ولد رشيد السعيدي في مدينة تمارة وسط عائلة بسيطة، كانت تحلم بأن يصبح ابنها طبيباً. علمه والده، الذي تعود أصوله للأطلس المتوسط ويعمل في الجيش، أن يعتمد على نفسه في وقت مبكر جدًا, ففي سن 12 بدأ رشيد يشتغل خلال فصل الصيف.
وفي حديثه لموقع يابلادي قال "لم أكن أقبل المال من والداي، كنت أخرج كل صيف لبيع الآيس كريم أو الكعك في الشاطئ، كما كنت أيضا أذهب إلى سوق الجملة لشراء التين الشوكي من أجل بيعه لشراء كتبي المدرسية".
هذا ما ولد لدى رشيد روح المبادرة منذ صغره، وفيما بعد التحق بالثانوية العسكرية بالقنيطرة، لكن لأسباب عائلية، انتقل للعيش في سان دييجو في كاليفورنيا، وبعدها في السويد، ثم ألمانيا. وخلال فترة عيشه في هاته البلدان، كان بالإضافة إلى العمل يستغل الفرصة ويتعلم لغات جديدة. لتقوده رحلته في الأخير إلى باريس عام 1999، حيث بدأ دراسته العليا في الطب.
لكن خلال السنة الخامسة من دراسة الطب، بدأ رشيد السعيدي يواجه صعوبات مادية، وهو ما أجبره على البحث عن عمل إلى جانب الدراسة. وبدأ يعمل ليلاً كموظف استقبال في أحد الفنادق، وفي الصباح يلتحق بمقاعد الجامعة. لكن الحياة في باريس لم تكن سهلة بالنسبة له، وبدأ يجد صعوبة أيضا في دفع إيجاره، حيث وصلت به الأمور إلى النوم في محطة مترو باريس لمدة أسبوعين، ورغم ذلك لم يتوقف عن الذهاب للجامعة.
ويتذكر رشيد تلك اللحظات قائلا "ذات يوم أيقظني عامل النظافة حوالي الساعة الثالثة من أجل تنظيف المحطة، وكنت أننتظره لأن ينتهي من ذلك، لأعود إلى النوم، إلى أن تبدأ حركة المسافرين، وأغادر المكان."
في عام 2004، تأزم وضع رشيد أكثر، وقرر التوقف عن الدراسة ومواصلة العمل في الفنادق. واستطاع هذا الشاب المغربي الطموح، فرض ذاته في المجال وكسب ثقة أرباب عمله، وخطوة بعد خطوة ارتقى إلى منصب رئيس الاستقبال وبعدها مديرا، ليصبح بعدها المدير التنفيذي إلى غاية 2013.
ويفتخر هذا المقاول المغربي اليوم، بكونه شخص عصامي ولم يتلق أبدًا أي تدريب أكاديمي في التجارة أو إدارة الفنادق، لكن رغم ذلك تمكن من النجاح في هذا المجال، في غضون عشر سنوات. ويرى رشيد أن انتقاله من الطب إلى الفندقة لم يكن صعبًا.
وصار ذلك الشاب الذي افترش الشوارع في عام 2004، صاحب شركة في عام 2014، يشتغل مع الفنادق وإدارة وشراء العقارات لأغراض التحويل.
كما تقدم شركة رشيد السعيدي خدمات استشارية، ويشرف على شراء المباني وتحويلها إلى فنادق. وأوضح قائلا "الحياة هي المعرفة عليك أن تتعلم كل شيء وتخلق الفرصة للقيام بذلك".
وكان رشيد البالغ حاليا من العمر 42 عاما، وراء شراء تسعة بقع أرضية لصالح سلسلة فنادق" Les Hôtels Monsieur"، بصفته مديرها التنفيذي. وقال "نتواجد في العديد من الدوائر الباريسية: الأولى، والثالثة، السادسة، والثامنة، والتاسعة، والحادي عشر، والثامن عشر، بالإضافة إلى منتجع تزلج". ويطمح حاليا، إلى توسيع هذه الشبكة في مدن فرنسية أخرى، وخارج فرنسا.
وقال "كان والداي يحلمان بأن أصبح طبيا، لكنهما اليوم فخوران باختياري الذي تقبلاه بسرعة"، وأضاف "الآن يمكنهم السفر في جميع أنحاء العالم! مشيرا إلى أنه يخصص لهم طائرات خاصة للقيام بذلك.
"أمي لم تصدق ذلك، كانت تمازحني وتقول إنها لم تكن تركب حتى القطار للسفر والآن تسافر على متن طائرة و وتستطيع السفر إلى سان تروبيه"
ولم ينس رشيد مواطني بلاده، فمؤخرا وبعد انتشار فيروس كورونا وإغلاق الحدود، تقطعت السبل بمجموعة من المغاربة في فرنسا، وقرر المقاول المغربي تقديم يد المساعدة لأبناء بلده. وقام بإطلاق مبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل استقبالهم في مجموعة الفنادق التي يعمل بها. وخلال حديثه، عبر رشيد عن امتنناه للمجموعة "التي تتيح لنا اليوم رعاية ما لا يقل عن 29 شخصا، وخاصة في الدائرة السادسة".
ومن بين هؤلاء الأشخاص، قدم رشيد المساعدة لثلاث سيدات حوامل كن على وشك الولادة، وعمل على تعبئة الفرق الطبية لهن، مع ضمان دفع تكاليف التدخلات الطبية من طرف القنصلية المغربية وليس من قبلهن.
وليس هذا فحسب، فقد قام رشيد أيضا بمساعدة المغاربة العالقين في فرنسا في الإجراءات الإدارية لتمديد تأشيراتهم، والحصول على الرعاية الطبية أو الخدمات التي تقدمها القنصلية المغربية لهم. وأعرب المقاول المغربي عن فخره بهذه الخطوة التضامنية وقال "الكل شارك في هذه المبادرة: المغاربة المقيمون بفرنسا، والسفير المغربي نفسه، والقناصل، بل وحتى المغاربة العالقين أيضا".
كان اهتمام رشيد الوحيد من خلال هذه المبادرة هو "ألا يحتاج أحد منهم لشيء وأن لا يدفعوا مقابل ذلك". وتم بذلك توسيع شبكة المتطوعين لإعداد وجبات ساخنة، أو إقامة أنشطة رياضية أو جماعية، أو حتى استقبال مجموعة من المغاربة العالقين. وأضاف أن إجمالي الوجبات يصل إلى 300 وجبة يوميًا، يتم توزيعها حتى على الأشخاص الذين يوجدون في في الفنادق.
ويحكي أن "المغاربة المقيمين في فرنسا قدموا لهؤلاء المغاربة العالقين مساعدات مالية، وبعضهم استقبل عددا منهم في منازلهم، فيما يقدم آخرون لهم الأكل أو يقومون بشراء الأغراض اللازمة" مشيرا إلى أن هذه المبادرة شملت مدن أخرى من خلال تشكيل شبكة وطنية تضم أصدقاء رشيد، من أجل تقديم المساعدة للمغاربة الذين تقطعت بهم السبل في في ليون، ومرسيليا، في إيل دو فرانس.
ويعتقد رشيد السعيدي أن نجاح هذه المبادرة يرجع إلى "الجذور والقيم العائلية" وأوضح قائلا "لقد عشنا بشكل متواضع لكننا كنا مفعمين بالسعادة، لأننا حصلنا على حب آبائنا الذين علمونا معنى المشاركة والتضامن".
وأوضح "لقد عشت الحياة الثرية وأيضا في الشوارع، كانت حياتي مليئة بالنجاحات والإخفاقات، لذا لا يزال بإمكاني العيش بسعادة وغنى إنساني حتى لو كنت فقيرًا وهذا ما جعل تشكيل هذه الشبكة أمرا سهلا" وتابع "علينا دائمًا أن نضع أنفسنا مكان الآخرين". في إشارة منه إلى ضرورة التعاطف والتضامن خلال هذه الأزمة الصحية.