خلال سنوات الخمسينات فكرت فرنسا في خلق جمهورية صحراوية على أرض الجزائر، وبدأت مشروعها بفصل جنوب الجزائر عن شماله إداريا. وكانت الفكرة تراود فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث رأت في المنطقة مكانا يصلح لتطوير وتجريب أسلحتها النووية به، وكذا أرضا غنية بالموارد الطبيعية.
وفي سنة 1953 اقترحت فرنسا فصل المنطقة اقتصاديا عن باقي الجزائر، وقدمت اقتراحا يرمي إلى "تنظيم قومي للاقتصاد الصناعي للمناطق الصحراوية" وفي سنة 1955 اقترحت تحويل أراضي الجنوب الجزائري الى ولاية جزائرية باسم الولاية الصحراوية، وفي عام 1956 جاء مقترح من أجل إعلان الصحراء أرضا وطنية.
وفي يناير 1957 تمت المصادقة على انشاء المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية، وفي 10 يناير من نفس السنة تم تعيين كور نيقليون موليني وزيرا للصحراء في الحكومة الفرنسية، وقد كان انشاء هذه الوزارة يهدف إلى سد الفراغ الإداري الناجم عن الغاء نظام أقاليم الجنوب سنة 1947، وتوطيد السيادة والحضور الفرنسي بالصحراء وتعزيز استقلالية هذه الأقاليم عن الشمال.
وبالموازاة مع ذلك أطلقت الحكومة الفرنسية حملة دبلوماسية في الخارج، وبدأت في تزويد عواصم العديد من الدول بالخرائط الجديدة للجزائر المقسمة.
ولجأت فرنسا إلى أسلوب المراوغة والإغراء حيث سعت إلى كسب ود الشخصيات النافذة في الصحراء الجزائرية، وعملت على استمالة اعيان الطوارق لتحقيق مشروع الفصل من خلال الاتصال بهم وعرض فكرة إنشاء دولة مستقلة عن شمال الجزائر عليهم تضم طوارق الجزائر وطوارق كل من مالي ونيجر وتشاد.
وكلفت حمزة بوبكر لحشد السكان حول فكرة الدولة الصحراوية، وتمكن هذا الأخير من جمع العديد من الشخصيات الصحراوية في اجتماع كبير، لكن بعض الحاضرين أفشلوا مشروعه واتصلوا بالحكومة الجزائرية المؤقتة لاطلاعها على المخططات الفرنسية.
المغرب يدعم وحدة الجزائر
وأصبحت قضية فصل الصحراء من أعقد القضايا التي واجهتها الحكومة الجزائرية المؤقتة، إذ تسببت في إيقاف المفاوضات بينها وبين الحكومة الفرنسية عدة مرات.
وكان ثورة التحرير الجزائرية التي اندلعت في 1 نونبر 1954، حريصة على الدفاع عن وحدة الجزائر، وجاء في بيانها بخصوص الوحدة، مطالبتها بـ"فتح المفاوضات مع الممثلين والمفوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ".
كما أن منطقة الصحراء كانت ضمن قرارات مؤتمر الصومام الشهير لقادة الثورة الذي عقد يوم 20 غشت 1956، حيث أكد على شمولية الثورة ووحدة التراب الوطني الجزائري، وتحدث عن "وجوب اعتراف فرنسا بوحدة التراب الجزائري وبالشخصية الجزائرية وبالاستقلال التام".
وإلى جانب المقاومة الداخلية فشلت فرنسا في حشد تأييد خارجي لمشروعها بتقسيم الجزائر، وكان المغرب من بين الدول التي عارضت المقترح.
وتحركت الدبلوماسية الجزائرية لشرح الوضع في الجزائر وتوضيح موقفها من قضية التجزئة فأرسلت مذكرة مؤرخة في تونس بتاريخ 30 يونيو 1961، للدول الإفريقية تشرح فيها الموقف الجزائري وتكشف السياسة الفرنسية الرامية لتقسيم الجزائر، وتمكنت من كسب تأييد الدول الإفريقية التي أظهرت دعمها للحكومة الجزائرية.
وأعلن الملك الحسن الثاني في يوليوز 1961 انه يؤكد مساندته "اللامشروطة للشعب الجزائري الشقيق في كفاحه من اجل الاستقلال والوحدة الوطنية" ولا يتردد في دعمه "اللامحدود للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضاتها مع فرنسا على أساس احترام سلامة التراب الجزائري"، ويعبر عن إرادته "في التعرض بجميع الوسائل لكل محاولة تقسيم أو بتر للأراضي الجزائرية".
وبعد سنة من ذلك نالت الجزائر استقلالها دون أن تتمكن فرنسا من تنفيذ مخططها، وفي سنة 1963 دخلت البلاد حديثة الاستقلال في حرب مع المغرب بسبب خلافات حدودية، ومع بداية السبعينات بدأت تدعم جبهة البوليساريو التي كانت تنشط في الصحراء.
ومع تعاظم الخلافات المغربية الجزائرية، تحولت الجبهة من المطالبة بجلاء المستعمر الاسباني عن الصحراء، إلى المطالبة بتأسيس "جمهورية صحراوية" جنوب المغرب.
ووفرت لها الجزائر التي كانت تناضل قبل سنوات من أجل الحفاظ على وحدة أراضيها، الدعم المالي والدبلوماسي من أجل تقسيم المغرب، وساهمت في دخولها منظمة الوحدة الافريقية تحت اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".