في الاتحاد الأوروبي كما في بقية العالم، كشفت الجائحة التفاوتات الاجتماعية وعدم جاهزية المنظومات الصحية وحجم الصعوبات الاقتصادية. وفي ظل هذه الأزمة ومع استفحال جائحة كوفيد-19، تفاقمت الصعوبات التدبيرية بشكل لا يُطاق. لذلك، علينا أن نحاول استخلاص الدروس من هذه الفترة العصيبة وأن نعمل بشكل جماعي على اقتراح أفضل الحلول لمعالجة النواقص البنيوية التي كشفتها هذه الجائحة.
لقد تضررت ساكنة العالم في حقوقها الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص، ذلك أن المنظومات الصحية لم تستطع الاستجابة لمتطلبات الملايين من الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها بدون موارد سواء كانوا يعملون في القطاع المهيكل أو غير المهيكل. أما التلاميذ وطلاب الجامعات، فإنهم يعانون بدورهم من عدة صعوبات نظرا إلى التحديات التي ينطوي عليها التعليم عن بعد، ناهيك عن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي ما فتئت تتسع هوتها بسب الجائحة.
ليست هناك تراتبية بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من جهة والحقوق المدنية والسياسية من جهة أخرى. الحقوق الأولى أساسية لتحقيق الثانية. فالحقوق المدنية والسياسية ضرورية للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. لقد شهدت الوضعية العالمية لحقوق الإنسان تراجعا في ما يخص كونيتها وعدم قابليتها للتجزئة في ظل إغلاق الفضاء المدني وتردي الحريات. في هذا السياق، أكد الاتحاد الأوروبي عزمه على الدفع بالقيم الكونية من خلال اعتماد خطة عمل جديدة لصالح حقوق الإنسان والديمقراطية 2020-2024 من أجل صون الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية والمساواة ودولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان وجعل هذه القيم والمبادئ بمثابة الأرضية التي تتأسس عليها كل مناحي سياساتها الداخلية والخارجية.
في يونيو 2019، أعرب الاتحاد الأوروبي والمغرب عن التقاء قيمهما، استوحاءً من ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية ومن الدستور المغربي والالتزامات الدولية للشريكين. وقد اختار المغرب بناء دولة الحق والقانون اعتمادا على كونية الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة وحقق في هذا الاتجاه تقدما مهما قوامه تعزيز الحقوق والحريات من خلال ترسانته القانونية الوطنية وإنشاء مؤسسات تعمل في مجال حماية الحقوق كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد تُرجمت هذه الأهداف منذ مدة طويلة عبر شراكتنا ومن خلال عدة برامج أوروبية أُعدت لدعم الإصلاحات التي يقوم بها المغرب في مجالات الصحة والتربية والحماية الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة، مما يعزز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للساكنة.
ويدعم الاتحاد الأوروبي من خلال عدة آليات مبادرات الحماية والمساعدة الاجتماعية التي ينفذها المغرب. يتعلق الأمر هنا بتعزيز الإطار القانوني ووضع مجموعة من الآليات لرصد وتحليل وضع الأشخاص والأسر في وضعية صعبة بهدف محاربة الفقر وتشجيع اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي. من شأن هذا أن تتعزز التنمية ويتحقق توزيع أفضل وفعال على المستوى الترابي للخدمات المقدمة للأشخاص في وضعية هشاشة أو الذين يتوقف عيشهم على مساعدة الآخرين. وفضلا عن ذلك، تَعبَّئ الاتحاد الأوروبي منذ الشهور الأولى من الجائحة لدعم المغرب في مجال التعليم عن بعد على مستوى القطاع العام والاستجابة لحاجياته فيما يتعلق بالمعدات الصحية سواء في المستشفيات أو في المؤسسات السجنية من خلال المساهمة في تحقيق أهداف "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا".
كل هذا كان هذا ضروريا بالطبع، لكنه ليس كافيا. اليوم وفي عز هذه الأزمة الصحية، يُبنى المستقبل. وفي هذا الصدد، يجب أن تمثل حقوق الإنسان في كل أبعادها جزءً لا يتجزأ من استجابة الدول إلى جائحة كوفيد-19. علينا في المستقبل مواجهة أخطار جديدة مرتبطة بالتطورات التكنولوجية والتحديات البيئية؛ فاليوم وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن تُوضع حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية في قلب السياسات العمومية.
يجب استغلال هذه الأزمة من أجل التحول الفعال وتعزيز القدرة على الصمود، فهي فرصة لا يجب تفويتها.