القائمة

أخبار

تاريخ القهوة في المغرب: من مشروب محرم إلى عادة يومية  

يخفي فنجان القهوة الذي تحرص على احتسائه كل صباح العديد من الأسرار، فبسببه افترق علماء الدين إلى قسمين، وبسببه أصدر سلطان عثماني أوامر بشنق كل من يتجرأ على شربه. إليكم الجدل الذي أثير حول المعشوقة السمراء في المغرب والذي وصل إلى حدود القرن التاسع عشر.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

يبدو منظرا مألوفا وعاديا، أن تمر بجوار المقاهي التي أصبحت منتشرة بشكل كبير اليوم، وتلمح أشخاصا كثر وهم يحتسون كوب قهوة، تعيد لجسدهم المنهك من ساعات العمل الطويلة حيويته، لكن الأمر لم يكن كذلك خلال قرون مضت، حيث كان السلاطين والحكام يقطعون رؤوس من يتجرؤون على شربها، ويتسلحون في ذلك بفتاوى كبار رجال الدين الذين كانوا يعتبرونها مسكرا كالخمر.

وتشير بعض الكتابات إلى أن ظهور القهوة يعود إلى القرن العاشر وربما لوقت سابق، فيما يعتقد أن الموطن الأصلي لها هو إثيوبيا. ومع حلول القرن السادس عشر كانت قد وصلت إلى مختلف مناطق الشرق الأوسط والهند وبلاد فارس، قبل أن تغزو جميع مناطق العالم.

فتاوي تحريم وتهديد بقطع الرؤوس

ومع دخولها المناطق التي كان يتواجد بها المسلمون، كثر الجدل حولها، ودارت حرب بين فقهاء المسلمين بشأنها، وشطرتهم إلى فريقين بين مؤيد لشربها ومعارض لتذوقها. وخلال القرن السابع عشر قام سلطان الدولة العثمانية مراد الرابع بتجريم شرب القهوة ملوحاً بإعدام كل من يخالف قراره.

ولم يكن المغرب رغم عدم سيطرة الدولة العثمانية عليه بعيدا عن الجدل الدائر حول المعشوقة السمراء، ففي كتابه "نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني" يشير محمد بن الطيب القادري (1712-1773)، إلى أن أخبار منع الدولة العثمانية تداول بعض المنبهات وصل إلى المغرب وقدم مثالا للقرارات التي كان تجد لها صدى في المغرب وقال "ومن عدله (السلطان العثماني) أنه أمر بقطع الخمر والقهوة والدخان من اصطمبول، وأرسل بذلك إلى حلب والشام ومصر، وكل من ظهر عليه لا شافع فيه كائنا من كان".

ويشير الباحثان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي في كتابهما "من الشاي إلى الأتاي.. العادة والتاريخ" إلى أن موضوع تحريم القهوة من عدمه استأثر باهتمام عدد من رجال الدين المغاربة ومن بينهم محمد الطالب بن حمدون بن الحاج الذي عاش خلال القرن 19 وتلقى تعليمه بفاس، حيث قال "وأما القهوة المتخذة من قشر البن، فقد اختلف الناس فيها. فمن متغال فيها يرى شربها قربه، ومن غال يرى أن شربها مسكر كالخمر، والحق في ذاتها لا إسكار فيها، وإنما فيما تنشيط للنفس، ويحصل بالمداومة عليها ضراوة تؤثر في البدن عند تركها، كمن اعتاد اللحم بالزعفران والممفترات، فيتأثر عند تركه، ويحصل له انشراح باستعماله". وتابع بن حمدون الذي تولى قضاء مراكش لـ13 سنة:

"غير أنها تعرض لها الحرمة لأمور ذكرها الرعيني، الحطاب في شرخ المختصر واللقاني في شرح الجوهرة وسئل عنها بعضهم فأجاب بقوله:

أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا **** ولا تجلسوا بمجلس هي فيه

فليست بمكروه ولا بمحرم **** ولكن غذت مشروب كل سفيه".

فيما ذهب الشيخ المغربي نور الدين اليوسي الذي عاش بدوره خلال القرن السابع عشر إلى تحريمها، ودعا الناس إلى الابتعاد عن مجالسها، ووصفها بمشروب السفهاء.

وقبل ذلك بقرون كان الشيخ أحمد زروق الذي عاش في القرن الخامس عشر، والذي تلقى تعليمه بدوره في مدينة فاس، قد أفتى بحرمتها وقال "من كان طبعه الصفراء أو السوداء، يحرم عليه شربها لأنها تضره في بدنه وعقله، ومن كان طبعه البلغم فإنها توافقه".

القهوة حلال

وبالمقابل دافع علماء آخرون عن جواز شربها، ومن بينهم الفقيه المغربي علي الأجهوري الذي عاش خلال القرن السادس عشر، حيث أشار بحسب ما جاء في كتاب "من الشاي إلى الأتاي.. العادة والتاريخ" إلى بعض منافعها، من بينها أنها تساعد على الهضم وتشفي من الأمراض، وتزيل رائحة الفم الكريهة...

ومع مرور الزمن تجاوز المغاربة نقاش تحليل القهوة وتحريمها، وباتت مظهرا من مظاهر الكرم والضيافة، إذ تقدم في معظم المناسبات والحفلات للضيوف.  

في الوقت الراهن أصبحت القهوة الآن من أكثر المشروبات استهلاكا في المغرب، وأصبح الكثيرون يلقبونها بالمعشوقة السمراء.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال