يسود الاعتقاد بأن العلاقات المغربية الليبية تدهورت مع وصول القذافي إلى سدة الحكم في ليبيا بعد قيادته لانقلاب عسكري ضد الملك ادريس السنوسي سنة 1969، غير أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة، إذ تميزت العلاقات في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس وادريس السنوسي بالبرودة ووصل الأمر إلى حد القطيعة.
فرنسا تنصب فخا
بوادر توتر العلاقات بين البلدين، بدأت تظهر إلى العلن حتى قبل أن ينال المغرب استقلاله عن فرنسا، فقد أورد كتاب "الملك والعقيد" لصاحبه الصحافي والكاتب السوداني طلحة جبريل، تصريحا لمحمد عثمان الصيد، وهو واحد من أبرز رؤساء حكومات العهد الملكي في ليبيا (أكتوبر 1960 – مارس 1963)، قال فيه "ساد فتور ملحوظ العلاقات المغربية الليبية منذ استقلال المغرب عام 1956، وظل مستمرا إلى أن توليت رئاسة الحكومة الليبية، ويرجع هذا الفتور إلى ملاباسات أحاطت بزيارة قام بها الملك إدريس السنوسي إلى المغرب في عام 1953، وهي السنة التي نفت فيها فرنسا الملك محمد الخامس وأسرته إلى جزيرة مدغشقر. في تلك الفترة كان الملك إدريس مريضا، وقرر السفر إلى سويسرا للعلاج، وبعد انتهاء فترة علاجه انتقل إلى فرنسا ومنها إلى إسبانيا ثم المغرب".
وبحسب ما يحكي محمد عثمان الصيد الذي توفي سنة 2007، فقد نصب الفرنسيون فخا للملك الليبي، فرغم أن هذا الأخير كان يريد من وراء زيارته إلى المغرب التوجه إلى "ضريح مولاي ادريس الأول في جبل زرهون بمكناس وإدريس الثاني في فاس لأنهما أجداده، ولم يسبق له أن زارا هذه المنطقة"، إلا أن سلطات الحماية رتبت عمدا مجيء ابن عرفة الذي عينته مكان محمد الخامس بعد نفيه إلى مدغشقر إلى الفندق الذي كان يقيم فيه الملك ادريس السنوسي و"حدث لقاء بينهما دون رغبة الملك إدريس ولم يستشر في ترتيب ذلك اللقاء".
وأكد الصيد أن ادريس السنوسي أخبره "لاحقا أنه لم يتطرق مع ابن عرفة لأي موضوع سياسي". لكن العديد من الصحف الفرنسية نشرت صورا للقاء الذي جمع ابن عرفة بالعاهل الليبي، وهي الصور الذي اطلع عليها محمد الخامس في منفاه بمدغشقر، "ولا شك أنه اندهش وتألم للمبادرة، لكنه لم يعرف تفاصيل الواقعة، التي أراد من خلالها الفرنسيون إحراج الملك إدريس السنوسي" بحسب كلام الصيد.
بقيت الأمور على حالها إلى أن عاد الملك محمد الخامس من المنفى، ونال المغرب استقلاله، حيث قام آنذاك الملك ادريس السنوسي ببعث برقية تهنئة للملك محمد الخامس، لكن هذا الأخير "تجاهل لفترة الرد على تلك البرقية. ولم يرد عليها إلا بعد مضي أكثر من شهرين وأدى ذلك إلى حدوث برود علاقات الجانبين" بحسب كتاب "الملك والعقيد".
وبعد ذلك بقي الملك محمد الخامس مستاء من اللقاء الذي جمع بين السنوسي وابن عرفة، فيما ظل الملك ادريس السنوسي متضايقا من تجاهل برقية التهنئة التي أرسلها بعد استقلال المغرب.
ويشير ذات الكتاب إلى أن اتصالات جرت في عهد حكومة مصطفى بن حليم الليبية خلال العهد الملكي، عبر السفارة الفرنسية التي كانت تمثل المصالح المغربية في ليبيا قبل تعيين سفير في طرابلس، إلا أن تلك المحاولات لم تسفر عن نتيجة ذات أهمية.
انفراج في العلاقات
وفي سنة 1958، وافق الملك محمد الخامس بعد وساطات على تعيين سفير مغربي في طرابلس، وعين حرمة ولد بابانا لشغل هذا المنصب، رغم أنه لا علاقة له بالعمل الديبلوماسي ولم يكن متمرسا فيه وهو في الأصل زعيم قبلي موريتاني من الذين كانوا يرون أن موريتانيا جزء لا يتجزأ من المغرب، ويرجح أن الملك محمد الخامس عينه لمجرد ملء الفراغ .
على الجهة المقابلة اختارت ليبيا تعيين منصور كدارة الذي سبق له أن كان وزيرا للمالية، ليصبح سفيرا لليبيا في المغرب. وعلى الرغم من أن هذا الأخير كان من بين الليبيين الوطنيين، فإن شخصيته لا تختلف كثيرا عن شخصية حرمة ولد بابانا. وظلت السفارتان دون فعالية تذكر.
ورغم تبادل السفراء إلا أن العلاقات بين المملكتين بقيت باردة، إلى أن توفي الملك محمد الخامس إثر إجرائه لعملية جراحية.
وفي محاولة لتلطيف الأجواء بين المملكتين أرسل الملك الليبي وفدا هاما إلى المغرب للمشاركة في مراسيم تشييع الجنازة.
استمر برود العلاقات بين البلدين بعد ذلك إلى أواخر يوليوز من سنة 1962، حين قرر الملك الحسن الثاني التوقف في طرابلس أثناء رحلة كانت تقوده من الرباط إلى القاهرة، لحضور مؤتمر قمة إفريقي، وخصص الملك الليبي استقبالا كبيرا للعاهل المغربي الشاب.
ووجد الحسن الثاني في استقباله محمد عثمان الصيد، الذي رافقه في سيارة إلى قصر "الخلد" في طرابلس لينال قسطا من الراحة.
وعلى متن السيارة سينسج الرجلان علاقة شخصية، تطورت مع مرور الأيام إلى زيارة رئيس الحكومة الليبية إلى المغرب، ووضع قطيعة مع التوتر بين المملكتين.
العودة إلى نقطة البداية
لكن بعد إعفاء الصيد من رئاسة الحكومة الليبية سنة 1963، عادت الأمور إلى سابق عهدها، ولم تعد ليبيا مهتمة بتطوير علاقاتها مع المغرب، فيما لم يعد الحسن الثاني بدوره مكترثا بالعلاقة مع طرابلس، خصوصا مع الظروف السياسة الصعبة التي كان يعيشها المغرب في ظل تنامي المد اليساري، وإعلان حالة الاستثناء وتعليق العمل بالدستور سنة 1965.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك وصل معمر القذافي إلى السلطة بعد انقلاب عسكري خلع به الملك إدريس، لتتحول العلاقات بين البلدين من التوتر إلى القطيعة، خصوصا بعد اختيار الزعيم الليبي الجديد دعم جبهة البوليساريو التي تطالب بإقامة دولة في الصحراء والانفصال عن المغرب.