في زمن الثمانينات عندما كان لحسن دملاك، يقوم بجولات استعراضية في الدواوير النائية بالمغرب، رفقة إخوته الخمسة، لم يكن يعلم أن فنه سيقود إلى الاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية. وقبل هجرته إلى بلاد العم سام، كان ابن مدينة مراكش، يحترف تقديم العروض البهلوانية والمسرحية، ما أكسبه شهرة واسعة في المداشر والدواوير.
وقال خلال حديثه مع موقع يابلادي "في البداية، كان أخي هو من يحترف تقديم العروض البهلوانية، وبعدها بدأنا نلتحق به نحن وإخوتي واحدا تلو الآخر". ومن أجل الانتقال من دوار إلى آخر وبين الأسواق الأسبوعية أيضا، لتقديم هذه العروض، كان الإخوة يستعينون بالحمير والبغال، وأضاف لحسن الذي بدأ يمارس هذا الفن في عام 1984، "اشتريناها لهذا الغرض، بالإضافة إلى خيام، كنا نصطحبها معنا أينما حللنا وارتحلنا، كي تكون مكانا يجلس فيه المتفرجون العاشقون لفننا".
في البداية، كانت عروض الإخوة، الذي كانوا يحرصون على الحصول على تراخيص من السلطات المعنية قبل لقائهم بالجمهور، تقتصر على الدواوير المحيطة بالمدينة الحمراء فقط، لتعم فيما بعد، باقي أرجاء المملكة، وقال "جلنا تقريبا المغرب بأكمله بنفس الطريقة على متن الدواب"، آنداك، كبرت الفرقة ولم تعد تضم الإخوة دملاك فقط، وأصبح عدد أفرادها 26.
"في هذه الفترة بدأنا نستعين بـ "البراح" الذي كان يجول في الأسواق والدواوير من أجل إخبار الناس بمواعيد عروضنا، وعندما كنا نصل إلى هناك، كنا نجد الجماهير في انتظارنا، وقبل بداية العرض دائما ما كنا نردد "هاحنا جينا لا تقولو ماجينا". كنا نحظى بترحيب هائل وكنا نسعد الناس بعروضنا المتنوعة، نظرا لعدم وجود وسائل أخرى للترفيه عنهم، كنا ذلك المتنفس الذي ينسي الناس همومهم".
وفي عام 1988، قررت الفرقة، الاقتصار على تقديم عروضها في ساحة جامع الفنا، مع الاستعانة بالقردة، واستمر هذا الأمر إلى غاية 1998. وقال "بالموازاة مع عروضي في ساحة جامع الفنا، كنت أقدم عروضا بشكل منفرد، في مجموعة من الفنادق، كما أنني اشتغلت مع مجموعة لموسيقى لكناوة، حيث كنا نقوم بتنشيط مجموعة من المناسبات".
وبعد ذلك وقع لحسن البالغ حاليا من العمر 48 عاما، عقد عمل، للاشتغال في إحدى الملاهي في المملكة المتحدة، من أجل تقديم عروضه البهلوانية، وقال "أحد إخوتي كان يعمل في وول ديزني، وكان له الفضل في توقيعي أنا وبعض الأصدقاء هذا العقد. انتقلنا إلى هناك وكنا نقدم عروضا متنوعة من رقص فلكلوري، وحركات بهلوانية وغناء وغيرها، كنا نقوم بتقديم ثلاث عروض تنهل من الثقافة المغربية، ولم يكن يبقى أي مكان شاغر".
وكانت مدة شهرين كفيلة للفرقة لتقديم صورة إيجابية عن المغرب، "بعد هذه اللحظات الجميلة، عدنا لساحة جامع الفنا" ولم تمر سوى شهرين، لتتلقى الفرقة عرضا آخرا، وهذه المرة للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والاشتغال ضمن فرقة Ringling Bros. and Barnum & Bailey Circus المشهورة، وقال باعتزاز "إنها فرقة قديمة وعريقة وكان لنا الفخر للاشتغال مع هذه الشركة، كنا 13 فردا من المغرب، وقعنا عقدا عقد مدته 4 سنوات".
وبالفعل انتقل لحسن إلى الولايات المتحدة عام 1999، لكن سرعان ما عاد إلى المغرب بهدف الزواج من خطيبته، "يوم زفافي وقع الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة ( 11 شتنبر 2001)" وهو ما جعل عودته لبلاد العم سام تتأثر، لكن في نهاية المطاف وبعد محاولات عديدة، تمكن من العودة إلى هناك، "لكن قررت تغيير المهنة، بشكل نهائي، وبدأت الاشتغال في عدة مهن، من أجل جلب زوجتي معي".
بعد اشتغاله في عدة مهن حرة، من البناء إلى الصباغة وغيرها، قرر إطلاق مشروعه الخاص، وهو عبارة عن مطعم متنقل يقدم وجبات مغربية، غير أن الأمر لم يدم طويلا بسبب بعض الصعوبات التي واجهته، وقال المغربي الذي يعيش في ساراسوتا الواقعة بولاية فلوريدا "بعدها اشتغلت في مجموعة من الشركات المتخصصة في غسل السيارات وتلميعها، وكل ما يخص تزيينها، آخرها قضيت بها خمس سنوات".
وقبل عامين، قرر إطلاق مشروعه الثاني في هذا المجال بعد مراكمته خبرة دامت 8 سنوات، وعلى عكس مشروعه الأول، كان النجاح حليفه، حيث قام بتأسيس مشروع، متخصص في غسل السيارات، وذلك عبر سيارة متنقلة مجهزة بجميع المعدات الازمة.
"سيارتي مجهزة بجميع الأدوات والمعدات، حتى الماء، أتنقل إلى مكان الزبون، وأقوم بتنظيف سيارته، وأكسب زبناء جدد بفضل القدامى، هناك إقبال كبير، ما جعلني أستعين بشخصين لمساعدتي من وقت لآخر".
ويفكر المهاجر المغربي، الذي يعتز بمغربيته، في العودة إلى المملكة، لإطلاق مشروع في نفس المجال، لكن قبل ذلك يحرص على إتمام بناته الثلاث لدراستهن، "أنا لم أدرس، ولا أريدهن أن يعانين مما عانيته، هن متفوقات في الدراسة وأطمح في أن يحصلن على مناصب مهمة في المستقبل. أنا لا أعرف القراءة أو الكتابة، بناتي هن اللواتي يساعدنني في ذلك، اللغة الإنجليزية اكتسبتها من خلال الاحتكاك بالناس فقط".