يرتبط المغرب بعلاقات خاصة مع دول غرب إفريقيا منذ القدم، وتميزت هاته العلاقات باستمرارها وقوتها على مر العقود والقرون الماضية.
ويشير محمد فاضل علي باري وسعيد إبراهيم كريدية في كتابهما "المسلمون في غرب إفريقيا - تاريخ وحضارة" إلى أن العلاقات بين المغرب الأقصى ومنطقة غرب إفريقيا تعود إلى قرون خلت، ويؤكدان أنه "عندما قامت دولة المرابطين في شمال إفريقيا في القرن الحادي عشر الميلادي كونت جبهة إسلامية قوية امتدت من غرب إفريقيا إلى بلاد المغرب والأندلس وكان لها فضل كبير في انتشار الإسلام في هذه الجبهات".
ويؤكدان أن دعاة المرابطين انتشروا "من السنغال إلى ما يسمى اليوم غينيا وساحل العاج والنيجر، ودخلوا امبراطورية غانا الوثنية في النصف الثاني من القرن الحادي عشر أي في عام 1076 م".
بدوره يشير عصمت عبد اللطيف دندش في كتابه "دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا" إلى دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا مؤكدا أنه كان لهم "دور بارز في ايصال الإسلام إلى سكان منطقة غرب إفريقيا في زمن مبكر جدا، فكان الداعية والتاجر أحيانا يمثلان شخصا واحدا يصعب التفريق بينهما".
وحافظت العلاقات على زخمها مع مرور العقود والقرون، وحلت بدل الإمبراطوريات والدول التي قامت في المغرب، الزوايا والطرق الصوفية، التي أصبح لها نفوذ كبير في غرب القارة الإفريقية، وبحسب ما جاء في كتاب "أضواء على الشيخ أحمد التيجاني وأتباعه" لصاحبه عبد الباقي مفتح فإن مسلمي هذه المنطقة يرتبط أغلبهم بالزاوية التيجانية، حيث يعتبر أكثر من 80 في المائة من الغينيين أنفسم تيجانيين، وتصل هذه النسبة عند الإيفواريين إلى 70 في المائة، و90 في المائة لدى السينغاليين...
المغرب وغينيا.. توافق دائم
وإلى حدود اليوم تعتبر دول غرب إفريقيا من بين أهم الدول الحليفة للمغرب في القارة السمراء، ومن بين هذه الدول، دولة غينيا التي حافظ زعماءها على علاقات قوية مع ملوك المغرب.
فبعد تخلص المغرب وغينيا نهاية الخمسينات من الاستعمار الفرنسي، عملت الدولتان معا على مساعدة باقي دول القارة الإفريقية على دحر الاستعمار، وفي سنة 1961 دعا الملك محمد الخامس إلى عقد لقاء في مدينة الدار البيضاء حضره القائد المالي موديبو كيتا، و الغيني أحمد سيكو توري، والمصري جمال عبد الناصر، والغاني كوامي نكروما، والإمباراطور الإثيوبي هايلي سيلاسي، وفرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، والليبي عبد القادر العلام ممثلا للملك الليبي آنذاك محمد إدريس السنوسي.
واتفق المجتمعون على "العمل على تحرير الاراضي من الاستعمار" وتقوية "فكرة التضامن بين الشعوب الافريقية كلها"، و"تنظيم التعاون الاقتصادي والثقافي بين دول القارة".
بعد سنتين من مؤتمر الدار البيضاء، وبالضبط في 26 ماي من سنة 1963 تم التوقيع على ميثاق إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية بحضور 30 دولة إفريقية مستقلة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وفي 25 ماي من سنة 1963 تم الإعلان رسميا عن إنشاء هذه المنظمة.
محمد الخامس على العملة الغينية
ورغم أن الملك محمد الخامس توفي سنة 1961 إلى أن الزعيم الغيني أحمد سيكو توري، قام بتكريمه نظرا لدوره في تحرير إفريقيا، ووضع صورته على عملة ورقية رسمية للبلاد سنة 1981.
ويظهر الموقع الرسمي للبنك الرسمي الغيني عملة غينية من فئة 2 سيلي عليها صورة الملك المغربي الراحل محمد الخامس، مرتديا طربوشه وجلباه الذين عرف بهما.
وبقيت هذه الورقة النقدية متداولة لمدة أربع سنوات، حيث زالت مع قيام صناع القرار في كوناكري باستبدال عملة السيلي سنة 1985 بعملة الفرنك.
ولم تتراجع مكانة الملك محمد الخامس عند الغينيين بمرو السنوات، وفي سنة 2014 أعلن الرئيس الغيني الحالي ألفا كوندي، بمناسبة زيارة الملك محمد السادس لبلده، أن قصر الأمم بالعاصمة كوناكري أصبح يحمل اسم محمد الخامس "اعترافا بالدور الكبير الذي اضطلع به محمد الخامس من أجل تحرير ووحدة إفريقيا".
غينيا ودعم المغرب
ولازلت دولة غينيا إلى حدود اليوم تعتبر من بين أهم حلفاء المغرب في إفريقيا. ففي سنة 2016 كانت من بين الدول التي وقعت على ملتمس لتجميد أنشطة جبهة البوليساريو في الاتحاد الإفريقي، كما أن رئيسها ألفا كوندي لعب دورا هاما في إفشال المخططات الجزائرية والجنوب إفريقية لعرقلة انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، خلال الدورة 28 للمنظمة القارية التي عقدت سنة 2017.
وحسم الرئيس الغيني الذي كان يتولى الرئاسة الدورية للمنظمة القارية الموقف لصالح انضمام المغرب، بتأكيده على ضرورة حضور الوفد المغربي في أشغال القمة حيث ألقى الملك محمد السادس خطابا في الجلسة الختامية للاتحاد.
ومباشرة بعد خطاب الملك محمد السادس نوه الرئيس الغيني بالدور "الهام والبناء" للملك محمد الخامس في إطار مجموعة الدار البيضاء، التي شكلت الأساس الذي أدى إلى إحداث منظمة الوحدة الافريقية، التي تحولت إلى الاتحاد الإفريقي.
وتعبيرا منها عن دعمها للمغرب في نزاع الصحراء، قامت جمهورية غينيا خلال شهر يناير الماضي، بافتتاح قنصلية عامة لها بمدينة الداخلة.