أعلن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اليوم الإثنين وفاة رئيسه السابق ومؤسسه يوسف القرضاوي عن 96 عاما.
ويعتبر الكثيرون القرضاوي بمثابة الزعيم الروحي لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر منذ العام 2013. وسبق لمحكمة جنايات القاهرة أن قضت في حقه غيابيا سنة 2015، بالإعدام.
كما سبق للسعودية ودول خليجية وعربية أخرى أن وضعته على لائحة الشخصيات "الارهابية". وكان تواجده في قطر أحد أسباب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة لعدة سنوات.
القرضاوي والدروس الحسنية
وسبق للقرضاوي أن زار المغرب في عدة مناسبات، أولها كانت سنة 1978، بعد أن تلقى دعوة من طرف عبد الكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، عن طريق سفير المملكة المغربية بالدوحة، لإلقاء درس ديني في إطار الدروس الحسنية أمام الملك الحسن الثاني.
وقال القرضاوي في مقال مطول نشره على موقعه الإلكتروني، "لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعي إليها لهذه الدروس، فقد دُعيت إليها من قبل عدّة مرات، ولكني كنت أعتذر عن عدم تلبية الدعوة بأعذار شتّى".
"حذرني كثيرون: أن هذه الدروس تلزم العلماء بطقوس معينة لا تتفق مع طبيعتي، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيم للملك الذي يدعونه عادة بأمير المؤمنين. وقلت: أنا في غنى أن أكلف نفسي ما لا تحبه ولا تحتمله، فالاعتذار أسلم طريق".
غير أن معارفه ألحوا عليه لكي يقبل الدعوة، وقال إنهم أخبروه أن "أحدًا لا يلزمك بشيء من هذه الطقوس، وكل عالم حر في تصرفه".
وقال إنه استجاب للدعوة، في رمضان سنة 1978، وسافر إلى المغرب فعلًا، "لكن قدَّر الله أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عملية جراحية، فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم".
وفي شهر رمضان سنة 1983، سافر مجددا إلى المغرب من أجل إلقاء درس ضمن سلسلة الدروس الحسنية، حول "حديث تجديد الدين".
وكانت الدروس عادة تنطلق من آية قرآنية، أو من حديث شريف، وقال إنه اختار الانطلاق من حديث "إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة، من يجدد لها دينها".
وليلة الدرس ذهب إلى القصر وقال إنه التقى الملك وحياه وسلم عليه "من وقوف، ولم أضطر إلى أن أنحني، أو أخرج عن طبيعتي قيد أنملة، كما قد قيل لي من قبل. بل كان الرجل ودودًا بشوشًا مُرحَّبًا بي أكثر من غيري، ممن ألقوا دروسًا قبلي".
وواصل القرضاوي "جلست على الكرسي وجلس الجميع - ومنهم الملك نفسه - على الأرض، وقد حضر ولي العهد - وهو الآن الملك محمد السادس - وحضر الوزير الأول والوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وسفراء الدول الإسلامية، وكبار العلماء ووجهاء البلد".
وأكد أنه طيلة الخمسين دقيقة التي استغرقها درسه، "كان الملك يصغي إليَّ باهتمام: بوجهه وعينيه وأذنيه، وكذلك الحاضرون جميعًا".
مناقشة مع الحسن الثاني
ويحكي القرضاوي أنه بعد نهاية الدرس سأله الملك "سؤالًا مهمًا"، وقال "إنَّ الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ: يجدِّد لها أمر دينها"، ورد القرضاوي "هذا هو المشهور على الألسنة، ولكن الذي رواه أبو داود في كتاب الملاحم من "سننه"، ورواه الحاكم في "مستدركه"، ورواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"، كلهم متفقون على هذه الصيغة: "يجدد لها دينها"، والتجديد بالمعنى الذي شرحته لا حرج فيه".
وأضاف "كان هذا السؤال من الملك والرد عليه مني بصراحة، موضع حديث المغرب كله: أني رددت على الملك، ولم أُسلِّم له، كما يفعل كثيرون، ولا أرى في ذلك بطولة ولا فضلًا، فقد سأل الملك سؤالًا، وبيَّنت له الإجابة حسب علمي. ولن أحرّف العلم من أجل الملك، ولا أحسبه هو يرضى ذلك مني"؟
وتابع "ولانشغالي بالدرس أكثر من انشغالي بالملك، لم أفكر في الدعاء له في ختام حديثي. فقد تركت نفسي على سجيَّتها، وكأنما أنا في درس في أحد جوامع الدوحة".
وأكد أنه "في ختام المجلس: صافحني الملك بحرارة، وقال لي: نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم. وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى سمو أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وقد فعلت. كما سلَّم عليّ وليّ العهد وكبار رجال الدولة".
وأوضح القرضاوي أن درسه كان له صدى واسعا "عند الناس كافة في المغرب، حتى قابلت بعض أساتذة الجامعات بعد ذلك، ووجدتهم مسرورين من حديثي، معجبين به، ولا سيما أني لم أراع فيه إلا وجه الله تعالى، ولم ألو فيه عنق الحقائق، ولم أحرِّف الكلم عن مواضعه، ولم أنحن ولم أنثن".
وقال القرضاوي إنه التقى بعد الخطاب في منزل عبد الإله بن كيران، بعدد كبير من الأشخاص، الذين "كانوا في غاية السرور والانشراح من الدرس وصداه في المجتمع المغربي"، فيما "نوَّهت مجلة العدل والإحسان، على لسان مؤسِّس الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين بموقفي في هذا الدرس".