في 6 نونبر من سنة 1973، أصدر رئيس إندونيسيا مرسوما، يمنح صفة "بطل قومي" للمغربي الأصل محمد شهاب، المعروف باسم الإمام بانجول، نظرا لدوره خلال القرن 19 في محاربة الاستعمار الهولندي، ونشر الإسلام.
وفي حوار مع جريدة "الصحراء المغربية" في شهر يونيو من سنة 2010، قال السفير الإندونيسي بالرباط توساري ويجاجا "قبل أن أتحدث عن شخصيات ساهمت، في عصرنا الحاضر، في بناء وتطوير هذه العلاقة (المغربية الإندونيسية)، أريد أن أثير نقطتين مهمتين، أولاهما تقوم على الجانب الديني، وأن شخصا مغربيا في أندونيسيا، أتى من بلادكم، هو الشيخ الرحالة بن بطوطة، (...) وكان له دور في نسج الخيوط الأولى لهذه العلاقة، وهناك أيضا، الإمام بانجول، وهو رجل دين مجاهد من أصل مغربي، أتى بدوره من المغرب، ويتمتع، إلى اليوم، بمكانة كبيرة لدى الأندونيسيين".
وأضاف أن "هؤلاء الأشخاص لهم شعبيتهم عند الأندونيسيين، خصوصا، لدى المسلمين، وهذا ما يشكل الأساس التاريخي الأول للعلاقة بين بلدينا". فمن يكون الإمام بانجول، الذي يطلق اسمه على عدة شوارع وملاعب ومؤسسات تعليمية، في البلاد، وطبعت صورته على الطوابع البريدية والنقود الإندونيسية؟
من دراسة الدين إلى مجابهة الاستعمار
ولد محمد شهاب المعروف بالإمام بانجول، وپـِتو شريف، ومعلم باسا (معلم اللغة) سنة 1772، في سومطرة أقصى غربي الجزر الإندونيسية الرئيسية، لعائلة تنحدر من أصول مغربية، ورغم وجود إجماع على أصله المغربي، إلا أن المصادر الإندونيسية لم تشير إلى المنطقة التي تنحدر منها عائلته في بلاد المغرب.
ودرس محمد شهاب العلوم الدينية على يد العديد من الفقهاء الإندونيسيين، وانضم إلى حركة الإسلاميين المصلحين في سومطرة المعروفة باسم "بادري" والتي كانت تدعو إلى اتباع تعاليم الإسلام وترك العادات والتقاليد الدخيلة على الدين.
وبعد مضي مدة من الزمن صار الزعيم الأكثر شعبية للحركة، التي بدأت تنشط بشكل كبير وخاصة من خلال محاربتها للقمار ومصارعة الديوك واستخدام الأفيون والمشروبات الكحولية والتبغ...
وأمام هذا الوضع، شعر كبار القوم في غرب سومطرة بوجود تهديد حقيقي من الحركة التي صار الإمام بانجول قائدا لها، وتوجهوا إلى المستعمرين الهولنديين من أجل التحالف معم والقضاء على الحركة لكن "جيش الإمام بانجول كان قويا بما يكفي لتهديد الهولنديين أنفسهم".
مكر الهولنديين
وبعدما دخل الهولنديون في حرب مع قوات الإمام بانجول أدركوا أن هزيمته تحتاج إلى تخطيط ووقت أكبر، واقترحوا عليه توقيع اتفاقية سلام، وهو ما قبل به سنة 1824.
وكان الهولنديون يخططون لتركيز جهودهم على محاربة قوات الأمير ديبونيغورو في جزيرة جاوة (توجد بها عاصمة البلاد)، وبعد تمكنهم من السيطرة عليها، نقض الهولنديون اتفاقهم مع الإمام بانجول و"استخدموا جميع مواردهم العسكرية تقريبًا لغزو غرب سومطرة".
ورغم أن موازين القوى لم تكن في صالح الإمام بانجول، إلا أنه رفض الاستسلام "وقاتلت قواته ببسالة"، وبدأت الولايات التي كان يسيطر عليها تسقط تباعا، وبعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب، وبالضبط في سنة 1832 ألقي القبض عليه، وتم سجنه.
ثلاثة أشهر، بعد ذلك، تمكن من الفرار، وجمع أنصاره لمواصلة محاربة المستعمر، وحشد الهولنديون مرة أخرى قواتهم، وقاد الحاكم العام الحرب بنفسه، لكنه فشل في تحقيق النصر، وعرض على بانجول توقيع معاهدة سلام، غير أن هذا الأخير رفض خوفا من تكرار ما وقع في الماضي.
وغير حاكم البلاد قائد قواته ثلاث مرات، وحاصر غرب سومطرة لمدة ثلاث سنوات، إلى أن وقع الإمام بانجول في فخ الهولنديين مرة أخرى، بعدما وضعوا خطة لاعتقاله أثناء تفاوضهم معه سنة 1837.
وتم نفيه خارج الجزيرة، وظل المستعمرون ينقلونه من مكان لآخر، إلى أن توفي في 6 نونبر 1864 عن عمر يناهز 92 عامًا، بجزيرة سولاويسي التي دفن بها.