إلى غاية 18 يوليوز 2022، سجل المعدل الوطني لمعدل ملء السدود الرئيسية في المغرب 29.2٪ فقط، بانخفاض يقارب النصف، مقارنة باليوم نفسه (45.2٪) من عام 2021، أو حتى عام 2020 (44.4٪). ويبتعد الرقم أكثر فأكثر عن نسبة 53.8٪ المسجلة في نفس التاريخ من عام 2019.
وفي سياق يتميز بقلة التساقطات للسنة الرابعة على التوالي، بالإضافة إلى الاضطرابات المناخية، نشرت وزارة التجهيز والماء مؤخرًا وثيقة تتعلق بالوضع الحالي والتدابير الطارئة المتخذة. وبحسب الوثيقة فإن عام 2021 "تميزت بكونها السنة الرابعة الأكثر حرارة منذ سنة 1981 بعد سنوات 2020، 2017 و2010" مشيرة إلى أن "متوسط الحرارة فاق بحوالي 0.9 درجة مئوية المعدل المناخي المعتاد للفترة 1981-2010".
كما أشارت الوثيقة ذاتها، التي اطلع موقع يابلادي عليها، إلى نتائج أرقام مقلقة أخرى، سجلت خلال نفس الفترة. فمنذ شتنبر 2021، شهدت البلاد تساقطات مطرية تراوحت في المعدل بين 11.5 ملم و325 ملم، وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ 50 ٪ على الصعيد الوطني، مقارنة مع معدل التساقطات لنفس الفترة"
والأخطر من ذلك، أن معدل المساحة المغطاة بالثلوج انخفض بشكل كبير، خلال الفترة 2018-2022، حيث انتقل من قيمة قصوى تبلغ 45000 كيلومتر مربع في 2018 إلى 5000 كيلومتر مربع في عام 2022، وهو عجز بحوالي 89٪. كما انخفض عدد أيام تساقط الثلوج بشكل كبير، من 41 يوما في 2018 إلى 14 في 2022، أي انخفاض بنسبة 65٪ في 4 سنوات.
وبالتالي فإن حجم الواردات المائية بلغ منذ فاتح شتنبر 2021 حولي 1.83 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ 85٪ مقارنة بالمعدل السنوي. وأكدت الوزارة أن الفترة من 2018 إلى 2022 عرفت "تعاقب سنوات جافة، حيث سجلت على التوالي نسب عجز سنوي يقدر بـ 54٪ و71٪ و 59٪ و 85٪ مقارنة بالمعدل السنوي". ويتجلى الوضع المقلق بشكل خاص في سد سيدي محمد بن عبد الله في الرباط، حيث سجل هذه السنة "أدنى واردات مائية في تاريخه: 51 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل عجزًا بلغ 93٪. مقارنة مع المعدل السنوي".
وأشارت الوزارة إلى أن النسبة الحالية لملء السدود، والتي حددت في 31٪. تم تسجيلها خلال عدة فترات جافة 1980-1985-1990-1995-1998-2000-و2001-2002.
وأوضحت أن الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022 هي أشد الفترات جفافا على الإطلاق، حيث بلغ إجمالي وارداتها حوالي 16.7 مليار م3 وهو ما أصبح يشكل أدنى إجمالي واردات خلال خمس سنوات متتالية، بعد أن تم تسجيل 17.6 مليار م3 كحد أدنى خلال الفترة الممتدة من 1991 إلى 1995. وحذرت الوزارة من أن "جميع الأحواض المائية تعرف عجزا مهما أثر على الامدادات المائية انطلاقا من السدود لسد الحاجيات المائية".
وفي تصريح لموقع يابلادي أكد، فؤاد عمراوي، وهو أستاذ وباحث في الهيدروجيولوجيا بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الاضطرابات المناخية التي أدت إلى سنوات الجفاف الأولى في المغرب، لوحظت منذ الثمانينيات. وأوضح قائلا "عندما تسجل ثلاث أو أربع سنوات من الجفاف على التوالي، تتراكم الآثار السلبية وبالتالي فإن العواقب تكون أكثر خطورة. في كل من المراحل كان للوضع آثار على الإنتاج الفلاحي في المناطق القروية، إذ كانت ضئيلة جدا/ لا سيما فيما يتعلق بالحبوب"
وتابع الأستاذ الباحث حديثة قائلا "نحن نعلم أن هذه المحاصيل تعتمد في المقام الأول على التساقطات المطرية" مشيرًا إلى أن "الحصاد الجيد للحبوب يعتمد دائمًا على أهمية التساقطات الأمطار، التي تسجل خلال فترتين من السنة، بين نونبر ودجنبر ثم مارس وأبريل" وأضاف "خلال هذه السنوات الأخيرة من الجفاف، تصل الأمطار الأولى متأخرة وغالبًا لا تحدث الذروة الثانية، مما يؤثر على غلات الحبوب". وبحسب فؤاد عمراوي، "يتراوح متوسط الحصاد السنوي بين 20 و 25 مليون قنطار، لكن يمكن مضاعفته في أربعة برقم قياسي يبلغ 110 ملايين، في حالة هطول أمطار غزيرة". هذا العام، قدرت العائدات بين 25 و 30 مليون، "وهو مؤشر مهم للوضع المناخي الحالي".
وبحسبه، فإن ما يغير الآن أوضاع الجفاف التي شهدتها الثمانينيات، بصرف النظر عن حقيقة أن حالة 2022 غير مسبوقة، "هو أن الطلب على المياه قد زاد أيضًا، بسبب ارتفاع عدد السكان بشكل عام وانتشار الأنشطة البشرية، بدءًا من الفلاحة والصناعة ثم استخدام الموارد المائية لأغراض أخرى مختلفة". وأضاف "نحن الآن ما يقرب من 38 مليون نسمة، وقد قمنا بتطوير العديد من البرامج الفلاحية والسياحية والصناعية التي تستهلك الكثير من المياه، بالإضافة إلى الاستخدامات المنزلية اليومية".
"إذا قارنا معدل ملء السدود اليوم مع الرقم الذي سجل خلال نفس الفترة من السنة الماضية، فسوف ندرك أن المغرب يعاني من عجز يبلغ في المتوسط مليارين وستمائة مليون متر مكعب. وهو ما يعادل احتياجات مياه الشرب على مدى ثلاثة عشر عامًا، لخمسة ملايين نسمة، والتي تمثل جهة الدار البيضاء الكبرى وحدها"
ومع ذلك، على مستوى الأقاليم، يذكر الباحث أن هناك تناقضات كبيرة من حيث معدل التدفقات المائية، إذ أن "السدود في شمال المغرب مملوءة بنسبة 95٪، وسدود أخرى في الوسط أو باتجاه الجنوب، شبه جافة" وزاد قائلا "هذا يعني أن بعض المدن لن تواجه مشكلة في الفلاحة، حيث أن مياه السد، المخصصة أساسًا لاستهلاك مياه الشرب، وفيرة بما يكفي لتغطية المساحات المروية والمناطق السكنية" إلا أن "هذا لن يكون هو الحال، بالنسبة لمناطق مثل تادلة وتانسيفت وسوس، حيث الأولوية والإلحاح سيكونان أولاً وقبل كل شيء، هو توزيع مياه الشرب على السكان.
وسيدفع هذا الوضع إلى "زيادة اللجوء إلى الآبار، مع العلم أن المياه الجوفية لدينا كلها تعاني من عجز كبير، على مستوى 100٪ من التراب الوطني، فقط 30 منها لم تجف بالكامل".
"من المهم للغاية رفع مستوى الوعي العام بشأن توفير المياه والانتباه إلى استهلاكاتنا، من أجل الصمود على الأقل حتى نونبر، على أمل أن يقلل هطول الأمطار بعد ذلك من العجز قليلاً."
وأشار الباحث إلى أن "منسوب المياه الجوفية هو نظام ديناميكي، يجب أن يتلقى كمية معينة من المياه كل عام". ومع ذلك، فإن هذا النظام الذي يُفترض أنه طبيعي ليساهم في دورة المياه ينقلب، نظرًا لندرة الموارد المائية على السطح".
وأوضح "لقد استخرجنا كثيرًا من الاحتياطيات الدائمة"، مع العلم أن "طبقات المياه الجوفية تشهد انخفاضًا يتراوح من 0.5 إلى 3 أمتار سنويًا، وقد تم تجفيف بعضها بالكامل.
في كل هذه الحالات، "يؤثر الجفاف على المحصول الفلاحي المرتبط بالتوظيف في قطاع رئيسي من اقتصادنا، والذي يهدد بتسريع حركة السكان بشكل أكبر إلى المدن" حسب الباحث الذي أكد أن ظاهرة النزوح من القرى غالبا ما تبلغ ذروتها خلال سنوات ندرة المياه. وأضاف "في جميع أنحاء العالم، غالبًا ما تشير هذه الفترات أيضًا إلى عودة التوترات الاجتماعية، مع انتشار المطالب الاجتماعية والاقتصادية".
وخلال سنوات قليلة ماضية، كان المغرب "يبلي بلاء حسنا من حيث تعبئة الموارد المائية، على المستوى الإقليمي العربي والإفريقي والمتوسطي"، حسب فؤاد عمراوي. وأوضح قائلا "لقد كانت المملكة قادرة على تطوير الفلاحة على نطاق واسع، وتسهيل الوصول إلى مياه الشرب ... مع فترات الجفاف التي أصبحت أطول وأقرب إلى بعضها البعض، تم وضع استراتيجيات، مع دراسات واقعية ومستقبلية تستند إلى تشخيص جيد. لكن غالبًا ما يقع المشكل في تنفيذ البرامج "
"البنية التحتية المتعلقة بالمياه باهظة الثمن. في أوقات الأزمات الصحية، مثل تلك التي شهدناها منذ عام 2020، يستعرض صناع القرار الأولويات ويفضلون بشكل عاجل قطاعات معينة، مثل الصحة. لذلك لا يمكن إنكار أنه من بين عواقب جائحة كوفيد 19، تم تأجيل العديد من البرامج المتعلقة بالمياه"
وبحسبه "يمكن أن تكون لدينا طموحات كبيرة فيما يتعلق بالسياسة المائية، ولكن يصعب تحقيقها في وقت قصير، بالنظر إلى السياق العام الذي سيتم فيه تنفيذها". وأكد أننا "نمر بعام صعب وغير مسبوق، لكن يجب أن يشكل ذلك مناسبة لنا لإيجاد الحلول الصحيحة وتنفيذها" وهو ما يراه "ممكنا، لأننا نتحكم في القضايا المتعلقة بالإجهاد المائي في البلاد ونعلم كيف ستتطور الأمور في السنوات القادمة".
لدينا مرونة، ولكن يجب استثمارها، بدءًا من استعادة مياه الأمطار، وتحسين إنتاجية الشبكة في المدن وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، لا سيما في ري المناطق الزراعية، وإعادة ضخ المياه الجوفية. يجب أن ننتقل من إدارة وفرة المياه إلى إدارة ندرتها".
وفيما يتعلق بتحلية مياه البحر كأحد الحلول الطارئة، التي اتخذتها بشكل خاص الوزارة المعنية، يشير الباحث والأكاديمي إلى أن العديد من الدول التي هي في حاجة للمياه لجأت إلى هذه التقنية في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. في المغرب، يتم التفكير في هذا النهج في سياق "نشهد فيه تمدينًا سريعًا للمناطق الساحلية".
وبحسب المتحدث نفسه، فإن "هذه المناطق الحضرية آخذة في النمو، إذ وصلت نسبة السكان الحضريين إلى 60٪ في البلاد، مع احتمال نموها إلى نحو 70٪ بحلول 2035-2040. وهذا يعني أن الطلب على المياه في المناطق الحضرية سيستمر في الزيادة. بما أن الموارد التقليدية لم تعد كافية، فنحن مضطرون إلى التفكير في تحلية المياه".
ومع ذلك، فإنه يرى أن هذا الخيار "يجب أن يشكل إضافة وليس بديلا للحصول على المياه التقليدية".