ولد جورج أورويل يوم 25 يونيو 1903 بالهند، حيث عمل رقيباً للشرطة بميانمار، لينتقل بعد ذلك إلى لندن، التي شهدت بداياته الأولى في مجال الصحافة، قبل أن ينطلق فعلياً في الكتابة بعاصمة الأنوار، باريس.
واشتهر أورويل بالكتابة في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. كما عرف أيضا بكتابته للروايات، ووضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة "أعظم 50 كاتب بريطاني منذ عام 1945".
وتميز أوريل الذي كان معروفاً بمعارضته للحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديموقراطية، بتجوله في العديد من البلدان، وفي سنة 1939 وصل إلى مدينة مراكش، وبقي فيها لفترة قصيرة، كتب حينها مقالا (ترجمة المقال هنا) تحت عنوان مراكش، وصف فيه المدينة وحال سكانها.
كان جورج خلال رحلته للمغرب مرفوقاً بزوجته الأولى، إيلين أوشوغانسي، حيث قاما باستئجار فيلا صغيرة خارج مراكش، ولم تتجاوز مدة إقامتهم بها سوى ستة أشهر حسب شهادة القنصل البريطاني في مراكش، روبرت بار.
وافتتح الروائي البريطاني مقاله بـعبارة قال فيها "بينما تجاوزت الجثة المكان، غادر الذباب طاولة المطعم في شكل سحابة وراء الجثة، لكنهم عادوا مباشرة بعد عدة دقائق". وواصل مفصلا عبارته التي استهل بها مقاله قائلا
"ما يجذب الذباب حقيقةً هو ان الجثث هنا لا توضع ابداً في توابيت مغلقة، بل تغلف بقطعة قماش وتوضع علي قطعة خشبية خشنة تحملها أكتاف أربعة من الأصدقاء".
جثث وذباب
وتحدث عن المقابر في المدينة قائلا "عندما يصل الاصدقاء الي مكان الدفن، يحفرون حفرة مستطيلة بعمق قدم واحد او أثنين، يرمون فيها الجثة، و يرمون فوقها بعضاً من كتل التراب الجافة، التي تبدو كطوب محطم . لا شاهد قبر، لا أسم، لا علامة تدل علي اي شي".
وتابع "مكان الدفن يبدو كمجرد هضبة نفايات هائلة، مثل موقع بناء مهجور. بعد شهر او اثنين لا احد يستطيع ان يكون متأكداً في اي مكان دُفن فيه اقاربه". وانتقل بعد ذلك لوصف الساكنة وكتب:
"عندما ترى كيف يعيش هؤلاء الناس، و كيف يموتون ببساطة، يبدو لك دائماً كم هو من الصعب ان تصدق انك تمشي ما بين بشر". وتابع "الناس هنا يملكون وجوهاً بنية بجانب عددهم الكبير جداً ! هل هم حقاً من نفس لحمك و دمك ؟ هل يملكون اسماء ؟ أو هل هم مجرد نوع من الاشياء البنية المتشابهة لا غير، مثلهم مثل النحل او الحشرات المرجانية ؟ إنهم يخرجون من الأرض يعرقون و يتلاشون مجدداً في التربة".
وانتقل بعد ذلك إلى وصف المدينة وقال "المنازل بدون نوافذ بالكامل، ويتجمع الاطفال المزعجون بأعدادٍ كبيرة في كل مكان، مثل غيومٍ من الذباب. في أسفل مركز الطريق هناك في اغلب الاحوال يجري نهرٌ صغير من البول".
اليهود في مراكش.. امرٌ جيد ان هتلر ليس هنا
ولم يغفل جورج أورويل الحديث عن التواجد اليهودي في المغرب وقال "عندما تمشي في احياء يهودية، تتكون عندك مجموعة من الأفكار، عن شكل الاحياء في العصور الوسطي. تحت حكم المغاربة، اليهود كان مسموحاً لهم فقط ان يملكوا الاراضي في أماكن محدودة".
وواصل "في البازار، عائلات هائلة من اليهود، يرتدون كلهم اثواب سوداء وقبعات سوداء كذلك، يعملون في أكشاك مظلمة مليئة بالذباب تبدو مثل الكهوف". وأضاف أنه عندما كان مارا بأكشاك النحاسين
"لاحظ أحدهم أني اشعلت سيجارة. علي الفور من الحفر السوداء في كل مكان، هرع اليهود مسعورين و مسرعين، العديد منهم اجدادٌ كبار في العمر بلحي رمادية كثيفة، كلهم يطلبون بصخب سيجارةً مني. حتي من رجل اعمي في مكان ما خلف احد الاكشاك سمع بإشاعة السيجارة و جاء زاحفاً باحثاً بيديه في الهواء. في حوالي الدقيقة انتهت علبة السجائر. لا أحد من هؤلاء الناس، أعتقد، يعمل اقل من 12 ساعة في اليوم، و كل واحد منهم يبحث عن سيجارة كنوع ما من الترف المستحيل".
وبحسب مقاله فإن اليهود كانوا يعيشون "في مجتمعات مغلقة علي ذاتها"، وأنهم "يتبعون نفس انواع التجارة كالعرب، ما عدا الفلاحة".
وواصل "اينما ترى، لا تقع عينك إلا على اليهود. في واقع الامر هناك 13 الف يهودي، يعيشون في فضاء بعض الهكتارات فقط. امرٌ جيد ان هتلر ليس هنا. ربما هو في طريقه، علي أي حال. تسمع الاشاعات الخبيثة المعتادة علي اليهود، ليس فقط من العرب، بل ايضاً من الاوربيين الفقراء".
أراض قاحلة
ولم يغفل صاحب رواية "1984"، الحديث عن الفلاحة في المغرب في حينه، وقال إن "أغلب اراضي المغرب مقفرة للغاية لدرجة انه لا يمكن لحيوان بري أكبر من الارنب ان يعيش عليها. مساحات كبيرة كانت مغطاة بالغابات تحولت الي ارض مقفرة خالية من الاشجار حيث ان التربة تبدو تماماً مثل قطعٍ من الطوب المحطم".
وبالرغم من كل هذا قال إن "نسبة جيدة من الاراضي المزروعة، بعد الكثير من العمل المجهد. كل شي يُعمل باليد". وواصل
"المحراث شيء خشبي تعيس، خفيف جداً بحيث يمكن ان يُحمل علي كتف احدهم بكل سهولة، يلائمه من تحت مسمار حديدي غليظ الذي بمقدوره ان يحرك التربة الي عمق حوالي اربع انشات. هذا ما يمكن ان تصل اليه قوة الحيوانات لا غير".