حبها للعلم والعلوم، وطموحها الذي لا يعرف حدودا، قادها لتتولى إدارة أهم أقسام مختبر أرجون الأمريكي، الذي احتضن إبان الحرب العالمية الثانية المشروع الذي كلل بإنتاج أول قنبلة نووية في العالم.
فمنذ سنة 2017، أصبحت العالمة المغربية كوثر حفيظي أول امرأة تتولى منصب مديرة قسم الفيزياء في مختبر أرجون الوطني، وتشرف الآن على البرامج البحثية في الفيزياء النووية والفيزياء عالية الطاقة، وعلوم المواد، والهندسة الكيميائية، وعلم وتكنولوجيا النانو...
من بوقرون إلى أرجون
ولدت كوثر حفيظي بحي بوقرون في المدينة العتيقة بالرباط في يونيو من سنة 1972 لأبوين موظفين، ومنذ صغر سنها وهي تتقن اللغتين الفرنسية والعربية، وحصلت على شهادة البكالوريا في شعبة الرياضيات.
ورغم أن أسرتها كانت ترغب في إلحاقها بإحدى مدارس المهندسين، إلا أنها فضلت ولوج كلية العلوم بجامعة محمد الخامس، لأنها كانت شديدة الولع بالرياضيات، وكانت تطمح لأن تصير باحثة في الرياضيات، وهو ما لا يمكن أن توفره لها مدارس المهندسين.
واختارت شعبة الرياضيات والفيزياء في الجامعة، وفي السنة الأخيرة تخصصت في الفيزياء النظرية، وبعد ذلك حصلت على الإجازة.
وقالت في حديثها مع موقع يابلادي "كنت أريد أن أبقى في المغرب، لكن في تلك السنة وقعت إضرابات كثيرة للدكاترة المعطلين، وقررت الدولة في يونيو 1995 إغلاق السلك الثالث، ولم يكن أمامي من خيار سوى التوجه لمتابعة الدراسة في الخارج".
ورغم قبول ملفها في جامعات فرنسية وكندية إلا أن والدها كان يرفض أن يدع ابنته البالغة من العمر 22 سنة تسافر إلى الخارج وحدها، فتدخلت إحدى عماتها وباعت حليها لتوفر لها المال اللازم للسفر والإقامة في فرنسا، التي درست فيها تخصص الفيزياء النووية بالماستر.
"كنت أسكن مع سيدة تعمل ممرضة، وكانت غرفتي بجانب المطبخ الذي كانت به آلة تصبين، كان تشغلها ليلا، وكنت أضطر للخروج إلى مرآب السيارات في عز البرد من أجل الدراسة. وأتذكر أنه في يوم الامتحان كان هناك إضراب للقطار، ولم أكن أتوفر على نقود كافية لأستقل سيارة أجرة، واستيقظت مع الرابعة صباحا، وتبعت سكة القطار لمدة خمس ساعات، ووصلت للكلية، وبعد تفوقي، حصلت على منحة كبيرة، كنت الطالبة الوحيدة من خارج الاتحاد الأوروبي التي تحصل عليها".
من فرنسا إلى الولايات المتحدة
وكان موضوع أطروحتها، تجربة تقام في مختبر جيرفرسون في فرجينيا بالولايات المتحدة، "لذلك كان علي أن أتوجه لمدة تسعة أشهر للولايات المتحدة عام 1997، كانت تجربة كبيرة، وبعد ذلك عدت إلى فرنسا. لكن بعد تلك الأشهر التسعة، أغرمت بهذه البلاد، وقررت أن أبني حياتي فيها بعد نهاية الدكتوراه".
وبعدما حصلت على الدكتوراه في أكتوبر 1999، غادرت إلى الولايات المتحدة في 6 نونبر 1999، وقالت "جئت أنا وزوجي التونسي الجنسية الذي كان يدرس معي بالماستر، ووقعت عقدا مع مختبر أرجون لمدة ثلاث سنوات، وبعد أربعة أشهر عرض الفرنسيون علي العودة من أجل منصب باحث، وعندما علم الأمريكيون بهذا العرض، قدموا لي عرضا لكي أصبح باحثة دائمة، مع تشغيل زوجي، وقررت البقاء في الولايات المتحدة".
وأرجون هو أول مختبر وطني في أمريكا، تأسس في الحرب العالمية الثانية، بدأ فيه العمل على التفاعل النووي المتسلسل، الذي يعتبر بداية صناعة القنبلة النووية، كما أن هذا المختبر هو أول من طور المفاعلات النووية التي تستعمل في الطاقة، وتصل ميزانيته إلى 1,2 مليار دولار سنويا.
وتسلقت كوثر حفيظي المراتب داخل المختبر، وتشغل منذ سنة 2017 منصب مديرة قسم الفيزياء بالمختبر، حيث تعد أول امرأة تتولى هذا المنصب.
ويعتبر هذا القسم الأهم داخل المختبر، يجمع جميع العلوم الأساسية، مقسمة إلى ستة أقسام، وتشرف العالمة المغربية على حوالي 1200 شخص.
وتتوفر كوثر حفيظي، الأم لطفل يبلغ من العمر 16 سنة، على مساهمات في مجال البحث العلمي تتجاوز 200 منشورا، كما شاركت في عشرات المؤتمرات الدولية بعدد من الجامعات والمختبرات.
الديمقراطية أولا
ارتباطها بوطنها الأم جعلها تستضيف طلبة مغاربة في منزلها، وتساعدهم لإنهاء دراساتهم العليا في الولايات المتحدة، ومن بين هؤلاء لمياء الفاسي هي أستاذة في جامعة مسيسيبي، وأحمد العلوي وهو الآن باحث في الشيلي.
كما تحضِّر كوثر حفيظي لـ"مؤتمر كبير في مراكش، نعمل مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بابن جرير...، نريد تقديم المساعدة للمغرب، إن استقرت الوضعية الوبائية، نريد أن نحضر مدير المختبر ومسؤولين في وزارة الطاقة من أجل توقيع اتفاقية للعمل مع المغرب في مجال الطاقة الهيدروجينية".
وبخصوص مستقبل البحث العلمي في المغرب قالت "التقدم مرتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان..، أشعر بالأسف لما يقع في المغرب، وطننا يجري في دمائنا، أرى العبث، المغاربة رائعون، اتركوهم يتحدثون...، من يحب المغرب لا يتصرف بمثل هذا العبث. لكن المغرب ليس هو هؤلاء الذين يتخذون مثل هذه القرارات، المغرب أكبر منهم هو وطني".
"من يريد البحث العلمي، يجب أن يهتم بالتعليم، نحن عندنا منظومة تعليمية فاشلة. اهتموا بالبنيات التحتية وبالتعليم، اهتموا بالمواطنين، وتحدثوا بعد ذلك عن البحث العلمي. أشعر بالألم والمرارة لما يحدث، دعوا الناس تتحدث، دعهم يتكلمون...، أريد أن أتحدث عن بلدي بكل ما هو جميل، لكن للأسف".
وإلى جانب العلوم، تعتبر كرة القدم الرياضة المفضلة للعالمة المغربية، وقالت ليابلادي "كرة القدم هي حب حياتي الثاني بعد العلوم، كنت لاعبة جيدة، وكانوا يلقبونني بمارادونا. بدأت ألعب مع فريق اتحاد تواركة، ولكن أبي لم يكن يسمح لي بالسفر، وبعد مغادرتي لفرنسا لعبت مع فريق محلي لمدة ستة أشهر، وفي النهاية قررت التفرغ للدراسة".