"أسوء رسالة رفض يمكن أن تصل المرء على الإطلاق"، بهذه العبارة عنون شاب مصري رسالة غريبة المحتوى قام بنشرها على صفحته على "فيسبوك". الرسالة وصلته من مكتب "GKK" الهندسي المعروف في برلين، وذلك بعد أن تقدم الشاب بطلب تدريب لدى المكتب المذكور، لتصله رسالة محتواها "لا عرب، من فضلك".
حاولت DW عربية التواصل مع الشاب المصري، لكنها لم تحصل على رد منه. واتضح فيما بعد أن رسالة البريد الإلكتروني هذه، تم إرسالها من حساب رئيس المكتب المعماري إلى "المستلم الخطأ"، لتجد الشركة نفسها في موقف صعب، بعدما انهالت الرسائل والتعليقات ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
عدد كبير من التعليقات حملت عبارات التعاطف مع الشاب، وفي هذا الصدد كتبت الكاتبة والأستاذة الألمانية من أصول تركية، بهار أصلان، "لا أعرف الشاب الذي تقدم بطلب التدريب إلى شركة الهندسة المعمارية، لكنني أتساءل ما الأثر الذي تركته جملة "لا عرب، من فضلك" على نفسيته، هل ستفقده هذه الجملة الثقة في نفسه؟ وهل سيجرؤ على إرسال الطلب مرة أخرى؟"
من جانبها علقت السياسية الألمانية من أصل فلسطيني، سوسن شبلي، على الحادثة على تويتر وقالت: "من الجيد أن حادثة العنصرية هذه قد وصلت إلى الرأي العام. على المرء أن يتخيل أن الناس في ألمانيا يواجهون هذه العنصرية كل يوم. كل يوم لا يحصلون على وظيفة، ولا على سكن ولا تتم محاسبة أي مسؤول عن ذلك".
Es ist gut, dass dieser Fall von Rassismus an die Öffentlichkeit gekommen ist. Stellt Euch vor, dass jeden Tag Menschen in Deutschland diesen Rassismus erleben. Jeden verdammten Tag. Keine Arbeit bekommen, keine Wohnung. Und kaum jemand wird zur Rechenschaft gezogen. https://t.co/xDJDcOtum8
— Sawsan Chebli (@SawsanChebli) January 15, 2020
"العنصرية جزء من حياة المهاجرين"
وسبق أن أثارت شبلي ضجة في الإعلام الألماني بعد إعرابها عن انزعاجها من أقوال السفير السابق هانز يوآخيم كيدرلين، والذي عبر عن إعجابه بجمالها، معتبرة ذلك تمييزاً على أساس الجنس. كما تعرضت مؤخراً للسب والإهانة العنصرية وللتهديد بالقتل من جانب يمينيين متطرفين. وقدمت شبلي بلاغا جنائيا وكتبت على "تويتر": "لن ترهبوني أيها النازيون، وسوف أواصل رفع صوتي، وأدعو إلى التنوع، وسوف أكافح من أجل مجتمع منفتح ومن أجل مهاجرين ولاجئين ومن أجل ذوي البشرة السمراء واليهود والمسلمين ومن أجل جميع من هم أعداؤكم، لاسيما الآن".
حادثة الرسالة هذه أعادت النقاش حول العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين في ألمانيا وفتحت المجال، على مواقع التواصل الاجتماعي، للأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة للحديث عن حالات من التمييز والعنصرية تعرضوا لها في ألمانيا، ومن بينهم الكاتبة والأستاذة الألمانية من أصول تركية، بهار أصلان، التي استحضرت في عدد من التغريدات بعضاً من الحوادث العنصرية التي تعرضت لها خلال فترات من حياتها في ألمانيا وحتى دخولها الجامعة وحصولها على وظيفة. وكتبت في تغريدة نشرتها على صفحتها على "تويتر":"خلال فترة تدريبي المهني، كنت حريصة أن أكون أول من يصل إلى المكتب. لقد أراد والدي ذلك لأنه كان يخشى أن يتم تصنيفي على أني "المرأة التركية الكسولة وغير المنضبطة".
وتابعت أصلان سرد القصص، التي كانت تتعرض لها رغم أنها ولدت ونشأت في ألمانيا، قائلة: "طيلة حياتي، كان عليّ أن أكون حريصة على عدم الوقوع في الخطأ حتى لا يستطيع أحد أن يقول إن الأتراك غير منضبطين ولا يعرفون أخلاقيات العمل (...) وفقط عندما التحقت بالجامعة اكتشفت صوتي الذي لم أكن أعرف أنه موجود. لم تكن الدراسة مكاناً لي فقط لاكتساب المعرفة، بل كانت أيضاً الطريق للعثور على نفسي (..) عندما أواجه العنصرية اليوم، فأنا لست قادرة على الدفاع عن نفسي فحسب، بل إنني أدرك أيضاً أن المشكلة لا تكمن في شخصيتي! ولكن ماذا يفعل أولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم؟ أو أولئك الذين يدفعهم ذلك بالفعل إلى الشك في قدراتهم؟"
Mein Leben lang musste ich darauf achten nichts falsch zu machen, damit niemand sagen kann dass Türk*innen undiszipliniert sind und keine Arbeitsmoral haben. Ein Leben lang kritisch beäugt zu werden, und dass nur weil deine Eltern zufällig aus der Türkei kommen, führte dazu...
— Bahar Aslan (@BaharAslan_) January 15, 2020
من جانبها قالت الخبيرة الألمانية ومديرة مركز التوثيق والمعلومات لمناهضة العنصرية، كريمة بن إبراهيم، تعليقاً على حادثة الرسالة أنه من الواضح أن المسألة تتعلق بالعنصرية وأنها أخذت منحى أكبر ووضعت المكتب الهندسي في مواجهة مشكلة كبيرة وتداعيات ربما أكبر. وأضافت بن إبراهيم في حوار مع DW عربية: "العنصرية مشكلة كبيرة ولها تاريخ طويل في ألمانيا، وليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن العرب والمسلمين أو ذوي البشرة السمراء، ولكنها المرة الأولى، التي تخرج فيها للعلن بهذه الطريقة، هناك أشخاص متشبعون بهذه الأفكار، لكن في الظاهر ينكرون ذلك".
"المنحى الأخطر هو ممارسة العنصرية وكأنها أمر طبيعي"
في بيان لها رداً على طلب من DW، لم تنكر الشركة الحادثة وبررت موقفها بـ"سوء الفهم"، بسبب "اختصار الرسالة" و "إخراجها من السياق". ولم توضح الشركة كيف تم اختصار الرسالة أو ما هو سوء الفهم بالضبط.
وذكرت الشركة في بيان لصحيفة "تاغس شبيغل" إن الوظيفة كانت تعنى بمشروع في الصين، وهناك حاجة إلى متحدث باللغة الصينية، وأنها قامت بالاعتذار للشاب، ودعته لمقابلة تدريب، فيما أكدت على أن لديها موظفين من تسع دول مختلفة، وهي تنشط في ثلاث قارات.
وعلى موقعها الإلكتروني، تقدم الشركة نفسها في صورة الشركة، التي تسعى للتنوع والانفتاح على العالم وتضع في خانة فريق العمل لديها، ثلاثين علماً، تمثل أصول جميع الموظفين لديها منذ تأسيسها في عام 2000. وتعليقاً على صورة الأعلام كتب حساب باللغة الألمانية، باسم "Milosz"، رداً ساخراً في تغريدة له جاء فيها: "الأمر الجميل هو أنه على موقع الشركة متعددة الثقافات، لا يوجد علم لدولة عربية (أو لم أجد واحدة) لذلك لا تزال جملة "لا عرب، من فضلك" سارية المفعول".
من جهة أخرى ذهبت بعض التعليقات إلى اعتبار تأويل الجملة "لا نريد عرباً، من فضلك" التي جاءت في رسالة الشركة، على أنها "جملة عنصرية" هو تأويل خاطئ. وكتب أحد المعلقين يعرف باسم Peter تغريدة باللغة الألمانية جاء فيها: "قمت منذ فترة قصيرة بتشغيل عامل من أصل عربي لدي، لأنه ببساطة جيد. لكنني قلت أيضاً "لا مزيد من العاملين الهنود" ليس بسبب العنصرية، ولكن لأنه أصبح لدينا الآن الكثير منهم وأنا أحب التنوع. ليس كل شيء. خذوا الأمور ببساطة". وكتب آخر يدعى Holger Christ: "لماذا هي عنصرية؟ لو كان لديّ شركة خاصة وأريد تشغيل الألمان فقط هناك وليس عرب أو أشخاص آخرين ذوي خلفية مهاجرة، فهذا قراري وليس له علاقة بالعنصرية".
Warum ist es Rassismus!
— Holger Christ (@holger_christ) January 16, 2020
wenn ich eine Firma habe also selbständig bin, und dort nur deutsche einstellen möchte und keine Araber oder anders stämmiger ist das ganz alleine meine Entscheidung und das hat nichts mit Rassismus zu tun.
تأويل العنصرية وممارسة الأشخاص لها كأمر طبيعي هو ما يشكل الخطر الأكبر في الوقت الحالي، حسب كريمة بن إبراهيم، والتي قالت: "العنصرية موجودة من قبل ولكن ما تغير وبات يطرح اليوم مشكلة حقيقية هو أنه أصبح الإفصاح عنها أمراً عادياً. من قبل كان الأشخاص لا يجرؤون على الإفصاح وكان ذلك من التابوهات". والسبب في ذلك يعود، بحسب الخبيرة الألمانية، إلى التغير الذي طرأ على المجتمع خلال السنوات الأخيرة مع موجة الهجرة واللاجئين التي عرفتها ألمانيا وصعود الأحزاب اليمينية للبرلمان. "لقد أصبح هناك جرأة في ممارسة العنصرية".
وفقا لأحدث تقرير سنوي صادر عن الوكالة الاتحادية الألمانية لمكافحة التمييز، فإن مستويات التمييز العنصري في ألمانيا في مكان العمل أعلى بكثير من معدلات الاتحاد الأوروبي. إذ يبلغ معدل التمييز بحق السكان المنحدرين من أصل أفريقي 9 في المائة في جميع الاتحاد، بينما في ألمانيا يبلغ 14 في المائة. واكتشفت الوكالة أيضا أن الأشخاص الذين يحملون أسماء تبدو أنها أجنبية يدعون لإجراء مقابلات شخصية للعمل بنسبة ٢٤ في المائة أقل من هؤلاء الذن يحملون أسماء ألمانية.
ينشر بشراكة مع DW