرنا، يجب أن نحاول التأكيد على المصلحة التي لدى الطرفين في العلاقة الودية".

الاتحاد السوفياتي يغير موقفه

وبعد سنة من الفيتو السوفياتي، وبالضبط في 27 أكتوبر 1961، غير السوفياتيون موقفهم، بمجرد قبول الكتلة الغربية بالاعتراف بمنغوليا، وتم الاعتراف بالدولتين معا في 27 أكتوبر 1961.

وصوت لصالح قبول عضوية موريتانيا في المنظمة الدولية 68 دولة، فيما عارضت ذلك 17 دولة عربية إضافة إلى كوبا وغينيا، وامتنعت 20 دولة عن التصويت.

بعد انضمام موريتانيا للأمم المتحدة أصبح الموقف المغربي ضعيفا، وقررت العديد من الدول التي دعمته الاعتراف بالدولة الحديثة، وهو ما حدى بصناع القرار في المملكة إلى مراجعة مواقفهم.

يحكي المختار ولد داداه في مذكراته التي عنونها بـ"موريتانيا على درب التحديات" أنه "في شهر أكتوبر من عام 1967 التقيت لأول مرة بصورة مباشرة بوزير مغربي في برلين خلال زيارة عمل قمت بها لجمهورية ألمانيا الاتحادية. ويتعلق الأمر بالسيد مولاي أحمد العلوي ابن عم الملك وأحد معاونيه المقربين".

ويضف ولد داداه أن سنة 1969 كانت "سنة تطبيع العلاقات المغربية الموريتانية. فخلال القمة السابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية المنعقدة بأديس أبابا في بداية شهر شتنبر، استقبلت السيد الطيب بنهيمة وزير الخارجية المغربي بناء على طلب منه، وخاطبني قائلا: "جئت مبعوثا من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لأؤكد لكم عزمه على استدعائكم لحضور القمة الإسلامية بالرباط. ويتمنى جلالته من صميم قلبه أن تقبلوا الحضور ما سيسمح لكما بإنهاء الخلاف العارض القائم بين بلدينا الشقيقين". وكان جوابي أنني إذا تلقيت من الملك دعوة مماثلة لتلك التي سيوجها إلى رؤساء الدول المدعوة لحضور المؤتمر فأسرد عليها بالإيجاب وبكل سرور".

ويتابع أول رئيس لموريتانيا أنه في 22 شتنبر من سنة 1969 "هبطت بمطار الرباط، وحين رأيت الملك الحسن الثاني محاطا بلجنة الاستقبال عند سلم الطائرة التي تقل وفدنا، وعلمنا يرفرف إلى جانب العلم المغربي وسط الأربعين من أعلام مختلف الدول الإسلامية، ثم استمعت إلى نشيدنا الوطني يردده الجوق المغربي خلال استعراضي مع الملك وحدة من القوات المسلحة الملكية، غامرني شعور بالارتياح والعزة كلما شعرت به".

وتقرر على هامش القمة تطبيع العلاقات بين البلدين، وعين الحسن الثاني قاسم الزهيري سفيرا للمغرب في نواكشوط، فيما تم تعيين أحمد ولد جدو سفيرا لموريتانيا في الرباط.

وفي الثامن من شهر يونيو من سنة 1970 وقع الحسن الثاني والمختار ولد داداه اتفاقية تعاون وحسن جوار بين البلدين، معلنين بذلك وضع حد للخلاف بين البلدين.

وفي سنة 1973 أصبحت موريتانيا عضوا في الجامعة العربية، وهو ما دفع أول رئيس موريتاني إلى القول في مذكراته "موريتانيا لم تستقلَّ فعليا إلا سنة 1973".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال