ولد عمر بن مختار بن عمر المنفي الهلالي المعروف بعمر المختار يوم 20 غشت من سنة 1858، في منطقة جنزور، بالقرب من مدينة طبرق شرقي ليبيا، سافر في صغره إلى العديد من المدن الليبية طلبا للعلم والمعرفة، وفي سنة 1897 أسندت إليه مشيخة "زاوية القصور" بالجبل الأخضر.
وفي 29 شتنبر 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزء منها، فسارع عمر المختار لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، وبدأ نضاله ضد المحتلين وهو ابن 57 عاما، لذا أطلقوا عليه شيخ المجاهدين.
وجاء في كتاب "النزعة الإسلامية في شعر شوقي" للكاتب عطية عطية "ويقود حركة الثورة والجهاد فيها مجاهد كبير هو عمر المختار، ذلكم هو شهيد المسلمين والعرب، بطل طرابلس الخالد، وهو من الأسرة السنوسية ذات النفوذ الروحاني العظيم في كثير من الأقطار الإسلامية".
فيما جاء في كتاب محطات وعلامات على الدرب لعطية أحمد الزردومي "هو أسد الصحراء وشيخ المجاهدين، شيخ الشهداء فخر واعتزاز أهله وذويه، ومنطقته ووطنه، وموضع إكبار وتقدير أحرار العالم وعشاق الحرية في كل مكان".
وأسندت له قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية الذي أدار المعارك مع المحتلين الإيطاليين، وألحق بالغزاة هزائم مريرة، وقتلت قواته مئات الضباط والجنود، وهو ما اعترف به أعداؤه، حيث جاء في كتاب "محطات وعلامات على الدرب"، "ويشهد عدوه اللدود الجنرال الإيطالي رودولفو جراتزياني (قائد القوات الإيطالية في إفريقيا)، لعمر المختار بأنه قائد عسكري له القدرة على تغيير خططه وتطوير أساليبه القتالية، ويعترف قائلا : (...) يستمر عمر المختار في المقاومة بشدة ويلاحق قواتنا في كل مكان، ويقول عنه أيضا: عمر المختار لن يستسلم أبدا لأن طريقته في القتال ليست كالآخرين، فهو بطل في إفساد الخطط وسرعة التنقل".
بقي عمر المختار يشكل مصدر إزعاج حقيقي للقوات الإيطالية، إلى حدود 11 شتنبر من سنة 1931، حينما، رصدت وحدة استطلاع إيطالية تحركات لمجموعة من المقاتلين الليبيين في طريقها لمدينة البيضاء، وتحركت القوات الإيطالية لمواجهتها، وهو ما حدث بالفعل، وكانت المفاجئة أن عمر المختار كان موجودا بهذه المجموعة بعدما تعرف على حصانه أحد الجنود الليبيين المرتزقة.
واعتقل عمر المختار ونقل إلى مدينة سوسة، ومنها عبر البحر إلى سجن بنغازي مكبلا بالسلاسل، ولم يستطيعوا نقله برا خوفا من رد فعل أتباعه.
ويؤكد صاحب كتاب "محطات وعلامات على الدرب" أن عمر المختار لوحق "من مكان لآخر حتى تم القبض عليه يوم 11 شتنبر 1931 وهو في طريقه رفقة 50 من المجاهدين إلى مرسى سوسة، ووصل نبأ أسره إلى الحاكم العام على ليبيا بادوليو –الذي كان آنذاك في إيطاليا- فأبرق إلى وزارة المستعمرات قائلا "من الأنسب محاكمته وإصدار الحكم عليه وسيكون بالإعدام دون شك".
ويشير سيد بن حسين العفاني في كتابه "صلاح الأمة في علو الهمة" إلى أن جرازياني قائد القوات الإيطالية في إفريقيا عرض على عمر المختار عفوا شاملا، "نظير أن يكتب بتوقيعه نداء للمجاهدين، يدعوهم ويطلب إليهم أن كفوا عن القتال، ويسلموا أنفسهم وأسلحتهم للحكومة، ورفض عمر لأسباب وضحها جرازياني، وهي أن هذا العمل لا يرضي ضميره ودينه، وفضلا عن ذلك فإن أحدا لن يصدق صدور هذا النداء من عمر المختار".
وفي 15 شتنبر 1931 جرت محاكمة صورية، وصدر حكم الإعدام شنقا ضده، وفي اليوم الموالي نصب الإيطاليون المشنقة في الصحراء لتنفيذ الحكم، وتعمدوا إحضار 20 ألف من الأهالي من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم، لكي يكون "عبرة" لهم.
ويورد كتاب زهرة البساتين من مواقف العلماء الربانيين لسيد بن حسين العفاني أن الخسة دفعت "بالإيطاليين إلى أن يفعلوا شيئا عجيا في تاريخ الشعوب، إذ أنهم أرغموا أعيان البرقاويين الذين اعتقلوهم في "بنينة" كما أرغموا أعيان بنغازي وعددا كبيرا من الاهالي من مختلف الجهات، على حضور عملية التنفيذ، فحضر ما لا يقل عن عشرين ألف نسمة عل قول جرازياني. و يا لها من ساعة رهيبة تلك التي سار فيها عمر المختار بقدم ثابتة، وشجاعة نادرة، وهو ينطق بالشهادتين إلى حبل المشنقة، وقد ظل عمر المختار يردد الشهادتين حتى نفذ فيه الجلاد حكم الإعدام".
وقبل إعدامه قال للضابط الإيطالي الذي كان يحقق معه، بحسب ما أورده كتاب ""الإحياء بعد الإنساء لعبد الفتاح فتحي ابو حسن شكر "نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي".
وبذلك يكون عمر المختار قد فضل الموت واقفا على أن يحيا راكعا للمحتلين، وكان قد بلغ حينها 73 سنة من عمره، لتستمر بعده ثورة ليبيا نحو الاستقلال.
ويصف كتاب "فرنشيسكو بريستوبينو" للويجي جوليا لحظة إعدام عمر المختار، حيث جاء فيه "لقد بدأ جسد عمر المختار الذابل يترنح في حبل المشنقة وكأنه شخص جانح اخترق القانون ومن حوله حشد من الفضوليين مشدوهين بالمنظر المؤلم، بينما ظل جثمانه مغمض العينين بوقار معبرا بكل بساطة عن شجاعته راضيا بإدارة الله وموقنا برحمته".
ورغم مرور عقود على إعدامه، إلا أن الليبيين استلهموا في ثورتهم ضد العقيد معمر القذافي سنة 2011 تجربة عمر المختار الجهادية، وأطلقوا اسمه على كتائب عسكرية قاتلت كتائب العقيد الراحل، كما أنهم ضمنوا علمه الأسود ذا النجمة والهلال في علم الدولة بعد سقوط نظام القذافي.