أثارت فتوى الشيخ المقاصدي المغربي أحمد الريسوني التي أحل فيها القروض التي تقدمها الأبناك في إطار برنامج "انطلاقة" الخاص بالقروض الموجهة لأصحاب المشاريع الفردية والمقاولات الصغيرة جدا، والذي أعطى انطلاقته قبل أيام الملك محمد السادس، موجة من الجدل، فبينما ذهب البعض إلى موافقته في الفتوى، طالبه آخرون بالعدول عنها.
وكان الريسوني الذي يرأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قد قال إن هاته القروض حلال شرعا ولا شبهة فيها، وأضاف أنه "لابد من التنبيه والإشادة بتوجهه (القرض) الاجتماعي وغرضه الاحساني ومن الواضح أنه ليس مبادرة تجارية وربحية (...)، لأن هذه النسبة المخفضة الظاهر منها أنها لا تعطي ربحا للبنوك ولا للمؤسسات الأخرى".
وبحسب فتواه فإن "هذا التوجه يتجه وجهة شرعية محمودة، انطلاقا من القرض الحسن سواء من الدولة أو الأغنياء الذين لهم فائض في أموالهم وحاجاتهم، (...) إن لم يكن قرضا حسنا خالصا فهو يتجه إلى مبدأ القرض الحسن".
وأثارت هذه الفتوى غضب رموز التيار السلفي في المغرب، وفي مقدمتهم الشيخ حسن الكتاني الذي نشر تدوينة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، قال فيها "فتوى الدكتور أحمد الريسوني عفا الله عنه لا توافق النصوص الشرعية ولا تقريرات فقهاء الإسلام فلعله يعيد النظر فيها بارك الله فيه".
كما قام الكتاني بمشاركة آراء منتقدة لفتوى الريسوني لأشخاص آخرين على صفحته في موقع الفايسبوك.
من جانبه قال الباحث في الاقتصاد الإسلامي محمد طلال لحلو إن التعليل الذي قدمه الريسوني "لا يستقيم البتة نظرا لنسبة الفائدة العالمية السائدة اليوم، فنسبة 2% تعتبر نسبة جد عادية بل مربحة. وأخيرا فاليسر لا يعتبر في الربا، خلافا للغرر الذي يباح فيه اليسر تبعا. وقد أدهشنا وفاجأنا من شبه الربا بالغرر، من شبه واحدة من أكبر الكبائر والسبع الموبقات بمخالفة شرعية ليست من الكبائر".
وأضاف في مقال منشور على موقع "هوية" المقرب من التيار السلفي، أن الربا مهما كانت نسبتها تبقى حراما، "وبما أن المؤسسات إما خيرية أو ربحية، فنتيقن هنا أن المؤسسات ربحية فنتيقن أن القروض ربحية، إذا ربوية، دون أدنى شك. وإلا فكان على المؤسسات أن تعلن أنه عمل خيري غير ربحي وتكتفي بتكلفته الحقيقية وتخضعه لمراقبة المجلس العلمي الأعلى ليجيزه. وهذا ما لا وجود له".
وذهب الشيخ السلفي حماد القباج في نفس الاتجاه، وعبر في شريط فيديو نشره على صفحته في الفايسبوك عن استغرابه من الفتوى، وقال إن الريسوني أخطأ حين انتقل من "قاعدة الضرورات تبيح المحظورات" إلى "تحليل الفائدة بسبب انخفاض نسبتها".
"هذه الفائدة تأتي في إطار نظام عالمي رأسمالي متوحش يمارس أنواعا خطيرة من الظلم على الناس، ويفرض نفسه على الدول والمجتمعات، والبنوك الربوية هي أدرعه القوية التي يمارس من خلالها هذه الوصاية وهذا الإرهاب".
وتساءل "في إطار هذا النظام العالمي كيف نميز بين ارتفاع الفائدة وانخفاضها؟" وزاد
"في مسألة الحلال والحرام، لا أتصور كيف يمكنني أن أفرق بين النسبة المرتفعة والنسبة المتدنية، في حدود علمي لم أتصور ذلك بتاتا. تدني نسبة الفائدة لا يخرج بالمعاملة من كونها من الظلم البين".
وطلب من الريسوني أن يعيد النظر في فتواه وأن يدقق أكثر، لأن "الربا ولو بفائدة 0.5 في المائة تبقى حراما".
بالمقابل ذهب المعتقل السلفي السابق محمد عبد الوهاب رفيقي في تدوينة على صفحته في موقع الفايسبوك إلى الإشادة بالفتوى، ووصفها بأنها "خطوة متقدمة وصوت عاقل في سياق مكانة الرجل (الريسوني) الاعتبارية عند تيارات وفئات داخل المجتمع".
وعبر عن أمله في أن يشكل رأي الريسوني بابا "لفتح نقاش مقاصدي وموضوعي حول المعاملات البنكية الحديثة وعلاقتها بالمفهوم التقليدي للربا، وليس فقط اعتبار هذه القروض من باب الإحسان والقرض الحسن".
"كنت أتمنى أن تكون هناك مبادرة لهذه الآراء والأطروحات، وليس فقط التحاقا بقضية تطرحها الدولة، كما كنت أتمنى أن تكون هذه الرؤية المقاصدية عامة وكلية، وليس قصرها على موضوع جزئي، وتغييبها في قضايا مجتمعية أخرى، بل اتخاذ مواقف متشددة تتناقض كلية مع شعارات المقاصدية والتيسير ومراعاة المتغيرات والواقع المتحرك".