البقاء بعيدا بمسافة متر، التحية عن بعد دون مصافحة، غسل اليدين باستمرار...، عادات جديدة ألفها المغاربة طيلة فترة الحجر الصحي الذي بدأ يرفع بشكل تدريجي في المملكة. فكيف سيتعامل المغاربة خلال قادم الأيام، وخصوصا بعد 10 يونيو، وهل سيعودون إلى ما كانوا عليه، أم أن الخوف من الإصابة بالفيروس سيجعلهم يحافظون على العادات الجديدة؟
يعتقد علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أنه بالرغم من أن "فترة الحجر الصحي ساهمت في ترسيخ بعض السلوكيات التي لم يكن يحرص المواطن المغربي عليها قبل الجائحة من قبيل النظافة بشكل منتظم وتجنب الاحتكاك مع الآخر وغيرها من السلوكيات، إلا أنه سرعان ما سيعود لعاداته القديمة"، لأن الإنسان المغربي في نظره "سريع النسيان".
ولم يستبعد أن يحرص الأشخاص على الاستمرار في نفس النهج للوقاية من فيروس كورونا، بعد انتهاء فترة الحجر الصحي، "لكن حرصه هذا لن يدوم لفترة طويلة" لأنه في نظره "الطبع يغلب التطبع"، وقال "تطبعنا على سلوكيات معينة لكن الطبع راسخ في لا شعورنا في تقاليدنا وماضينا".
ويؤكد الشعباني أنه عندما سيطمئن المغربي إلى انتهاء الوباء، وإلى تلاشي المخاطر، سينسى الممارسات الإيجابية التي تبناها خلال الحجر الصحي، وذلك راجع بحسبه إلى "البنية العامة لمجتمعنا (البيوت، المدارس، الأسواق...) التي لا تساعد في الاستمرار فيما نحن عليه الآن، سنعود إلى الازدحام والاحتكاكات في الشوارع والمقاهي وأيضا في المناسبات والتقبيل والاحتضان وغيرها".
"الكثيرون لا يتعلمون كيفية الاستفادة من الدروس التي تعطى لهم أو يمنحها لهم القدر. سلوكاتهم في مجتمعات أخرى تتناقض مع سلوكاتهم في مجتمعهم، وكأن مجتمعنا خلق لكي تخرق فيه القوانين والقواعد".
إلا أن لدى الدكتور شكيب كسوس المختص في الأنثروبولوجيا، رأي آخر إذ يرى أن المغاربة سيظلون خائفين وسيبقون على نفس النهج طالما أن الفيروس موجود وقال "سيعود الناس لملاقاة بعضهم البعض بالكثير من المرح، لكن هذا المرح سيكون مرفوقا بالقلق والخوفد من إصابتهم بالفيروس".
مع ذلك سيخرق بعضهم بحسبه القواعد "وسيعودون إلى التحية بالقبل والأحضان، لكن هؤلاء سيندمون إن أصابهم بالفيروس". وتابع رغم أنه لم يرفع الحجر الصحي بعد لكن "بعض الناس بدأوا يتصافحون بالأيادي ويعانقون بعضهم البعض" وأضاف "سيحتاج الناس للكثير من الوقت لتعلم كيفية إلقاء التحية عن بعد".
ويعتقد كسوس أن الناس سيكونون أكثر حذرا في أماكن عملهم أكثر من منازلهم، إلا أن "هذه العلاقات ستكون أضعف مما كانت عليه من قبل".
"لم يستوعب الكثيرون بعد بعض الأشياء بشكل جيد، لكن على الأقل تعلم المغاربة غسل أيديهم باستمرار. أعتقد أن خوف المغاربة من الفيروس سيظل معهم لفترة طويلة، ولو بعد القضاء عليه، وسيفضلون غسل أيديهم لتجنب الإصابة بالأمراض".
من جهته يرى محسن بنزاكور الخبير في علم النفس الاجتماعي، أن هناك فئات ومقاربات مختلفة، والسلوك لن يكون نفسه بعد رفع الحجر الصحي. وقال "توجد فئة من المغاربة الذين يتمتعون بالوعي، ويعرفون معنى التباعد الاجتماعي وقواعد النظافة وفائدتها، ويعرفون كيف يتعايشون مع فيروس كورونا المستجد، ويدركون إمكانية وجود موجة ثانية من الفيروس وأن العلم لم يطور بعد اللقاحات اللازمة".
وهناك أيضا فئة أخرى، تثير القلق بحسبه، قسمها إلى مجموعتين "الأولى تنتمي إلى الطبقة الوسطى وتدعي أن ما يحدث لا يعدو أن يكون مجرد سينما، وأننا نجعل من هذا الوباء أمرا دراماتيكيا، في الوقت الذي يجب أن ندعه للخالق". في نظره، هؤلاء الأشخاص "يجهلون أنهم ربما يكونون مصدر موجة جديدة من انتشار الفيروس".
وهناك الفئة الثانية، التي تتكون من المراهقين، والذين يعانون من الحجر الصحي "لأنهم مليؤون بالطاقة، أنا لا أحملهم المسؤولية، لكن أعتقد أن السلطات لاسيما تلك التي تقع تحت مسؤوليتها إدارة الشباب والرياضة، يجب أن تولي اهتماما كبيرا لهذه الفئة.
وعبر عن يقينه في كون غالبية المغاربة اكتسبوا عادات جديدة مثل "التفكير في الآخر وليس الفردانية، إضافة إلى بروز روح المواطنة التي افتقدناها منذ عقود قليلة" ومع ذلك، يعتقد أن نسبة الأشخاص الذين سيتحلون بروح المسؤولية لن تصل إلى 100 في المائة، ويؤكد أنه "يجب ألا نحلم وأن نفكر مليا فيما سيحدث لاحقا".
وأشاد بنزاكور بتطبيق "وقايتنا" الذي وضعته الحكومة تحت رهن إشارة المغاربة، وشدد على أهمية توعية الناس بأهميته وتساءل قائلا "غالبية المراهقين لديهم هواتف ذكية، لكن هل سيفكرون في تحميل هذا التطبيق؟".