سطح بيت عائلته بمدينة مكناس كان شاهدا على بداية حبه وولعه بالنجوم والكواكب والأجرام السماوية. في كل ليلة كان طه سحيسح يصعد الأدراج من أجل تأمل النجوم التي تزين السماء وتبدد الظلام بنورها الساطع.
مرت السنوات، وكبر مع طه حلم الغوص في عالم الكواكب والنيازك. ولازال إلى الآن وبعد بلوغه سن 29 سنة، يتذكر تلك المرحلة من حياته، حيث قال في تصريح لموقع يابلادي "منذ طفولتي وأنا أعشق كل ما يتعلق بالفضاء والكواكب. والبداية كانت فوق سطح بيتنا".
رغم هذا الولع، إلا أن الأقدار قادته في البداية إلى سلك درب آخر، بعد حصوله على إجازة في الماء والبيئة من كلية العلوم والتقنيات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وبعدها الطبيعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
وواصل حديثه قائلا "لم أكن أعلم أنه باستطاعتي دراسة علم الفلك في المغرب إلى أن شاءت الاقدار وجمعتني الصدفة بأحد الأساتذة المتخصصين في هذا العلم". ولم يتردد طه حينها ولو لحظة من أجل تغيير مسار دراسته، والعودة إلى حلم طفولته، واختار موضوع رسالة دكتوراه في علم الكواكب والنيازك عام 2017.
"رغم أنني اخترت شعبة مختلفة تماما عما درسته، لكن الجيولوجيا التي سبق لي أن درستها، مرتبطة بهذا العلم أيضا. وهو أمر شجعني أكثر على خوض هذه التجربة".
واختار طه أن يتعمق في البحث في علوم النيازك والكواكب، من خلال دراسة نيزكين الأول مغربي يسمى تيغرت، سقط عام 2014 بتيغرت ليسمي باسمها، والثاني جزائري يسمى عوينة لكرع سقط بالجزائر عام 2013. وبعد مرور ستة أشهر على دخوله غمار هذه التجربة، سافر إلى سانتا فيه، وهي عاصمة ولاية نيومكسيكو الأمريكية، من أجل المشاركة في المؤتمر الدولي حول النيازك، وهو أكبر ملتقى لعلماء النيازك بالعالم.
وقال طه "تم اختيار موضوع بحثي للمشاركة في المؤتمر. أن تكتشف بالكاد هذا العالم، وفي غضون أشهر قليلة فقط، وتشارك في هذا الحدث الدولي كان بمثابة فخر وتحد كبير لي".
موضوع بحث طه، حول حياته إلى رحالة يجوب العالم من أجل اكتشاف أسرار وخبايا الفضاء والكويكبات، ولم تكن حقيبته المليئة بمجموعة من النيازك والمعدات العلمية تفارق ظهره في كل رحلاته. وعن ذلك قال ليابلادي "أحمل معي بداخلها نيزكا أينما ذهبت، لماذا؟ عندما يسألني الكثير ممن ألتقيهم عن تخصصي، أول ما يقولون لي هو: لم ألمس قط حجرا قادما من الفضاء، فأقدمه لهم. تلك النظرة، نظرة الاندهاش ممزوجة بالفرح أصبحت مدمنا عليها".
من أجل الدراسة والبحث في موضوع النيازك الذي اختاره موضوعا للدكتوراه، لم يكن طه يفوت الفرصة في وضع ملفه للحصول على المنح التي تخوله اكتشاف الأدوات العلمية المتقدمة والحديثة التي تمكنه من الغوص أكثر وأكثر في عالم الكواكب. ويرجع الفضل في حصول طه على منحته الدراسية، للمجهودات التي يبدلها أطر جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ومختبراتها بالإضافة إلى مؤسسة ATTARIK للأرصاد الجوية وعلوم الكواكب غير ربحية، التي تتخذ من كلية العلوم التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء مقرا لها.
إذ حصل في المرة الأولى على منحة من فرنسا لإتمام بحثه في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس، وأيضا الاشتغال على مجموعة أخرى من النيازك، وقضى بالعاصمة الفرنسة حوالي سبعة أشهر، لينتقل بعدها إلى روسيا للمشاركة في المؤتمر الدولي حول النيازك.
ثم انتقل في أكتوبر 2018 إلى إيطاليا بعد حصوله على منحة أخرى لإتمام بحثه في جامعة بيزا البحثية، وقضى بداخلها خمسة أشهر وقال "كنت في كل مرة أعود إلى المغرب من أجل كتابة تقارير حول ما توصلت إليه، وبعدها أبدأ مغامرة جديدة".
واستقر به المطاف في الولايات المتحدة الامريكية، بعد حصوله على واحدة من أهم المنح الدراسية الامريكية التابعة لبرنامج فولبرايت، وهو برامج للتبادل الثقافي للولايات المتحدة يهدف إلى تحسين العلاقات بين الثقافات، والدبلوماسيات الثقافية، والكفاءة بين الثقافات بين شعب الولايات المتحدة والدول الأخرى من خلال تبادل الأشخاص، المعرفة والمهارات.
وفي شتنبر 2019، حط الرحال بمعهد النيازك في جامعة نيو مكسيكو، والذي يعتبر من أقدم المعاهد المتخصصة في علم النيازك والكواكب، ويضم علماء كبار. وبالإضافة إلى الاشتغال على النيزكين المغربي والجزائري، يشتغل طه حاليا على موضوع مشترك مع علماء من الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا" وقال الباحث المغربي "لم أكن أحلم في يوم أن تطأ قدماي وكالة ناسا بهيوستن. إنه حلم أصبح حقيقة".
ورغم التعب والارهاق الذي كان يشعر به طه في كل مرة بسبب كثرة تنقلاته، إلا أنه يؤكد أن" كل هاته الأمور كانت تختفي بمجرد ما ألتقي بعلماء من جميع أنحاء العالم، نتشارك خبراتنا ومعارفنا". وتقديرا للمجهودات التي أبان عليها من أجل إيصال خبرته في علم الفلك إلى المغرب وأيضا الكفاءة التي يمتاز بها، تمت تسمية أحد الكويكبات الذي تم اكتشافه في الفضاء من سويسرا باسمه "سحيسح"، من طرف أحد الباحثين في علم الفلك الذي سبق له أن تعرف عليه. كما ساهم طه أيضا في تسمية ثلاث نيازك، واحد فرنسي وآخرين مغربيين.
وبعد زيارته للعديد من الدول قرر طه الاستقرار بالولايات المتحدة الامريكية. وخلال شهر غشت سيحط الرحال بالمغرب لمناقشة أطروحة الدكتوراه، بعدها سيعود إلى بلاد العم سام لإكمال مشواره المهني، مؤكدا أنه يطمح إلى الانضمام إلى "وكالة ناسا أو الجامعة التي أتواجد بها حاليا".
وشدد طه على ضرورة إعطاء الحكومة المغربية، أهمية للباحثين في جميع الميادين وتوفير جميع الوسائل التي ستساهم في تكوين علماء لأن المغرب في أمس الحاجة إليهم "والدليل، هو ما حصل اليوم مع ظهور فيروس كورونا" وأنهى حديثه قائلا "لدينا طاقات هائلة يجب الاستثمار فيها".