في 22 يوليوز من سنة 1921 أوقع المقاوم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي هزيمة تاريخية بالجيش الإسباني، وتشير بعض المصادر إلى أن قواته قتلت 15 ألف جندي إسباني على رأسهم قائدهم الجنرال "سلفستر"، وأسرت 570 جنديا.
وأصبح الخطابي بعد ذلك يؤرق بال المسؤولين الإسبان، خصوصا بعدما أعلن في 19 شتنبر 1921، قيام جمهورية الريف.
حوار مع عدو إسبانيا الأول
وانتشرت العديد من الروايات والأخبار في إسبانيا حول الزعيم الريفي. آنذاك فكر الصحافي الإسباني إلويس دي اوتيسالا الذي كان يعمل في صحيفة "لا ليبيرتاد" في إجراء حوار مطول مع العدو الأول لإسبانيا. وقرر تنظيم رحلة إلى منطقة الريف رفقة مصور وصحافي آخر، دون علم الحكومة الإسبانية، بحسب ما تحكي صحيفة "أ بي سي" الإسبانية.
وبعث اوتيسالا ثلاثة رسائل إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي وأقرب مساعديه من أجل طلب الاجتماع به، وقبل المقاوم المغربي بإجراء الحوار شريطة أن يتم في مقر قيادته.
ويحكي الصحافي لويس دي اوتيسالا في كتابه "عبد الكريم والسجناء" أنه قرر رفقة مرافقيه التوجه إلى مدينة مليلية التي تسيطر عليها إسبانيا، وبعدما تمكنوا من حل مشكلة التنقل بحرا إلى مدينة الحسيمة توجه لرؤية المفوض السامي، لويس سيلفيلا، وطلب منه "ألا يطلق الجيش الاسباني النار على مقر قيادة الخطابي في ليلة المقابلة".
وفي بداية شهر غشت من سنة 1921 أي بعد أيام فقط من معركة أنوال، وصل الصحافي الإسباني ومرافقيه إلى مقر قيادة الخطابي، ويشير المصدر ذاته إلى أنه ما بين 1 و2 غشت كانوا داخل المقر، ولم يتسن لهم في البداية مقابلة الخطابي الذي أعلن نفسه زعيما لأول جمهورية في تاريخ شمال إفريقيا، والتقوا بعدد من مقربيه.
ومن أبرز من التقوه شقيقه الأصغر محمد الخطابي، الذي قال عنه الصحافي الإسباني إنه "بمثابة اليد اليمن لزعيم الريف"، إضافة إلى عدد من القادة الميدانيين لقوات الخطابي، وأضاف "أن هذا اللقاء يبدو أنه كان بمثابة امتحان اضطررنا لاجتيازه قبل مقابلة الزعيم".
وأثناء تبادل أطراف الحديث تدخل شقيق عبد الكريم وتحدث عن معاناة سكان الريف جراء الاحتلال الإسباني، وتابع أن الريفيين كانوا يسعون للحفاظ على السلام مع الإسبان "إلى أن تغير كل شيء مع وصول الجنرال سلفستر إلى الريف وبدأ في مهاجمة القبائل". وأوضح أنه تم توجيه تحذير لسلفستر غير أنه لم يعر الأمر انتباها، وقرر مواصلة أعماله العدائية.
الخطابي يتجنب دخول مليلية
ويؤكد الصحافي الإسباني أن ما أثار انتباهه هو الرواية التي قدمها شقيق محمد بن عبد الكريم الخطابي عن وصول جيش القبائل الريفية إلى حدود مدينة مليلية قائلا "كنا نعلم أن مليلية بدون دفاع...، نحن لم نرغب في تجاوز خط الكيرت وإرساء الحدود هناك، ولكن تخوفنا من اقتحام القبائل الغاضبة لمليلية. لو حدث ذلك لكان الأمر مرعبا، لكانت الإنسانية كلها ارتعبت من عملية النهب والحرائق والاغتصاب وعمليات قتل. شقيقي فهم ذلك، وأرسل هذا (شخص معهم في الجلسة) رفقة ثلاثة قياد و600 رجل لتفادي حصول ذلك. لقد بقوا ثلاثة أيام في جبل غوروغو يحمون مليلية حتى تمكن الجنرال برينغير من إقامة خط دفاعي”.
وانتهت المحادثات مع مساعدي الخطابي حين أعلمهم أحد الحراس بأنهم يستطيعون التوجه للغرفة التي يوجد بها الزعيم الريفي من أجل مقابلته.
وتحدث الخطابي آنذاك عن أنه لا يريد الحرب "لكننا على استعداد للدفاع عن شرفنا، أي استقلالنا، لأنني أحكم ، (...) الاستقلال هو شرف الشعب"، وأكد أنه "لن يتسامح مع إخضاعه لأي شخص. لا لإسبانيا ولا لأي قوة دولية ترفض استقلال الريف". وحذر من مهاجمة الريف من أي جهة كانت قائلا "نفس الشيء الذي حدث مع إسبانيا سيحدث معهم. [...] سنقاتل من أجل استقلالنا".
بعض ٠ساعد٠اÙخطابÙ
بعض مساعدي الأمير الخطابي
وأوضح الخطابي أن "الريف لا يكره الشعب الإسباني ، ولن يكرهه أبدًا لو لم يكن ذلك الغزو العسكري. كانت هناك كراهية لأن الريف رأى الإسباني في الجيش".
ويشير الصحافي الإسباني إلى أن الزعيم الريفي أكد له "مرارًا وتكرارًا" أن "السلام بين الشعبين كان ممكنًا طالما تم احترام استقلال الريف"، وقال "سيتم الترحيب بالتجار والمواطنين الإسبان بأذرع مفتوحة في الريف".
وبخصوص الجنود الإسبان الذين تمكن من احتجازهم بعد معركة أنوال قال الخطابي إنه لا يريد الإبقاء عليهم لديه، وأنه مستعد للإفراج عنهم، مقابل إفراج الإسبان عن السجناء الريفيين المحتجزين لديهم.
وفي رده عن سؤال حول ما إذا كان يطالب بإطلاق سراح الريفين الذي أدينوا بـ"السرقة أو القتل (...) هم مجرمون" بالقول "أكبر المجرمون هم الطيارون، الذين يقتلون النساء والأطفال".
وتابع قائلا "يستخدم الطيارون سلاحًا فظيعًا(...) بالنسبة لي جميع الأسلحة وحشية على حد سواء. لكنني أدرك ، أنه أكثر وحشية من غيره. ومع ذلك...، الأمم المتحضرة! إنهم يأتون بالحضارة مع الطيارين... إنهم يقتلون أناسا عزل (...) لا يوجد، بين كل قتلة الأرض، قتلة أعظم!".
وبعد ذلك بدا زعيم الريف متوترا ما تسبب في إنهاء المقابلة، لكن وبالرغم من ذلك أصر الصحافي الإسباني على التقاط صورة مع الخطابي، لأنها الطريقة الوحيدة التي ستجعل الإسبان يصدقون بأنه قابله.
كما أن هذه الصورة أثبتت للإسبان أن الخطابي لم يصب بجروح في معركة أنوال، عكس ما كانت تتداوله الصحافة الاسبانية.
بعد الحوار
أجري الحوار ما بين 1 و 2 غشت ونشر بعد ستة أيام في صحيفة لا ليبرتاد، ويعد من أهم الحوارات في تاريخ الصحافة الإسبانية.
وفي الوقت الذي تم فيه نشر الحوار، لم تكن جراح معركة أنوال قد اندملت، وهو ما جعل وسائل إعلام إسبانيا تهاجم "لا ليبرتاد" بسبب فسحها المجال أمام "العدو الأول" للبلاد من أجل التعبير عن أفكاره، وطالبت الجيش الاسباني بالتدخل من أجل إيقاف "فوضى الريف".
يذكر أنه كان من نتائج معركة أنوال في إسبانيا وقوع انقلاب عسكري بقيادة بريمو دي ريفيرا بين 13 و 15 سبتمبر 1923، ما أسفر عن إنشاء ما يعرف بـ"ديكتاتورية بريمو دي ريفيرا"، والتي استمرت حتى استقالته في 28 يناير 1930 حيث حل محله الدكتاتور داماسو بيرينجوار.