ماهي الدوافع التي حذت بك للالتحاق بمعسكرات البوليساريو بتيندوف؟
كانت أجواء بداية تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب جديدة على المجتمع المحلي في إقليم الصحراء الغربية إبان تسعينيات القرن الماضي، عشية طي صفحة سنوات الرصاص، لقد تفجرت الانفعالات إزاء الشأن العمومي المحلي، وارتفع سقف النقاش حينها، لكن خصوصية الإقليم الخارج لتوه من حرب ضروس تركت أثرا بليغا في الوجدان الجمعي، وطبيعة المجتمع البدوية، كانا يميلان بالنقاش دائما الى المعالجات العاطفية والرومنسية، فقد كنا كشباب ومراهقين حالمين نجد ضالتنا في خطاب البوليساريو الذي كان يعزف على وتر الحس الشوفيني الضيق، وفي بعض الأحيان الإقصائي وحتى العنصري إزاء الآخر، ببساطة كنا جاهزين لتلقف دعايتها السياسية بكل رحابة صدر.
واقع دفع بي وبالعديد من أبناء جيلي، الى الانخراط في الخلايا التلاميذية التابعة للبوليساريو، قبل أن أتأطر لاحقا ضمن خلاياها الإعلامية بداية الألفية الحالية، وفي مرحلة معينة وجدت أنه من الضروري ان أساهم في تجسيد الأفكار التي كنت أؤمن بها وأروج لها، وهو ما حذا بي إلى الانتقال الى الضفة الأخرى.
كيف وجدتهم الواقع المعاش بالمخيمات وأنت شاب حالم يطمح لتحقيق مستقبل أفضل؟
مباشرة بعد وصولي الى المخيمات تمت إحالتي على جهاز إعلام البوليساريو بفضل خبرتي السابقة في الخلايا الإعلامية بالداخل، ورغم إصراري على اجتياز فترة التدريب العسكري، ورغم حداثة سني آنذاك تم تكليفي بعديد المهام في إذاعة البوليساريو، من بينها التحرير وتقديم النشرات الرئيسية الى جانب إعداد وتقديم البرامج السياسية.
في الحقيقة الأمر كانت تجربة غنية مكنتني من الاضطلاع عن كثب على مختلف مكامن الخلل والانحراف في عديد مؤسسات البوليساريو في فترة وجيزة، فقد كنت أشارك في تغطيات الأنشطة الرسمية، والتعرف عن قرب على المسؤولين والنشطاء والناس العاديين، لكن الانحرافات الأكثر تأثيرا هي ما واجهته داخل وزارة الإعلام نفسها، حين وجدت نفسي محاطا بالمخبرين والوشاة الذي يعكفون على كتابة التقارير الأمنية حول كل حركاتي وسكناتي، فقد عملت تحت إمرة قيادي ذو خلفية أمنية استخباراتية، لا يزال متابعا بتهم الاشراف على العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
أما الصدمة الأكبر، فقد كانت إبان التحاقي بالتدريب العسكري، حيث اضطلعت على مدى ترهل مؤسسات البوليساريو العسكرية وضعف أدائها، سواء في مدرسة التدريب أو في المواقع العسكرية المتقدمة (النواحي). في كلا التجربتين المدنية والعسكرية، كنت أيضا محط ممارسات إقصائية قبلية وعنصرية إزاء مكونات إجتماعية معينة، بناء على أسس قبلية ومناطقية، نجحت البوليساريو في تكريسها في أوساط المجتمع الصحراوي سكان المخيمات.
كيف انعكست الصدمة إزاء ذلك الواقع على قناعاتك السياسية؟
الفعل لقد دشنت مراجعة فكرية حقيقية لكل القناعات السياسية التي أؤمن بها، وهو ما حذا بي إلى التعبير عن آراءي المعارضة لقيادة البوليساريو حينها، سواء من خلال الجلسات العادية مع الاصدقاء وزملاء العمل، أو من خلال كتابة عديد المقالات التي كنت أنشرها من حين لآخر في مجموعة من المواقع الالكترونية المعارضة لقيادة الجبهة. الأمر الذي تسبب في تعرضي لعديد المضايقات سواء في موقع العمل بوزارة إعلام البوليساريو أو في أماكن ومواقع أخرى، قبل أن أقرر متابعة الدراسة في الجزائر بغية الابتعاد عن واقع المخيمات الذي بدا لي بائسا.
في نفس الفترة كنت قد انخرطت في مجموعة من الحراكات السياسية المعارضة للقيادة، بغية العمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه في البوليساريو، لأتوصل الى قناعة مفادها استحالة تحقيق أي إصلاح أو تغيير في الجبهة، باعتبارها تنظيم سطاليني مغلق، يعتمد نظام الفكر الواحد، يصادر الحريات ويرفض تقبل الرأي الآخر، فتأسيس الهيئات السياسية مجرم بموجب قانون الجبهة، ولا يوجد أي شكل من أشكال المشاركة السياسية، فيما تعتبر ممارسة الأنشطة المدنية المستقلة ضربا من الجنح والجرائم.
لا شك أن تجربتكم لم تكن حالة معزولة، فلربما كانت هناك العديد من الحالات الأخرى. كيف ترون إمكانية استقطاب الكفاءات والأطر التي اتخذت مسارات مشابهة لتجربتك؟
بالفعل هناك العديد من الحالات من خيرة أبناء الإقليم الذين انتهى بهم المطاف مجندين في صفوف البوليساريو، أو يمارسون مهاما في أجهزتها ويقارعون المجهول في انتظار مستقبل غامض بالمخيمات، فضلا عن آخرين يعيشون على وقع الشتات في بلدان الجوار، عدى عن بعض من تم تجنيدهم من طرف الجماعات المسلحة في بلدان الساحل والصحراء بعد أن تلقوا تدريبا عسكريا في صفوف البوليساريو، من خلال أذرع تلك الجماعات في مخيمات تيندوف، وللأسف، من بينهم من لقي مصرعه في حروب أهلية لا ناقة له فيها أصلا ولا جمل.
دعاية البوليساريو التحريضية تقوض عودة هذه الحالات، بوصمها اللاجئين بالخيانة، لمجرد ممارستهم لحقهم في العودة الى موطنهم، لكن وبغض النظر عن أعدادهم، وأيا تكن المسارات التي اتخذوها، فينبغي أن تحفظ كافة حقوقهم المدنية والاجتماعية والاقتصادية كاملة، الى جانب تشجيعهم للإستفادة من حقهم في العودة الى موطنهم والاستقرار بالاقليم وادماجهم من خلال الفرص التنمية الهائلة التي تزخر بها المنطقة، والتي يفترض أن تُسخَّر لخدمة الانسان الصحراوي بالدرجة الأولى، خاصة بالنظر إلى أن استقطابهم سيقوض احتمالات التصعيد بالاقليم، كما سيفتح المجال لمساهمتهم في تحقيق السلام والازدهار.