يعتبر الشيخ المصري الراحل عبد الباسط عبد الصمد (1927- 1988)، واحدا من أشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، وكان يتمتع بشعبية كبيرة، وأطلق عليه البعض لقب "الحنجرة الذهبية" و"صوت مكة".
تعرف المصريون على صوته وأسلوبه الفريد في ترتيل آيات الذكر الحكيم، سنة 1952 بعدما استدعي للمرة الأولى للإذاعة المصرية. وبعد ذلك تجاوزت شهرته حدود بلده إذ انهالت عليه الدعوات من مختلف الدول، من أجل ترتيل القرآن في مناسبات رسمية.
وتوجه عبد الباسط إلى العديد من الدول، من بينها إندونيسيا والسعودية وفلسطين والعراق والهند وأوغندا والمغرب وجنوب إفريقيا...، وكان الآلاف يملؤون المساجد من أجل الاستماع إلى قراءته.
وكان عبد الباسط يحظى بمكانة متميزة عند العديد من قادة الدول الإسلامية، حيث كان يحرص بعضهم على استقباله بشكل شخصي في المطار. ومن بين هؤلاء القادة الملك المغربي الراحل محمد الخامس الذي كان من بين أكبر المعجبين بصوت القارئ المصري الراحل.
وسبق لطارق عبد الصمد نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أن قال في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، "والدي كانت له مكانة كبيرة عند كثير من الملوك والأمراء في العالم"، وتابع أن "الملك محمد الخامس كان يعشق سماع صوت والدي وعرض عليه أكثر من مرة أن يعيش في المغرب، وأن توفر له كل مقومات المعيشة الكريمة؛ لكنه رفض لحبه لمصر".
وواصل حديثه قائلا إن محمد الخامس "كان يحضر إلى مصر خصيصا ويذهب إلى مسجد السيدة نفيسة (جنوب القاهرة) ليستمع منه إلى قراءة القرآن الكريم، وكانا يجلسان بمسجد السيدة نفيسة حتى الفجر".
وأضاف أنه في آخر زيارة للملك محمد الخامس للقاهرة "عرض على والدي أن يترك القاهرة ويذهب معه إلى المغرب ليستقر هناك وعرض عليه أحد القصور والجنسية المغربية فاعتذر له الشيخ ووعده بزيارة المغرب".
فيما قال هشام عبد الصمد شقيق طارق عبد الصمد في حوار مع يومية "التجديد" المغربية المتوقفة عن الصدور "كانت تربطه (عبد الباسط عبد الصمد) بالملك محمد الخامس علاقة وصداقة قوية وكان يتصل به عن طريق التليفون ويحدد له موعد حضوره للقاهرة ليستمع إلى تلاوة القرآن بصوته وكانا يلتقيان بمسجد السيدة نفيسة فيصليان الفجر سويا ثم يمكثان بعد الصلاة بالمسجد ويقرأ الشيخ عبد الباسط ما تيسر من القرآن حتى تطلع الشمس".
وسبق لعبد الباسط عبد الصمد نفسه أن تحدث عن دعوة محمد الخامس له للاستقرار في المغرب وقال أَثناء استضافته من قبل إحدى القنوات المصرية، إنه في إحدى المناسبات، وبمجرد انتهائه من ترتيل القرآن جاء إليه مسؤول حكومي مغربي وقال له "جلالة الملك يطلب منك أن تأتي لتقيم في المغرب إقامة دائمة، وكل طلباتك مستجابة".
وفي حوار آخر مع موقع "الدستور" المصري، قال طارق عبد الصمد إن والده دعي لتريل القرآن بمناسبة افتتاح السد العالي (1960) من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكان "يومها معه ملك المغرب محمد الخامس وطلب منه أن يمنحه الجنسية المغربية وأن يعيش معه في المغرب ويكون قارئ القصر الملكي لكن الشيخ شكر له ذلك واعتذر".
ويؤكد نجله الآخر هشام عبد الصمد أن أبوه رد على طلب الملك محمد الخامس قائلا "أعدك أن آتي إليك بالمغرب على سبيل الزيارة كلما سنحت لي الظروف بذلك لأن إقامتي بالمغرب ليست بالأمر الهين علي، فهذه مصر بلدي وأهلها أهلي الذين نشأت بينهم ولا أستطيع أن أفارقهم وعلى الرغم من كثرة أسفاري وتغيبي عن مصر إلا أن إحساسي بالعودة إليها آت لا محالة يهون علي مشقة السفر ووحشة الأهل وبعد المسافات".
وأضاف أن الملك محمد الخامس استقبل "هذا الرفض المهذب ببشاشة وجه وحب عظيم وتقدير للشيخ عبد الباسط لأصالة انتمائه وعرفانا بجميلها عليه".
وبعد وفاة محمد الخامس، استمرت علاقة عبد الباسط عبد الصمد بالملك الحسن الثاني، الذي طلب منه حسب ما يحكي طارق عبد الباسط "أن يسجل القرآن في المغرب برواية ورش عن نافع وهي القراءة الأقرب لأهل المغرب".