في سنة 1031 انتهى حكم الأمويين للأندلس، وقسمت البلاد إلى عدة دويلات متصارعة فيما بينها، حيث قام كل أمير ببناء دويلة وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه، وبدأ المسيحيون بعد ذلك بالتدخل في شؤون هذه الدويلات وفرضوا على بعضها دفع الجزية.
عرفت هذه المرحلة من تاريخ الأندلس باسم "ملوك الطوائف"، ودخلت هاته الدويلات في حروب طاحنة فيما بينها، وكانت دولة بني عباد في إشبيلة من أقواها حيث سيطرت على مساحات واسعة من جنوب بلاد الأندلس.
وآل الحكم في هذه الدولة للمعتمد بن عباد سنة 1068 للميلاد، وتحالف مع ألفونسو السادس ملك قشتالة من أجل مساعدته على ضم أجزاء جديدة من الأندلس إلى دولته مقابل دفع الجزية له، واستغل القشتاليون هذا الوضع واحتلوا طليطلة سنة 1085.
ولم يكتف القشتاليون بذلك بل بدأوا في اجتياح بلاد المسلمين، فأحس ملوك الطوائف بالخطر وقرروا الاستعانة بدولة المرابطين التي كانت تتخذ من مدينة مراكش عاصمة لها، وتسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي.
ويشير علي أدهم في كتابه "المعتمد بن عباد" إلى أن اجتماعا كبيرا عقد في قرطبة، واتفق ملوك الطوائف على طلب المساعدة من مسلمي إفريقية (الزيريون) لمساعدتهم على حماية ملكهم، غير أن القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم، لم يرقه ذلك وقال لهم "أخاف أن يخربوا الأندلس كما فعلوا بإفريقية، ويتركوا الإفرنج ويبدؤوا بكم، والمرابطون أقرب إلينا وأصلح حالا"، وبعد ذلك اقتنعوا بمراسلة يوسف بن تاشفين قائد دولة المرابطين.
بالمقابل أعد ملك قشتالة ألفونسو السادس العدة، وطلب المساعدة من مجموعة من المماليك المسيحية منهم سانشو الأول ملك أرجوان ونافارا، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة، بحسب ما يحكي كتاب "الزلاقة بقيادة يوسف بن تاشفين" لصاحبه شوقي أبو خليل.
ويشير المصدر ذاته إلى أن 13 من ملوك الطوائف وقعوا رسالة يطلبون فيها العون من يوسف بن تاشفين، وبعد استشارة عدد من رجال الدين، قبل ابن تاشفين الدعوة، وفي سنة 1086 عبر بجيشه من مدينة سبتة، وتوجه إلى الجزيرة الخضراء وعسكر بها، وتعهد ملوك الطوائف بدورهم بجمع المؤن والجنود والانضمام إلى جيش المرابطين، الذي كان ابن تاشفين حريصا على قيادته بنفسه.
قصر المعتمد بن عباد في إشبيلية
وعسكر الجانبان بحسب كتاب شوقي أبو خليل، على "مقربة من بطليوس في سهل تتخله الأحراش تسميه الرواية العربية الزلاقة، أو السهلة. وتسميه الرواية النصرانية بسكر إلياس، وفرق بين الجيشين نهر صغير تسميه الرواية العربية نهر حجير أو بطليوس".
"وأرسل ابن تاشفين إلى ألفونسو كتابا يخيره فيه بين ثلاث : إما أن يعتنق الإسلام، أو يؤدي الجزية للمسلمين، فإذا أبى الاثنتين، فعليه أن يبادر بالأهبة إلى القتال...، ومما قاله ابن تاشفين: "بلغنا يا أذفونش -ألفونسو- أنك دعوت للاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال".
ورد ألفونسو قائلا لرسول ابن تاشفين : إذهب فقل لمولاك إننا سنلتقي في ساحة الحرب. ويشير كتاب "معركة الزلاقة بقيادة يوسف بن تاشفين" إلى أنه يوم المعركة "دام القتال المرير بضع ساعات، وسقطت ألوف مؤلفة وقد حصدتهم سيوف المرابطين حصاد الهشيم، ليسقطوا فوق دم الذين قتلوهم في بدء المعركة. وبدت أخيرا طلائع الموقعة الحاسمة قبل دخول الظلام... وهكذا أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين...، ولم ينج من جيش القشتاليين مع ملكهم سوى أربع مائة أو خمسمائة فارس معظمهم جرحى، ولم ينقذ البقية الباقية من جيش ألفونسو سوى دخول الظلام".
وبعد هذه الهزيمة استطاع ألفونسو أن يحشد جيشا جديدا، "جاءت إمداداته من فرنسا ونورمانديا -ألمانية، فروح الصليبية دفعت أفواج المتطوعين النصارى إلى إسبانية لشد أزرها في معركتها ضد الإسلام. فاستنجد المعتمد بن عباد مرة أخرى بيوسف بن تاشفين، فعاد بجيشه سنة 1088 إلى الجزيرة الخضراء بجيش ضخم، "ثم سار إلى مرسية حيث كان المسلمون يومئذ في أشد المأزق، من جراء غارات النصارى، وبعد أن استتبت الأمور عاد ابن تاشفين إلى مراكش".
العودة إلى نقطة البداية
بعد ذلك حاول بعض ملوك الأندلس توطيد سلطانهم، ولم يتورع بعضهم في ربط صداقات مع ألفونسو السادس سرا، أملا في مساعدتهم، وعلم يوسف بن تاشفين بالأمر، وطلب فتاوى من علماء الدين من أجل العودة إلى الأندلس وقتال ملوك الطوائف، وكان له ما أراد.
"أبا حامد الغزالي وأبا بكر الطرطوشي في الشرق الإسلامي أرسلا لابن تاشفين خطابا يحثانه فيه على خدمة الإسلام، ويفتيانه في ملوك الطوائف، وهذه القرائن تدل على أن العلماء والفقهاء والقضاة، وحتى الخليفة في بغداد، مهدوا ليوسف للإيقاع بملوك الطوائف".
وعبر ابن تاشفين بقوة ضخمة من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، ولم يطلب هذه المرة من الأمراء المسلمين جندا لمعونته، كما لم يعرضوا عليه معونتهم هم، وسار على رأس جيشه إلى طليطلة، "ونفذ حتى ظاهر عاصمة قشتالة، وسير فرقا من جيشه نحو مختلف المدن وسار بنفسه إلى مدينة غرناطة، وبدأ في الاستيلاء على المدن تباعا".
وعاد إلى سبتة مجددا وسير إلى الأندلس أربعة جيوش في وقت واحد، كل منها تحت إمرة قائد خاص لتقضي على ملوك الطوائف، وتقرر أن تكون الضربة الأولى إلى أٌقواهم وأشدهم بأسا، وهو المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية....، فيفضي سقوطه إلى سقوط الآخرين حتما.
واستنجد المعتمد بألفونسو مرة أخرى، واستجاب له وبعث له آلاف الجنود، غير أن المرابطين انتصروا عليه، وأسروه.
وبحسب ذات الكتاب فقد "افتتح المرابطون ولايات الأندلس كلها : غرناطة، ومالقة وجيان، وقرطبة، وإشبيلية، والمرية، في وقت لم يجاوز ثمانية عشر شهرا".
وهكذا أصبحت إسبانيا المسلمة كلها بيد المرابطين سنة 1094 باستثناء ولاية سرقسطة حيث كان أبو جعفر أحمد بن هود "المستعين بالله" الذي استفاد من نجدة المرابطين دون أن يفقد من سلطانه شيئا، لموقفه المشرف المشهود في وجه الزحف النصراني.
المعتمد بن عباد في المنفى
أمر ابن تاشفين بنفي المعتمد بن عباد إلى المغرب، وأقام مع أسرته أياما في طنجة، ومنها توجه إلى مدينة مكناس، قبل أن يتم ترحيله إلى أغمات، وكان قد سبقه إليها عبد الله بن بلكين أمير غرناطة.
وبحسب علي الأدهم في كتابه "المعتمد بن عبَّاد"، فقد قضى أمير إشبيلية السابق، آخر أيام حياته أسيرا وفي ظروف مزرية، ومعاملة سيئة.
وجاء في مجلة "دعوة الحق" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن المعتمد عاش في أغمات "كاسف البال، كسير القلب، يُعامَل معاملة سيئة، ويتجرع مرَّ الهوان، ليس بجانبه من يخفف عنه مأساته، ويطارحه الحديث؛ فتأنس نفسه وتهدأ. ينظر إلى بناته الأقمار؛ فيشقيه أنهن يغزلن ليحصلن على القوت، ولكنه كان يتجلد ويتذرع بالصبر، ويلجأ إلى شعره، فينفس عن نفسه بقصائد مُشجية مؤثرة. تدخل عليه بناته السجن في يوم عيد، فلما رآهن في ثياب رثة، تبدو عليهن آثار الفقر والفاقة".
وطال أَسْر المعتمد وسجنه فبلغ نحو أربع سنوات حتى أنقذه الموت من هوان السجن وذل السجان، وتوفي سنة 1095 ودُفن إلى جانب زوجته.
ضريح المعتمد بن عباد وزوجته