يقتضي العرف الذي أصبح معمولا به عالميا، وضع الحكومات عامة تحت مجهر التقييم استنادا إلى ما وعدت بتطبيقه وفق مضامين برنامجها الحكومي.
هل تكفي مائة يوم؟
هل تعد فترة الثلاثة أشهر و عشرة أيام كافية لبدأ محاسبة حكومة عبد الإله بنكيران واختبار مدى كفاءتها وقدرتها على التغيير والإصلاح واتخاذ قرارات جريئة في تدبير الشأن العام المغربي؟
لأن عرف 100 يوم لا يمكن تطبيقه في نظر الكثير من المهتمين بالشأن السياسي المغربي على الحكومة المغربية لأن المغرب لازال يعيش مرحلة ما يسمى بالانتقال الديمقراطي، وإنما يمكن تطبيقه في الدول التي راكمت لعقود أعرافا ديمقراطية راسخة ورصيدا طويلا من العمل المرتبط بالمؤسسات وليس بالأشخاص بحيث يتغير الوزير ولا يتغير مسار الوزارة، ويتواصل التراكم والتطور ولا تحصل القطيعة، مما يمكن المسؤول الجديد من الوقوف على الاختلالات التي يجب تداركها في أقل وقت ممكن لمواصلة العمل والاستعداد للمحاسبة، وإبراز لمساته وبصماته وبصمات الحكومة بشكل عام وبرنامجها خلال ثلاثة أشهر أو أربعة.
لكن في الحالة المغربية يصعب تنزيل هذا العرف أو التقليد الديمقراطي ببدء تقييم عمل الحكومة ومدى قدرتها على الوفاء بتعهداتها، فقد تقضي الحكومة الجديدة هذه المدة في الاطلاع على حقيقة الوضع في القطاعات الوزارية وعمق الإشكالات التي ربما تكون مخالفة للتشخيص الذي قامت به من موقع المعارضة وعدم امتلاك المعلومات الكاملة، الأمر الذي سيدعوه لتعديل توقعاته وربما طموحاته في بعض الأمور.
مالذي تحقق؟
بعدما ملأت الحكومة المغربية الجديدة التي يغلب عليها الطابع الإسلامي المحافظ، الدنيا وشغلت الناس بشعاراتها في محاربة الفساد والمفسدين، وبعد تأكيدات رئيسها عبد الإله بنكيران مباشرة بعد تعيينه من قبل الملك محمد السادس في مدينة ميدلت أن الحكومة ستعتمد على الوضوح في التعامل مع مختلف القضايا المطروحة أمامها.
فقد اختلف المهتمون بالشأن الوطني بين من أثنى على آدائها وبين من انتقدها، لكن و في العموم يبدو نشر وزير النقل والتجهيز عبد العزيز الرباح للائحة المستفيدين من رخص نقل الحافلات بين المدن والتي تعتبر شكلا من اشكال اقتصاد الريع وكذا نشر مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة لائحة الدعم العمومي الممنوح للصحافة المكتوبة وأيضا قيام بسيمة الحقاوي وزيرة الاسرة والتضامن بنشر لائحة الجمعيات المستفيدة من ميزانية الوزارة الى جانب لائحة منظمات المجتمع المدني التي تتلقى دعم الدولة، من أبرز القرارات التي ستحسب لفائدة الحكومة الجديدة في تقييم 100 يوم من تدبير الشأن العام في البلاد، حيث اطلع المغاربة لأول مرة على أسماء المستفيدين من اقتصاد الريع، على الرغم من توفر هذه الأسماء على مشاريع اقتصادية وقربها من المحيط الملكي، غير أن الشارع المغربي بعد الكشف عن لوائح رخص النقل، يطالب بإجراءات ملموسة أخرى للكشف عن المستفيدين من رخص مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار.
كما أنه من حسنات هذه الحكومة هو قيامها بطلب عفو ملكي عن بعض كبار شيوخ ما يعرف بالسلفية الجهادية، و الإفراج عنهم بعد ذلك.
ويبقى النظام الصحي "راميد" من أهم الإنجازات التي تم تحقيقها في عهد الحكومة الجديدة، رغم أن الدراسات اشتغلت على هذا النظام في عهد حكومة عباس الفاسي. وهو يعتبر إنجازا في بدايته، حيث سيضمن لحوالي 8 ملايين ونصف مغربي الاستفادة من تغطية صحية مجانية على مستوى التراب الوطني.
سلبيات الحكومة الجديدة
لم تختلف سياسة الحكومة الجديدة عن سابقاتها فيما يخص التعاطي مع مظاهر الإحتجاج الذي تعرفه المملكة، فقد اعتمدت سياسة المقاربة الأمنية لحل الأزمات، كما هو الشأن في أحداث تازة و بني بوعياش و سيدي إيفني....
ومن بين أبرز سلبيات الحكومة الجديدة كذلك أنها تتكون من اربعة احزاب ذات مرجعيات متناقضة، فهي تتكون من ثلاثة أحزاب يمينية هي حزب الإستقلال و الحركة الشعبية و العدالة و التنمية إضافة إلى حزب يساري هو حزب التقدم و الإشتراكية أو الحزب الشيوعي سابقا.
تشكيلة الحكومة الهجينة جعلتها غير متجانسة في مواقفها، بل و قام بعض الوزراء بانتقاد وزراء آخرين داخل الحكومة على خلفية اتخاد بعد القرارات، كقرار الكشف عن اللوائح السالفة الذكر مثلا.
كما أنه من سلبيات الحكومة وجود وزارات برأسين، كوزارة الداخلية والمالية، و كذا تعدد الوزارات ووجود وزراء من دون حقائب.
مواقف بعض أحزاب المعارضة
رئيس الفريق الدستوري بمجلس النواب الشاوي بلعسال يقول أن "الأداء الحكومي يشوبه ارتباك واضح' تعكسه طريقة وضع القانون المالي معتبرا أنه بدل أن تأتي الحكومة بتعديل على مشروع القانون المالي المودع في البرلمان قررت سحبه وبعد أكثر من شهر ونصف تأتي بنفس المشروع والفرضيات والتصورات في حين أن الظرفية لم تعد هي نفسها".
وقال أن حزب العدالة والتنمية كان يتحدث في برنامجه الانتخابي عن معدل نمو يبلغ 7 بالمائة ليأتي البرنامج الحكومي بمعدل جديد حدد في 5,5 بالمائة بل أكثر من ذلك "لم يكن هو نفسه المسطر في مشروع قانون المالية الذي لم يتجاوز فيه هذا المعدل 4,2 بالمائة" وأن ما ينطبق على معدل النمو يسري أيضا على مؤشرات أخرى كعجز الميزانية وغيرها من الفرضيات التي لم تأخذ بعين الاعتبار صعوبة الظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية.
أما فتيحة العيادي النائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة قالت أن "فترة المائة يوم الأولى من عمل الحكومة ما هي إلا مائة يوم من الارتجالية وعدم المهنية في تنزيل مضامين البرنامج الحكومي, التي اختزلتها في مجرد "إعلانات للنوايا" واعتبرتها "أكثر شعبوية"منها لفائدة المواطن المغربي" كما رأت أن التوقعات التي اعتمدتها الحكومة في تسطير برنامجها بعيدة عن الواقعية وأن معظم الإجراءات التي تضمنها هذا البرنامج ليست بالشيء الجديد بل هي تراكمات للحكومات السابقة من قبيل الدعوة إلى إصلاح صندوق المقاصة وبلورة فكرة المجلس الوطني للصحافة ونظام المساعدة الطبية (راميد) مشيرة إلى أن المغرب نتيجة للتأخر الحاصل في المصادقة على قانون المالية يعيش "سنة مالية بيضاء'".
وقالت رشيدة بن مسعود النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنها لا ترى في البرنامج الحكومي "سوى استمرارية للبرامج السابقة" مؤاخذة على حزب العدالة والتنمية عدم وفائه ببعض الإجراءات التي سطرها في البرنامج الحكومي الذي يعد خارطة عمل الحكومة.
مواقف أحزاب الأغلبية
عبد العزيز عماري رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب يرى أن أهم شيء حققته الحكومة الجديدة في بداية تجربتها هو الانتقال الديمقراطي السلس الذي جعل المغرب يقدم نموذجا خاصا يجمع بين الإصلاحات العميقة وبين الاستقرار في مناخ دولي يعرف الكثير من التحولات ويكاد ينعدم فيه الاستقرار.
وقال أن هذه "الحكومة برصيدها الشعبي تضمن استقرارا مؤسساتيا" من شأنه أن يساعد على استكمال أوراش الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل انتظارات المواطن المغربي في قلب السياسات العمومية .
وقال إن "ما نسجله منذ التنصيب البرلماني للحكومة كونها قدمت برنامجا حكوميا طموحا يسعى إلى التنزيل الديمقراطي للدستور الجديد وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية تجد صداها في مشروع قانون المالية الذي يعد لبنة من لبنات هذا الإصلاح ومشروعا لعودة الأمل واستعادة الثقة ليس لكونه اقترن بالحمولات السياسية واللحظة التاريخية والخطوات الجبارة التي قطعها المغرب على درب التطور الديمقراطي وإنما لأنه من إنتاج حكومة 'انعقدت عليها آمال فئات عريضة من مكونات المجتمع ومن مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين سواء داخل المغرب أو خارجه".
محمد مبديع رئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب، من جانبه قال أن أداء الحكومة استثنائي في بدايته على اعتبار أن الرؤية التي جاءت بها والتي تعكسها مضامين البرنامج الحكومي لا يمكن تفعيلها في غياب قانون المالية مما يسمح برأيه بالقول إنها في مرحلة للتأسيس تخوضها وفق منهجية جيدة ستعطي ثمارها بعد المصادقة على قانون المالية وأجرأة باقي القوانين التي تؤثث للمنظور الجديد للحكومة.
وأضاف أن البرنامج الحكومي يتضمن مبادرات وإجراءات تكشف إرادة الحكومة في التغيير والنهوض بالحكامة الجيدة ومكافحة اقتصاد الريع والاهتمام بالفئات الفقيرة مؤكدا أن الحكومة ماضية بخطى ثابتة نحو النجاح.
مواقف أحزاب خارج البرلمان
حزب النهج الديمقراطي اعتبر أن المغرب يعيش في ظل الحكومة الجديدة حالة "قمع شامل و تراجع كبير عن بعض المكتسبات الهشة التي حققتها الجماهير الشعبية بعد نضال مديد ضد المخزن و حكومته التي بشر بها الدستور الممنوح و توجها ضدا على أصوات الأغلبية المقاطعة لمسرحية الانتخابات التشريعية.و كأنه يتوج خدامه الأوفياء من مكونات الحكومة التي لا تحكم و معارضة برلمانية تحت الطلب.في اعتقاد أنه وصل إلى بر الأمان بعد هبوب رياح السيرورات الثورية التي اجتاحت المنطقة العربية و البلدان المغاربية و منها حركة 20فبراير الصامدة و التي تتهيأ لاستعادة وهجها خاصة مع انكشاف خداع الوعود و شعارات لن تقو على كسر ما يعج به الواقع من فقر و بطالة و إقصاء اجتماعي".
أما الحزب الحزب الاشتراكي الموحد فقد عبر عن رفضه المطلق ل"مظاهر الإرهاب والترهيب التي مارستها بعض القوى الأصولية التي قامت بدور شرطة أخلاق خارج القانون ومؤسسات الدولة"، مُلِحاً في الوقت ذاته على التأكيد على حرية التعبير والحريات العامة والخاصة.
ونبه المجلس الوطني للحزب المذكور إلى"خطورة الوضع الاجتماعي الذي يعبر عنه ارتفاع وثائر الاحتجاجات الشعبية التي ما زالت الدولة تعالجها بمقاربة أمنية عقيمة ما فتئت تتعاظم في العديد من المناطق"، منددا في الوقت نفسه بـ "النهج القمعي والتعسفي الذي طال التحركات الشعبية الجماهيرية والطلابية والسكنية".