دخل المغرب والجزائر منذ سنوات عديدة في صراع نفوذ شكلت القضية الفلسطينية ساحة له. وأول أمس أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقديم دعم مالي للسلطة الفلسطينية بقيمه 100 مليون دولار، كما تحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفلسطيني محمود عباس عن سعي بلاده لتنظيم مؤتمر مصالحة فلسطيني.
ويعود الصراع المغربي الجزائري حول القضية الفلسطينية إلى حوالي خمسة عقود مضت، ففي القمة العربية التي عقدت في العاصمة المغربية الرباط سنة 1974، تم اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وذلك بفضل جهود الملك الراحل الحسن الثاني. وبعد ذلك قررت الحكومة المغربية فرض ضريبة على تذاكر السينما والسجائر لتمويل منظمة التحرير الفلسطينية.
إثر ذلك تعززت العلاقات الشخصية بين الحسن الثاني وياسر عرفات. وبدأ هذا الأخير في تحويل جهوده من الخيار العسكري لصالح الحل السياسي مع إسرائيل. وشهدت العلاقات بين الرجلين مدا وجزرا بعد ذلك، خصوصا بعد انحياز عرفات سنة 1986 إلى معسكر القذافي وحافظ الأسد الذين أدانا الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون إلى المغرب في يوليوز من سنة 1986.
إعلان قيام دولة فلسطين في الجزائر
بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس عام 1982، بدأت الجزائر في استضافة اجتماعات منظمة التحرير الفلسطينية. وفي نونبر 1988، أعلن ياسر عرفات قيام دولة فلسطين من الجزائر العاصمة، ويعتبر هذا القرار من بين أهم القرارات التي اتخذتها منظمة التحرير الفلسطينية.
وتسبب هذا القرب من الجزائر في انهيار العلاقات بين منظمة التحرير والمغرب، خصوصا بعدما نجحت الجزائر في فرض حضور البوليساريو في اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني سنة 1987.
وفي خطابه شبه زعيم البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز المغاربة بالصهاينة، على مسمع من ياسر عرفات الذي كان قد وعد قبل أيام من انعقاد المؤتمر وفدا مغربيا بقيادة أحمد بنسودة مستشار الحسن الثاني، بعدم حضور زعيم الجبهة الانفصالية.
وألقى الحسن الثاني في 21 أبريل 1987 خطابا شديد اللجة قال فيه "لقد أصدرنا أمرنا الى جميع ممثلينا، كانوا رسميين أو غير رسميين، يمثلون الأحزاب السياسية أو الهيئات الأخرى، أنهم اذا حضروا أي حفل دولي وقام أي فلسطيني يتكلم عن فلسطين أن يغادروا مكان الاجتماع".
محمد السادس والتركيز على العمل الإنساني
وفي عهد الملك محمد السادس، فضل المغرب التركيز على الدعم الإنساني للفلسطينيين، بدل التركيز على دعم مسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية. وهكذا قام المغرب بنشر مستشفيات عسكرية في غزة في 2012 و 2018 و 2020، كما قامت المملكة بتمويل مستشفى متخصص في غزة تم افتتاحه في غشت 2021 كجزء من هذه الاستراتيجية الجديدة.
كما مولت المملكة بناء كلية الحسن الثاني في غزة. ويسهر المغرب على دعم سكان مدينة القدس عبر وكالة بيت مال القدس الشريف التي تأسست سنة 1988.
بالمقابل تراجع الانفتاح المغربي على الفصائل الفلسطينية، وبقي خجولا. ففي سنة 2012 حاول إلياس العماري الذي كان أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة جمع الفصائل الفلسطينية. كما أنه بعد رئاسة حزب العدالة والتنمية للحكومة المغربية، استضافت المملكة، في دجنبر 2017، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل. وحظي خليفته إسماعيل هنية باستقبال كبير خلال زيارته للمملكة في يونيو الماضي، أي بعد سبعة أشهر فقط من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع، يحاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقائد الجيش السعيد شنقريحة استمالة الفلسطينيين، في خلافهما مع المغرب.