أعلنت الرئاسة السورية، أن الرئيس بشار الأسد سيشارك في أعمال الدورة الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي ستنعقد غداً الجمعة، بالمملكة العربية السعودية، لتشكل بذلك هذه المشاركة نهاية المقاطعة العربية لدمشق، المستمرة منذ 2011.
يتوجه الرئيس #بشار_الأسد اليوم إلى مدينة #جدة في المملكة العربية السعودية للمشاركة في أعمال الدورة الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي ستنعقد غداً الجمعة.
— الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@SanaAjel) May 18, 2023
? https://t.co/qxtB4CerWa pic.twitter.com/5NBgMTtkOf
ويمثل حضور الأسد في القمة، أهم تطور في موقف الدول العربية التي قاطع أغلبها دمشق، منذ تفجر الاحتجاجات في البلاد سنة 2011، حيث علقت جامعة الدول العربية آنذاك عضوية سوريا، فيما استدعت أغلبية الدول سفراءها، ردا على قمع الاحتجاجات بوحشية كبيرة.
وتشكل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، خطوة رمزية كبيرة، تؤكد تغيير نهج الدول العربية المؤثرة وخاصة السعودية والإمارات ومصر، تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي بقي في السلطة بفضل الدعم العسكري الروسي، والذي يرى في عودته إلى الجامعة العربية اعترافا بشرعيته.
وأعلنت الإمارات والسعودية والبحرين والأردن إعادة فتح سفاراتها في العاصمة دمشق، خلال الآونة الأخيرة، وفي المغرب لم يصدر أي قرار رسمي لحد الآن من التحولات الجارية في الساحة، علما أن المملكة قطعت علاقاتها مع سوريا منذ سنة 2012، بعد قرارها طرد السفير السوري حينها، لكونه "شخص غير مرغوب فيه".
شروط مغربية
وقوبلت مساعي بعض الدول العربية بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية برفض المغرب وأيضا قطر والكويت، واليمن، واشترطت المملكة بحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال"، اعتراف دمشق بالوحدة الترابية للمملكة، وإنهاء دعمها لجبهة البوليساريو.
وتعترف سوريا بـ"الجمهورية العربية الصحراوية" منذ أبريل من سنة 1980، لكنها لا تقيم علاقات دبلوماسية معها، رغم أنها استقبلت أعدادا من الانفصاليين للتدريب في معسكرات الزبداني في بداية السبعينيات.
ومنذ استقلال البلدين، مرت علاقاتهما بلحظات من المد والجزر، ففي سنة 1965، قطع البلدين علاقاتهما إثر حادث اغتيال المهدي بن بركة الذي كانت تربطه صلات وثيقة بالقيادة السورية، وأعيد تطبيع العلاقات سنة 1971 إثر تولي الرئيس حافظ الأسد لمقاليد الحكم في دمشق، وأعقب هذه الفترة تحسن كبير في العلاقات خصوصا بعد مشاركة قوات مغربية في حرب أكتوبر من سنة 1973 ضد إسرائيل.
لكن العلاقات بين البلدين بدأت تسوء بعد ذلك بسبب علاقات الملك الحسن الثاني مع قادة إسرائيل، ودوره في التقريب بينهم وبين مصر، واستأنفت العاصمتان علاقاتهما سنة 1989، وبقي الأمر على حاله إلى غاية 2011.
بشار الأسد ليس على علم
وفي سنة 2001 شهدت العلاقات بين البلدين زخما كبيرا، إذ توجه الرئيس السوري إلى المغرب في شهر أبريل من ذات السنة، والتقى بالملك محمد السادس، واتفق الجانبين على إحداث لجنة عليا مشتركة، وفي شهر أكتوبر من سنة 2001 زار الوزير الأول المغربي آنذاك عبد الرحمان اليوسفي دمشق، وتم التوقيع على 19 اتفاقية وبروتوكولا للتعاون المشترك.
وأشارت وسائل إعلام في حينه إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد، علم بعد لقائه بعبد الرحمان اليوسفي بوجود مكتب خاص للبوليساريو في دمشق، و"على الفور أستعلم الرئيس السوري من الاجهزة الحزبية عن حقيقة الموقف التي لم تحط الرئيس السوري بوجود جبهة تعتبر في المفهوم السوري القومي غير شرعية كونها تدعو للانفصال، وتأسيس دولة من رحم دولة".
واستمر شهر العسل بين البلدين، وفي يوليوز من سنة 2002، وصل وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى المغرب حاملا رسالة من الرئيس السوري بشار الاسد الى الملك محمد السادس، وبحث مع نظيره المغربي محمد بنعيسى "التنسيق بين المشرق العربي والمغرب العربي وخاصة في المرحلة الراهنة".
واستمرت العلاقات دافئة، إلى غاية اندلاع الاحتجاجات في سوريا، حيث سار المغرب على نهج العديد من الدول التي قررت قطع علاقاتها بدمشق.
محاولة لاستغلال الوضع
وحاولت جبهة البوليساريو استغلال القطيعة الدبلوماسية بين الرباط ودمشق، من أجل تفعيل قرار سوريا بالاعتراف بـ"جمهوريتها" وتبادل البعثات الدبلوماسية، معولة على التقارب الجزائري السوري، حيث كانت الجزائر من بين الدول القليلة التي حافظت على علاقات دافئة مع سوريا.
وبدأت جبهة البوليساريو، تحرص على تهنئة بشار الأسد بمناسبة الأعياد الوطنية لبلاده، واستمرت على هذا النهج رغم أنها لم تعامل بنفس الطريقة من قبل النظام السوري، إذ لم يسبق لبشار الأسد أن راسل زعيم البوليساريو.
ففي شهر أبريل الماضي بعث إبراهيم غالي تهنئة لبشار الأسد بمناسبة اليوم الوطني لبلاده أشاد فيها بما "حققته سوريا من انتصار على قوى الشر والتآمر الغاشم"، وهو ما "يعد مفخرة وانتصارا لكل الأحرار المؤمنين بحتمية اندحار الظلم وأحلافه".
ولم تشر وكالة الأنباء السورية للتهنئة، رغم أنها تحدثت عن باقي التهاني التي توصل بها الأسد، وفي شهر فبراير الماضي بعث إبراهيم غالي رسالة تعزية إلى الرئيس السوري، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب بلاده والذي خلف آلاف الضحايا، وجاء فيها "ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الشعب العربي السوري ودولته المجيدة لمأساة أو محنة يخرج منها منتصرا بقيادتكم الرشيدة".
وقبل ذلك وفي يوليوز 2021، شارك ممثل للبوليساريو، في المؤتمر الثامن لـ"حزب حركة الاشتراكيين العرب" الذي انعقد بالعاصمة دمشق.
ورغم محاولات الجبهة الانفصالية، إلا أن دمشق المشغولة بآثار الحرب المدمرة، وبخلافاتها الإقليمية، لم تقابل هذه الرسائل بأي اهتمام يذكر، لتجنب تعكير الأجواء مع الدول العربية الكبرى، وخصوصا السعودية التي تعتبر حليفا تقليديا للمغرب، وتعترف بسيادته على الصحراء.
وعموما، تراجع تأثير دمشق في محيطها بشكل كبير بعد أحداث 2011، إذ يعتبر موقفها من مختلف القضايا الدولية غير مؤثر، ودون وزن في الساحة الدولية.
عزلة عربية
ولم تستطع جبهة البوليساريو الخروج مع عزلتها في العالم العربي منذ تأسيسها، إذ لا تعترف بها سوى الجزائر وموريتانيا وسوريا، من بينة 22 دولة عربية، وفي شهر فبراير من سنة 2022، اعترف إبراهيم غالي بصعوبة إيجاد موطئ قدم في العالم العربي وقال "لقد افتقد الشعب الصحراوي لتضامن عربي حقيقي، وتنكر له الإخوة والأشقاء"، وتابع أن "النزاع بين الأشقاء لا يحل بالتجاهل ولا بالانحياز إلى شقيق على حساب شقيق"، في إشارة منه للدعم العربي للمغرب.
وينعكس هذا الدعم العربي في قرارات جامعة الدول العربية، التي تتعمد عدم مناقشة نزاع الصحراء في اجتماعاتها، تماشيا مع الموقف المغربي الذي يصر على حصرية الأمم المتحدة في تدبير الملف.
كما أنه سبق للجامعة العربية أن وجهت مراسلة لأعضائها من أجل اعتماد خريطة المغرب كاملة في اجتماعاتها، وهو ما يظهر في موقعها الرسمي.