خلال حكم السعديين للمغرب (1510-1659م) ، ظهرت العديد من الفرق الصوفية، لكن أغربها كانت فرقة "العكاكزة" والتي سميت أيضا بـ"اليوسفية". واستمر وجود هذه الطائفة لأكثر من قرنين، كما أنها انتشرت في رقعة جغرافية شاسعة.
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن مؤسس هذه الطائفة هو أحمد عبدالله المنزولي، وتنتسب إلى الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي الملياني (ت 927هـ)، وهو مؤسس الطريقة الشاذلية.
ويشير عبد المجيد النجار في كتابه، "المهدي بن تومرت - حياته وآراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية وأثره بالمغرب"، إلى أن طائفة العكاكزة تأثرت بآراء المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية، وقال إنه "لا شك أن الدعوة التي قام بها المهدي أنشأت طبقة من العامة تؤمن به إماما مهديا، وتعتنق كل ما جاء به من الآراء".
وجاء في موقع الرابطة المحمدية للعلماء "تعرف هذه الطائفة الباقية على عقيدة المهدي بطائفة "العكازين" أو الطائفة "التومرتية"، وقد بقي لها وجود إلى عصر أبي عبد الله محمد بن الحسن المجاصي(ت:1103هـ/1691م)، والحسن اليوسي(ت:1102هـ/1699م)".
وأوضح عبد المجيد النجار أن هذه الطائفة كانت منتشرة "في المنطقة الممتدة بين فاس ومراكش"، وأضاف "أنهم كانوا في توتر مستمر مع المناخ الاجتماعي المحيط بهم، وأنهم في خضم ذلك التوتر لم يفقدوا تلك الصلابة التي نفثها في أتباعه ابن تومرت، فلم يخلدوا إلى اليأس والاستسلام، بل عاشوا حالة من الصراع مع المجتمع الرافض لهم، ما فتئوا يسعون فيه إلى إثبات وجودهم وضمان استمرارهم".
وبخصوص معتقداتهم يشير كتاب "التصوف والبدعة بالمغرب : طائفة العكاكزة، ق 16-17م" لصاحبه عبد الله نجمي، إلى أن العكاكزة كانوا يتميزون بـ"الغلو في محبة أحمد بن عبد الله المنزول ونسبته إلى النبوة"، حيث اتخذه أتباعه "نبيا لأنفسهم، واعتقدوا له شركة مع محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته، وأسندوا إليه الأحكام، ورأوا أنه الشارع".
كما أن أتباع الطائفة فضلوا عبد الله المنزول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في ذات المصدر أن "اليوسفيين فضلوا نبيهم على الرسول (ص)، الذي تبرأوا منه، وصرحوا ببغضه، وتجرأوا على إذايته وسبه".
كما أن أتباع العكاكزة، "أفرطوا في حب نبيهم" إلى "أن جعلوا له موضع قدم في الألوهية...(وكانوا) يطلبون رضاه ويحذرون سخطه، كناية عن كونه إله".
ويشير ذات الكتاب، إلى أن أتباع هذه الطائفة "ينسبون عن شيخهم أنه قال لهم : افعلوا ما شئتم من المعاصي فقد تحملتكم"، وأنه قال لهم "إني رفعت عنكم صلاة الخمس والصيام"، كما أنهم رفضوا الأضحية وفضلوا عليها الميتة، وأحلو أكل الخنزير وقتل المسلمين ونهب أموالهم".
ليلة الغلطة أو الخلطة
وجاء في كتاب "التصوف والبدعة بالمغرب : طائفة العكاكزة" أيضا أن اليوسفيين يشتركون "في نسائهم...، وأنهم يجتمعون رجالا ونساء، ويضربون الدف ويبكون، ويذكرون ألفاظا مصطلحة بينهم في دينهم"، وأنهم "إذا أرادوا النوم، بعد ذلك، وهم مجتمعون يأمرون بإطفاء القنديل فيفعل كل واحد منهم ما شاء في النساء بينهم".
ونقل عن أتباع الطائفة أقوال منها "المرأة كالسجادة صل واعط أخاك يصلي"، وأنه "لا يؤمن أحد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ورأس ذلك زوجته". ويواصل المصدر ذاته أن "اليوسفيين لا يقتحمون الفاحشة لمجرد الاستحلال، بل إنهم يتوبون بها...، وهي عندهم من أعظم القربات"، ويؤكد أن شيوخهم يأمرون مريديهم بجلب زوحاتهم لهم.
وأوضح الكتاب أيضا أن البعض يقول إن "استباحة الزنى يأتي على رأس المأمورات عند اليوسفيين"، وأن تعاليمهم تنص على أنه "لا يحل لامرأة أن تمنع فرجها إلا على أبيها وابنها، ويحل لها إباحته لمن سواها".
وكان منتسبو الطائفة، يقومون بطقس غريب يوما واحدا في السنة، بعد الانتهاء من جمع المحصول في الصيف، يطلقون عليه "ليلة الغلطة أو الخلطة"، ويدخلون كهفا نساء ورجالا ثم يطفؤون الأنوار، ويمارسون الجنس مع بعضهم البعض.
بداية النهاية
وانتشرت أخبار هذه الطائفة، خصوصا وأن الكثير من الأشخاص، كانوا ينتسبون إليها، نظرا لأنها كانت تبيح الجنس وتجعله حلالا، وتسمح لهم بترك الصوم والصلاة، ووصل أمرها سنة 1080هجرية 1671 للميلاد إلى السلطان الرشيد بن علي الشريف، المؤسس الفعلي لدولة العلويين.
ويشير موقع الرابطة المحمدية للعلماء إلى أن العلماء "اختلفوا فيهم، فمنهم من يقول هم زنادقة، ومنهم من يقول هم مرتدون يستتابون، وآل أمرهم في ذلك الزمان إلى الاستتابة"، واعتقل زعيم الطائفة وسجن، وادعى بعد ذلك بأنه تاب وأطلق سراحه.
وتقوت الطائفة بعد ذلك، وتشير بعض المصادر إلى أن أتباعها بلغوا حوالي 50 ألف شخص، وهو ما جعل السلطان المولى إسماعيل بن الشريف، يدخل معهم في حرب سنة 1102 للهجرة 1689 للميلاد، وقتل منهم نحو 63 رجلا من مشايخهم، وطردهم من مناطقهم، ونفاهم إلى قبائل لا تتبع عقيدتهم.