أحمد المنصور الذهبي أقوى سلاطين الدولة السعدية الذي غادر مراكش خوفا من الطاعون ومات به في فاس

 بحلول نهاية القرن السادس عشر، ضرب الطاعون إمبراطورية السلطان السعدي القوي أحمد المنصور الذهبي، وعمت الموجة الأولى من هذا الوباء البلاد خلال الفترة ما بين 1597 و 1598، وتشير بعض كتب التاريخ إلى أن فترة نهاية حكم أقوى سلطان سعدي للبلاد شهد "العديد من الأوبئة والمجاعات المدمرة".

وتؤكد بعد المصادر إلى أنه بحلول سنة 1598، أودى الطاعون بحياة 450 ألف مغربي على الأقل، كما تسبب في توقف حركة التجارة، وإغلاق موانئ البلاد.

وبحسب أستاذ التاريخ الإسلامي ستيفن كوري، فقد كانت مدينة فاس من بين المدن "الأكثر تضررا آنذاك"، ويشير في كتابه "احياء الخلافة الإسلامية في المغرب" إلى أن الطاعون وصل آنذاك إلى مدينة مراكش عاصمة المنصور الذهبي.

تدابير المنصور الوقائية 

يؤكد تقرير إنجليزي صدر في يونيو من سنة 1598 أن 230 ألف شخص لقوا نحبهم في المدينة بسبب مرض الطاعون، وهو ما جعل السلطان السعدي القوي يشعر بالخوف على حياته ويقرر مغادرة عاصمة ملكه لتجنب الاصابة بالعدوى.

وبحسب المصدر ذاته فإن المنصور "هجر قصره الجميل وحكم البلاد من الخيام في الأرياف خلال أشهر الصيف عندما كان الطاعون في ذروة انتشاره".

وبينما كان المنصور يعيش في الخيام، كانت إمبراطوريته المترامية الأطراف تعيش حالة من عدم اليقين، وكتب كوري نقلا عن مراقبين إنجليز أن "التجار الذين يسافرون إلى المغرب وجدوا الموانئ "مهجورة"، فيما كانت الدولة عاجزة عن بسط سلطتها بسبب انتشار الوباء.

ومهد انعدام الأمن الطريق إلى العنف والشائعات، وكتب المؤرخ نفسه يقول "كانت الظروف سيئة للغاية، لدرجة أنه انتشرت شائعة تقول إن المنصور قد مات". 

وبين 1599 و1601، تراجع انتشار الطاعون، لكنه سرعان ما عاد في سنة 1602 ليهدد البلاد، وأرسل المنصور الذي كان قد غادر العاصمة مراكش لحل بعض المشاكل السياسية، رسالة لابنه أبو فارس يخبره فيها بكيفية إدارة الأزمة.

وكتب كوري "في رسالته المؤرخة بـ1 شتنبر 1602 أعطى المنصور تعليمات لأبي فارس بشأن ما يجب عليه فعله، إذا وصل الطاعون مرة أخرى إلى أبواب مراكش"، وبالفعل كانت مخاوف المنصور الذهبي في محلها إذ انتشر الطاعون مرة أخرى في عاصمته، وقرر أبو فارس السير على خطى والده وغادر القصر للعيش في الخيام.

فاز على ابنه ومات بالطاعون

وإضافة إلى الطاعون، وجد المنصور نفسه في مواجهة تمرد داخلي من قبل ولي عهده محمد الشيخ، والذي كان يطمح لإزاحة والده من الحكم، بحسب ما كتبت مرسيدس غارسيا أرينال في كتابها "أحمد المنصور: بدايات المغرب الحديث".

وأرسل المنصور علماؤه لإقناع ابنه بإنهاء تمرده، وعرض عليه ولاية سجلماسة، غير أنه رفض عرضه، وهو ما جعل السلطان السعدي يخوض حربا ضده.

وفي أكتوبر 1602، كسب المنصور المعركة، ورغم أنه خرج منتصرا في حربه العسكرية، إلا أن حربه ضد وباء الطاعون لم تكن قد وضعت أوزارها.

ولم يتمكن المنصور من العودة إلى مراكش، وبقي في مدينة فاس التي كانت بدورها متضررة من الطاعون، الذي أصابه أيضا وتوفي في ضواحي المدينة في غشت من سنة 1603. 

وأقيم مأتم بسيط لأعظم ملوك الدولة السعدية، الذي حكم إمبراطورية امتدت على مساحة واسعة، ودفن في فاس، ونقل بعد ذلك جثمانه إلى مراكش ليدفن إلى جانب أسلافه.

وبعد وفاته عانت الدولة السعدية من الانقسام بين أبنائه الذين سعوا إلى إزاحة بعضهم البعض من أجل حكم البلاد.