في شهر دجنبر من سنة 2009، نشر الموقع الأمريكي الشهير ويكيليكس، مذكرة للخارجية الأمريكية تتكون من 16 صفحة مصنفة على أنها سرية، يعود تاريخها إلى 17 دجنبر 1975، تؤرخ لما دار بين وزير الخارجية الجزائري آنذاك "عبد العزيز بوتفليقة (1963-1978) ونظيره الأميركي "هنري كسنجر" (1973-1977)، في لقاء جمعهما بباريس.
وركزت المباحثات بين المسؤولين على قضية الصحراء، وقال كيسنجر مخاطبا بوتفليقة إن بلاده حاولت أن تقنع "الحسن الثاني بالعدول عن تنظيم المسيرة الخضراء"، وتابع "بصراحة نود أن نبقى خارج مشكل الصحراء، هذا ليس موقفا بطوليا منا".
بعد ذلك حاول بوتفليقة أن يقنع وزير الخارجية الأمريكي، بأهمية قضية الصحراء، وقال إنها "مشكلة فريدة من نوعها" وهي "مهمة بالنسبة للشرق الأوسط". وتساءل كيسنجر عن السبب الذي يجعلها مهمة للشرق الأوسط، فرد عليه بوتفليقة بمحاولة تشبيهها بالقضية الفلسطينية، وقال "لا يمكن التخلي عن الشعب الصحراوي أو حتى الشعب الناميبي. المغرب وموريتانيا جزء من المشكل وهم يسعون لتسوية القضية".
لكن وزير الخارجية الأمريكي لم يقتنع بتشبيه بوتفليقة نزاع الصحراء بالقضية الفلسطينية، وقال "لا أعلم ماذا يعني مفهوم تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء، إنني أتفهم الأمر بالنسبة للفلسطينيين إذ إن الأمر مختلف نوعا ما".
ورد بوتفليقة على سؤال كيسينجر حول منظور الجزائر لحل النزاع قائلا "هناك حل وحيد إنها مشكلة مبدأ، بالإمكان إجراء استفتاء والجزائر ستقبل بنتائج هذا الاستفتاء".
وأصر كيسينجر على أنه ليس للولايات المتحدة أي مصلحة في قضية الصحراء، فيما عاد بوتفليقة للحديث عن المسيرة الخضراء، وقال إن الولايات المتحدة كان بإمكانها منعها، وهاجم فرنسا وقال إنها "لعبت دورا يتسم بعدم النضج، لم تكن هناك كياسة أو براعة في التعامل مع القضية".
وأصر كيسنجر على أن وضع عراقيل أمام المسيرة الخضراء كان "سيقوض العلاقات بشكل كامل مع المغرب"، وتابع أن واشنطن لم تدعم أي طرف، وأنها حاولت البقاء خارج النزاع، ورد بوتفليقة قائلا "لا يمكن أن يكون دوركم هامشيا أو متجردا من أية مصالح على اعتبار أنه كان يربطكم تعاون عسكري مع المغرب، وبناء عليه لا يمكنكم أن تلتزموا الحياد بين المغرب والجزائر. لهذا نحن نتفهم موقفكم أنه من الواجب عليكم أن تدعموا أو تظهروا دعمكم للمغرب".
وتفاجأ كيسنجر من موقف بوتفليقة وخاطب المترجم قائلا "لكن مماذا يتذمر وزير الخارجية الجزائري، من أننا لا ندعم الجزائر؟ إذا تبنينا موقف الجزائر فإننا سيتعين علينا أن نعكس مواقفنا كليا".
وظل كيسنجر يصر على عدم أهمية النزاع بالنسبة للإدارة الأمريكية، فيما كان بوتفليقة يجتهد ليظهر له أهميته وتأثيره على المنطقة، ودعاه إلى التفكير في الأمر.
وحاول بوتفليقة معرفة رأي الولايات المتحدة، في قيام دولة جديدة في المنطقة، ورد عليه كيسنجر بلغة دبلوماسية قائلا "لو تطور الأمر فإننا كنا سنقبل بها كما قبلنا بغينيا الإستوائية وجمهورية الرأس الأخضر".
وبعد شهرين من هذا اللقاء، أعلنت جبهة البوليساريو من داخل الأراضي الجزائرية، قيام "الجمهورية العربية الصحراوي الديمقراطية"، وعملت الجزائر جاهدة على حشد الدعم لها، ودفع الدول للاعتراف بها.
وبعدما لم ينجح وزير الخارجية الجزائري في إقناع نظيره الأمريكي بأهمية النزاع وتأثيره، انتقل إلى الحديث عن وجود ثروات طبيعية في الصحراء، وقال "هناك ثروات هائلة في الصحراء، في غضون 10 أو 12 ستة ستغدو كويت المنطقة".
ورغم ذلك تشبث كيسنجر بموقفه، وقال "نحن لا نعارض الأمر، هذا ليس من شأننا"، ورد بوتفليقة "إنه لمن المهم الحفاظ على التوازن الذي عملنا من أجله في المنطقة، ليس لدي أي انطباع بأن مصالحكم في المنطقة تتوافق مع الفوضى".
لكن بوتفليقة فشل في دفع الولايات المتحدة إلى تبني موقف بلاده من نزاع الصحراء، وظلت الولايات المتحدة أقرب إلى الموقف المغربي.