في 29 فبراير من سنة 1960، تغيرت معالم مدينة أكادير، وتحولت بناياتها إلى ركام، وتحولت من مدينة مليئة بالحياة والحيوية، إلى مدينة تفح منها رائحة الموت من كل الجوانب.
ففي تمام الساعة الحادية عشرة و40 دقيقة، شهدت المدينة زلزالا بلغت قوته 7.5 درجات على سلم ريشتر، استمر لـ15 ثانية، كان كفيلا بأن يخلف مصرع 15 ألف شخص، وهو ما يقدر حينها بثلث سكان المدينة.
كما خلف الزلزال المدمر الذي يعد الأعنف في تاريخ المغرب الحديث، إصابة حوالي 25 ألف آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، من بينهم أجانب، وتسبب أيضا في خسائر مادية كبيرة أيضا قدرت بـ 290 مليون دولار، تاركا مالا يقل عن 35 ألف شخصا بلا مأوى.
ووصلت الهزات الارتدادية إلى المدن المجاورة، حيث شعرت ساكنة مدينة إنزكان، وتارودانت والصويرة، ومراكش أيضا بها، إلا أنها لم تشكل أية خطورة سواء على الإنسان أو الممتلكات في كل من هذه المناطق.
وبعد يومين، قامت السلطات بإخلاء المدينة من اجل تجنب انتشار الأوبئة، خصوصا في ظل وجود عدد كبير من القتلى تحت الأنقاض".
وحضرت فرق الإنقاذ من مختلف المدن المغربية، وكذا من العديد من الدول، وتم تحويل مطار أكادير الذي لم يتضرر إلى مستشفى مؤقت من أجل تقديم الاسعافات الأولية للضحايا، الذين نقل العديد منهم إلى مدينة الدار البيضاء. فيما أصبح ميناء المدينة ملجأ لإيواء الناجين من الكارثة.
وتوصل المغرب بعدها بمساعدات إنسانية من مختلف دول العالم، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت طائرات سي 130 محملة بمواد غدائية وملابس وأغطية.
وحل الملك محمد الخامس بالمدينة بعد أربعة أيام من الحادث الأليم، ووجه خطابا إلى الشعب قال فيه "في 29 فبراير الماضي حدثت رجة كبرى في أكادير خربت عمرانها وقضت على حياة الثلث من سكانها وإننا نترحم على جميع الضحايا سائلين الله أن يرزق دويهم الصبر وحسن العزاء" وأعلن في خطابه عزمه على "بناء المدينة من جديد وإعادتها إلى سابقة نشاطها الاقتصادي والصناعي" وتابع قائلا
وتم الشروع بعد الكارثة الطبيعية في تقديم الإغاثة للضحايا، حيث تكونت خلية أزمة تحت إشراف الملك محمد الخامس تمهيدا لإحداث لجنة لإعادة البناء أسندت رئاستها فيما بعد لولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن، حيث كلف من طرف أبيه ب الإشراف على عمليات الإنقاذ، والتطبيب، وإعادة إعمار المدينة.
وتم الإعلان عن الأراضي التي سيتم إعادة بناء المدينة فوقها، وهي الأراضي التي تبعد بثلاث كيلومترات إلى الجنوب من الموقع الأصلي للمدينة المدمرة، وأصبحت بالتالي أغلبية العقارات ملكا للدولة باستثناء الملكيات غير المتضررة أو التي تم إصلاحها.
ونظرا لهول الحادث، سارعت وسائل إعلام دولية إلى إيفاد مراسلين من أجلة نقل ما يجري، وقال أندري لاغني، و هو صحافي يعمل في جريدة "لوفيغارو" الفرنسية، "فقد حاكم المدينة السيد بوعماراني ثلاثة أطفاله، و القنصل الفرنسي نعى ابنه فيليب. وقائد قوات الدرك الملكي لن يرى ابنته الصغيرة مرة أخرى، لقد ماتت عائلات بأكملها وكانت عملية الإغاثة صعبة للغاية، لأن فرق القوات المسلحة الثلاث التابعة للجيش المغربي و المتمركزة في أكادير، كان أعضاؤها هم الآخرين مشغولين بأنقاض معسكراتهم، و الأمر نفسه بالنسبة لرجال الدرك الذين دُمِّرت بنايتهم بالإضافة إلى بنايات الشرطة التي لحقت بها أضرار كبيرة".
الصحيفة ذاتها نشرت يوم 3 مارس 1960 مقالا لصاحبه جرار ماران قال فيه "وصلت إلى مدينة ميتة، مدينة مدمرة، بلا وجود بشري غير رجال الإنقاذ الذين يكافحون لمدة ثلاثين ساعة، بلا كلل، لانتشال الناجين الذين ما زالوا تحت الأنقاض".
وقال سائح بريطاني كان يقيم وقت الحادث في أحد فنادق المدينة الفاخرة، بحسب موقع قناة "بي بي سي" البريطانية "كان الأمر مخيفًا للغاية، ففي غضون لحظات قليلة كانت الأبنية متناثرة في كل مكان حولنا".
وقال شاهد آخر "كنت أقرأ كتابا في غرفة الفندق لحظة وقوع الزلزال، حيث بدت الغرفة تدور حولها ثم انهار السقف وتهدمت الجدران".
وبعد ثلاث سنوات، زار الحسن الثاني الذي كان آنذاك ملكا للبلاد مدينة أكادير، وألقى بها خطابا تحدث فيه عن المجهودات التي بدلتها الدولة لإعادة بناء ما دمره الزلزال.
وقال في خطاب بث على أمواج الإذاعة والتلفزة المغربية، "وإن أحمد الله على شيء فإنني أحمده سبحانه وتعالى على أنه مكن والدي ومكنني ومكن هذه البلاد بما عاشت فيه من استقرار، مكنتنا جميعا أن نفي بوعودنا، وأن ننجز ما قررنا وأن نصرف رغم طاقاتنا التي ليست طاقات عظيمة، ورغم مصاريف التجهيز التي لم نبخل بها على الأقاليم الأخرى من المملكة، مكنتنا من أن نصرف مبالغ عظيمة سنويا، حيث أننا صرفنا لإعادة بناء أكادير منذ سنة 1960 ما يزيد عن 18 مليار من الفرنكات". وأضاف الحسن الثاني:
"صرفنا على هذا الإقليم مبلع 6 ملايير من الفرنكات سنويا، ويمكنني أن أقول إن هذا المبلغ مبلع 18 مليار فرنك، يساوي تقريبا ثلثي ميزانية التجهيز لوزارة الأشغال العمومية لسائر المملكة".
وتابع حديثه "ولكن أقول هذا ولست بنادم على ما صرف في هذا الإقليم، حيث أن أهله وحيث أن سيرتهم وفضيلتهم وحيث أن ما نكبوا فيه يستحق هذا وأكثر من هذا، والله أعلم أنه لو كانت لدينا وسائل أخرى لصرفناها على مدينة أكادير".