قبل استقلال المغرب، كان المهتمون بالشأن السياسي الذين يرغبون في الاطلاع على آخر الأخبار، ملزمون باقتناء الصحف، أو الاستماع إلى الراديو باعتبارهما وسيلة نقل الخبر الأساسية، لكن مع استقلال البلاد بدأ التلفزيون يشق طريقه بشكل تدريجي نحو بيوت المغاربة، حتى طار اليوم منتشرا في كل بيت، وفي الوقت الحالي لم يعد بدوره وسيلة نقل الخبر الوحيدة، خصوصا بعدما صبح الولوج إلى الأنترنيت في متناول الجميع.
من البداية...
كانت أول انطلاقة رسمية للتلفزيون من الولايات المتحدة الأمريكية في بداية ثلاثينيات القن الماضي، بعد ذلك شرعت المملكة المتحدة في بثها التلفزيوني، وكانت العديد من دول العالم ترغب في أن تحذو حذوهما، إلا أن الحرب العالمية الثانية أخرت ذلك لسنوات.
وكان المغرب من بين الدول السباقة في العالم العربي لاعتماد خدمة البث التلفزيوني، ففي 28 فبراير من سنة 1954 أي قبل جلاء الاستعمار عن البلاد، تم إطلاق أول قناة تلفزيونية مغربية تحت اسم "تليما"، إلا أن فترة عمل هذه القناة التي كانت ناطقة بالفرنسية لم تدم طويلا، إذ استمرت لحوالي 15 شهرا، وتوقفت في 20 ماي من سنة 1955.
كانت قناة "تيليما" تبث برامجها من الدار البيضاء، فيما تم تثبيت أجهزة إرسال في مدن الرباط وفاس ومكناس ، بحسب ما يحكي مولاي إدريس الجعايدي في كتابه "بث ومتابعة وسائل الإعلام السمعية البصرية في المغرب".
كان البث في البداية بشبكة برامج أسبوعية تتراوح مدتها بين 20 و30 ساعة، غير أن جل البرامج كانت تأتي من فرنسا، أما البرامج المنتجة محليا، فكانت محصورة في الوصلات الإشهارية، لفائدة شركات تجارية تنشط بالمغرب أو نشرات إخبارية أو إعلانات واردة من مكتب المقيم العام.
ووجهت هذه القناة بعد إنشائها بحملة رفض شعبي، حيث كان يرى فيها كثير من المغاربة ذراعا إعلامية لسلطات الاستعمار، ومع ازدياد وثيرة المقاومة الشعبية في سنوات الخمسينات، تم إيقاف بثها بشكل نهائي.
وبقيت البلاد من دون قناة رسمية بعد الاستقلال، واستمر الحال على ما هو عليه، إلى حدود سنة 1962، وبالضبط في 3 مارس، حيث تم افتتاح بث التلفزة المغربية رسميا، بخطاب للملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة ذكرى عيد العرش.
وفي حوار لمجلة "زمان" قال الصديق محمد معينو الذي رافق مسيرة التلفزيون والإعلام المغربي منذ سنوات الستينات، "ارتبط التلفزيون باحتفالات عيد العرش منذ نشأته، فأول ما بث في التلفزيون المغربي هو خطاب العرش لسنة 1962"، وأضاف "كان الحسن الثاني خطيبا ممتازا أدرك قدرة التلفزيون على التأثير فحوله إلى سلاح سياسي قوي بين يديه. مثلا وزعت السلطات أجهزة تلفاز في المقاهي وبعض الأماكن التي يتجمع فيها الناس، قصد تعبئتهم للتصويت لدستور 1962".
البث بالألوان
وبقي للمغرب قناة رسمية واحدة، تبث بالأبيض والأسود إلى حدود سنة 1973، فبمناسبة ذكرى عيد العرش التي كانت تصادف 3 مارس من كل سنة، ألقى الملك الراحل الحسن الثاني للمرة الأولى خطابا بث بالألوان.
وقال معينو لمجلة زمان إنه "عندما قرر الملك الحسن الثاني بث خطاب العرش لسنة 1973 بالألوان كان الهدف هو محو الآثار التي خلفتها المحاولتان الانقلابيتان لسنتي 1971 و1972، وبعث رسالة سياسية للمواطنين مؤداها أن الصفحة طويت، وأن البلاد بخير وعلى خير زاهية الألوان".
ويؤكد أنه بعد خطاب العرش لسنة 1973 أصبح التلفزيون ينتقل تدريجيا "من الأبيض والأسود إلى الألوان". وتابع متحدثا عن تلك المرحلة "في مرحلة معينة كنا نصور ونبث الأنشطة الملكية بالألوان، فكانت تظهر صورها في نشرة الأخبار ملونة، ثم يظهر الربورطاج الموالي بالأبيض والأسود، ثم شرعنا نبث أنشطة ولي العهد بالألوان، وبعدها أنشطة الوزير الأول... وهكذا إلى أن توفرت الإمكانيات التقنية والبشرية الضرورية للتصوير والبث بالألوان".
وبقي مجال البث التلفزيوني محتكرا من طرف الدولة، وكانت للمملكة قناة رسمية واحدة، وفي 4 مارس من سنة 1989، ستشرع أول قناة خاصة في بث برامجها بالمملكة أطلق عليها اسم القناة الثانية "دوزيم"، قبل أن يبدأ مسار تأميم القناة في سنة 1997.
وفي 3 مارس من سنة 1993، دخلت القناة الوطنية مجال البث عبر الأقمار الصناعية، لتكون بذلك من بين القنوات العربية السباقة إلى ذلك.
ومع تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، بدأ المجال الإعلامي بصفة عامة يشهد بعض التحول، وبدأت الحكومة تفكر في تحرير القطاع السمعي البصري. وفي خطاب العرش الموافق لـ30 يوليوز من سنة 2002، أعلن الملك محمد السادس عن إحداث هيئة جديدة تنظم قطاع السمعي البصري في المغرب، سميت بـ"الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "، وفي 10 شتنبر 2002 صدر مرسوم يقضي بوضع حد لاحتكار الدولة في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني.
وبدأ تحرير القطاع بشكل عملي منذ شهر ماي من سنة 2006، حين منحت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عشر تراخيص للجيل الأول من الإذاعات الخاصة وترخيصا بشكل استثنائي لقناة تلفزيونية واحدة.
ورغم أن تجربة البث التلفزيوني في المغرب تمتد لعقود طويلة، إلا أن المغاربة دائما ما ينظرون بسلبية إلى الإعلام العمومي خاصة المرئي منه، حيث لا زالت القنوات الوطنية غارقة في الرتابة ولم تخرج من جلبابها التقليدي، وهو ما دفع العديد من المشاهدين إلى الرحيل نحو القنوات الأجنبية التي بات الوصول إليها سهلا مع التقدم التكنولوجي.