يعتبر بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين عند معتنقي الديانة الإسلامية، لذلك يحظى بمكانة مهمة عند جميع المسلمين ومن بينهم المغاربة، الذين كانوا يحرصون على التوجه إليه بعد أدائهم مناسك الحج.
أوقاف المغاربة بالقدس
ويتوفر المغاربة (المغاربة والجزائريون والتونسيون) على أوقاف في المدينة المقدسة تعود إلى مئات السنين، حيث يشير كتاب "الاوقاف الإسلامية في فلسطين في العصر المملوكي"، لصاحبه الدكتور محمد عثمان الخطيب، إلى أنه "وجدت أوقاف خاصة بفئة من السكان، ومن أهم هذه الأوقاف، أوقاف المغاربة، وترجع هجرة المغاربة إلى الشرق بوجه عام إلى أيام الدولة الفاطمية".
وأكد أن الفاطميين "اعتمدوا في تأسيس دولتهم في المغرب على قبائل البربر، وكان في جيشهم فرق منهم"، قبل أ يقرروا التوجه إلى مصر وبناء مدينة القاهرة لتكون عاصمة لهم، لذلك فمن "الطبيعي أن يستقر قسم منهم في مصر، وفي بيت المقدس التي كانت خاضعة للفاطميين، ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء المغاربة في بيت المقدس قد ازداد عقب فتح صلاح الدين الأيوبي لها وعاشوا في شبه عزلة عن غيرهم من الجماعات".
وبعد سنوات من فتح القدس قام الملك الأفضل نجل صلاح الدين الأيوبي وبالذات سنة 589ه، 1193م، بوقف "البقعة التي اعتاد المغاربة أن يجاوروا عندها في بيت المقدس بقرب الزاوية الجنوبية الغربية لحائط الحرم، وقفها عليهم ذكورا وإناثا ليسكنوا مساكنها وينتفعوا بمنافعها، وأنشأ لهم في الحارة نفسها مدرسة عرفت بالأفضلية".
ويشير الكتاب نفسه إلى أنه في سنة 720ه ، 1320م أنشأ "شعيب بن محمد بن شعيب المغربي العثماني المالكي المشهور بأبي مدين وقفه المشهور (وقف أبي مدين) وحبس بموجبه على المغاربة المقيمين في بيت المقدس قرية عين كارم الواقعة على مقربة منها، والدار الواقعة بقنطرة البنات ومحلاتها والذي يشتمل على إيوان وبيتين وساحة ومرتفع خاص ومخزن وقبو يقعان سفلى ذلك".
ويؤكد كتاب "الأوقاف الإسلامية في فلسطين ودورها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي" لصاحبه سامي محمد الصلاحات، أنه "وبمرور الزمن اشتهر وقف أبي مدين الغوث حتى عرفت الأرض التي أوقفها الملك الأفضل "حارة المغاربة" فيما بعد تجاوزا بوقف أبي مدين".
أوقاف المغاربة تحت الاحتلال
وبقي الأمر على حاله إلى حدود نونبر من سنة 1947، حينما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية وجعل القدس منطقة دولية.
وبعد فشل العرب في تحرير فلسطين في حرب النكبة سنة 1948، سيطر الصهاينة على القدس الغربية، وبقيت بعض الأوقاف في الطرف المحتل من طرف إسرائيل، والبعض الآخر في القسم التابع للمملكة الأردنية.
وكانت دول المغرب العربي المعنية بالأوقاف في القدس آنذاك، واقعة تحت الاحتلال الفرنسي، وبحسب ما جاء في العدد 215 من مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فإن وزارة الخارجية الفرنسية أقامت "في سنة 1953 دعوى ضد إسرائيل تطالب فيها بـ"الاعتراف رسميا بأن قرية عين كريم والأراضي التابعة هي ممتلكات مغربية – جزائرية – تونسية"، و"رفع الحجز عن هذه الممتلكات".
كما طالبتها بـ"أداء تعويضات عن استغلال هذه الممتلكات منذ الاحتلال الإسرائيلي أي منذ شهر ماي 1948". وظلت الدعوى التي رفعتها وزارة الخارجية الفرنسية قائمة إلى أن استقلت تونس واستقل المغرب.
المغرب يرفض تعويضات من إسرائيل
وبعد ثلاث سنوات حصل المغرب على استقلاله، و"وصلت رسالة إلى وزارة الأوقاف المغربية من وزارة الخارجية المغربية مؤرخة ب 13 أبريل 1957 وتحمل رقم 13091 تخبرها فيها. أن وزارة الخارجية الفرنسية كتبت إليها بما تم في شأن هذه الدعوى. وهو أن إسرائيل قد قبلت دفع تعويض سنوي عن استغلالها لأراضي قرية (عين كريم) قدره: 3000 ليرة إسرائيلية أي ما يعادل 480000 فرنك ابتداء من 15 ماي 1948 وذلك على أساس ما كان يدفعه من قبل المستغلون لهذه الأراضي. وهو عشر إنتاجها".
وذكرت وزارة الخارجية في رسالتها "أن هذا الحل لا يعتبر نهائيا. وإنما هو حل مؤقت في انتظار حل المشكلة بصفة نهائية".
وردت وزارة الأوقاف المغربية عن كتاب وزارة الخارجية المغربية بـ"رسالة مؤرخة بـ 22 ماي 1957 وتحمل رقم 2410. وملخص ما ورد في هذه الرسالة أن وزارة الأوقاف المغربية لا يمكن لها أن تدخل في معاملة مع إسرائيل كيفما كان نوعها. حتى لا يفهم من ذلك أي اعتراف – ولو ضمني بمشروعية إسرائيل. خصوصا وأن المغرب كبقية الدول العربية الأخرى لا يعترف بوجود دولة إسرائيل. وأن الأولى أن يسكت الآن عن هذه القضية في انتظار تحرير فلسطين".
وبحسب ذات المصدر فقد "أقرت وزارة الخارجية المغربية آنذاك وزارة الأوقاف المغربية على هذا الرأي. وبذلك طويت هذه القضية إلى الآن".
وردت تونس على مراسلة مماثلة من قبل وزارة الخارجية الفرنسية، برد مطابق للرد المغربي، فيما كانت الجزائر واقعة تحت الاستعمار الفرنسي.
وبعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967 سيطرت القوات الصهيونية على كامل القدس واتخذت قرارا بهدم حارة المغاربة، وفي العاشر من يونيو1967، بدأت عمليات هدم المنازل التي بـلغ عددها 135 منزلا، ولم تغب شمس 11 يونيو سنة 1967 إلا وكانت الحارة قد سويت معظمها بالأرض، في جريمة خلفت العديد من الشهداء والمبعدين.
وبحسب مجلة دعوة الحق فإن المغاربة والجزائريين والتونسيين الذين كانوا يقيمون في القدس بلغ عددهم حسب إحصاء 1952، حوالي 2000 نسمة كانوا "يعيشون في حالة بؤس وفقر وتشرد. وذلك بالرغم من المساعدات التي ينالونها من وقف أبي مدين. مضافا إليها المساعدات السنوية التي تصلهم من كل من المغرب – والجزائر – وتونس".
وما زاد من معاناتهم هو عدم استفادتهم من المساعدات الدولية التي كانت تقدم للاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم غير فلسطينيين.