في سنة 1981، فشلت نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في عقد مؤتمرها 17، بعد صراع بين فصائل اليسار الإصلاحي المتمثلة في طلبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وطلبة حزب التقدم والاشتراكية، وفصائل اليسار الراديكالي المتمثلة في الطلبة القاعديين وطلبة رفاق الشهداء.
هذا الفشل خلق حالة من التيه السياسي والتنظيمي داخل النقابة الطلابية التي تأسست سنة 1956، ومنذ ذلك الحين لم تتمكن المكونات الطلابية المتواجدة داخل الساحة الجامعية من تجاوز الأزمة وتوحيد صفوفها للدفاع عن مطالب الطلبة.
وبعد مرور ما يقارب الأربعين سنة على فشل آخر مؤتمر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي يسمى اختصارا بـ"أوطم"، اختفت العديد من الفصائل الطلابية، وظهرت فصائل أخرى جديدة، وانتقل الخلاف من مقارعة الفكرة بالفكرة إلى حروب بالسيوف والسواطير خلفت سقوط العديد من القتلى والجرحى.
الإسلاميون واليساريون
مع بداية التسعينات، دخل الإسلاميون ممثلين في جماعة العدل والإحسان إلى الجامعات، ووقعت بينهم وبين الطلبة اليساريين مواجهات دامية في العديد من المؤسسات الجامعية، وخصوصا في جامعة محمد الأول في وجدة، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس.
آنذاك كان الطلبة اليساريون يعتبرون الطلبة الإسلاميين دخلاء على الجسم الطلابي، فيما كان يرى هؤلاء في طلبة اليسار ملاحدة يتبنون إيديولوجية غريبة عن المجتمع المغربي، وجب اقتلاعها من الجامعات المغربية.
وبمجرد أن أعلنت جماعة العدل والإحسان عن تأسيس جناح طلابي، حتى بدأت المواجهات داخل الحرم الجامعي، وفي اليوم الأول من شهر نونبر من سنة 1991، عثر في مدينة وجدة على جثة طالب يساري يدعى المعطي بوملي، بعد "اختطافه" من قبل عناصر محسوبة على فصيل طلبة العدل والإحسان، من قاعة الدرس.
وبعد مرور حوالي السنة والنصف سقط طالب آخر في مدينة فاس، ضحية للصراعات الإديولوجية داخل جامعة ظهر المهراز، ففي اليوم الأول من شهر مارس من سنة 1993، وجد الطالب بنعيسى آيت الجيد نفسه محاصرا بمجموعة من الطلبة الإسلاميين المنتمين لجماعة العدل والإحسان، وطلبة الإصلاح والتجديد، حيث انهالوا عليه بالضرب، وتركوه مدرجا في دمائه إلى أن فارق الحياة في المستشفى. ولازالت هذه القضية رائجة أمام المحاكم لحد الآن حيث يتابع فيها القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين.
وشكل هذين الحدثين نقطة اللاعودة في الخلافات بين الفصيلين، لتستمر المواجهات بينهما منذ ذلك الحين في عدد من الجامعات المغربية، ما خلف العديد من الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة من الجانبين.
وشهدت سنة 2014 سقوط ضحية أخرى نتيجة الخلاف بين اليساريين والإسلاميين، وبدأت الأمور بإعلان فصيل التوحيد والإصلاح التابع تنظيميا لحركة الإصلاح والتوحيد عن تنظيم ندوة في كلية الحقوق بجامعة ظهر الهراز فاس، كان سيحضرها عبد العالي حامي الدين، وهو ما جعل طلبة اليسار ممثلين في النهج الديمقراطي القاعدي، يؤكدون أنهم لم يسمحوا بأن تطأ قدما حامي الدين الحرم الجامعي باعتباره أحد "قتلة" رفيقهم بنعيسى.
وفي صبيحة يوم 24 أبريل من سنة 2014، قام الطلبة القاعديون بالهجوم على طلبة التوحيد والإصلاح، وسقط في الاشتباكات الطالب عبد الرحيم حسناوي قتيلا، ليتم اعتقال العديد من المشتبه فيهم، ووزعت عليهم المحكمة سنوات طوال من السجن.
الحركة الثقافية الأمازيغية وطلبة اليسار
مع بداية الألفية الثالثة، تغيرت الأمور داخل الجامعة المغربية، وظهرت فصائل طلابية جديدة، من بينها الطلبة الصحراويون الموالين لجبهة البوليساريو، وكذا الطلبة الأمازيغيون الذين انتظموا داخل فصيل "الحركة الثقافية الأمازيغية" الذي يعتبر نفسه الممثل الوحيد للأمازيغ داخل الجامعات المغربية.
وإذا كان الطلبة اليساريون الممثلين في النهج الديمقراطي القاعدي يتعاطفون مع الطلبة الصحراويين، فإنهم اختلفوا مع الفصيل الأمازيغي واتهموه بالترويج لخطاب شوفيني عرقي من داخل الجامعة.
وتحول هذا الخلاف إلى مواجهات استخدمت فيها الأسلحة البيضاء بمختلف أنواعها، وفي 12 ماي من سنة 2007، كانت الكلية المتعددة التخصصات بمدينة الراشيدية، مسرحا للاقتتال بين طلبة أمازيغيين وطلبة يساريين، ما تسبب في مقتل الطالب اليساري عبد الرحمان الحسناوي داخل الحي الجامعي.
وبعد مرور عشرة أيام فقط، أي في 22 ماي من سنة 2007 شهدت جامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس مقتل طالب آخر، على إثر مواجهات بين الفصيلين المتناحرين.
الحركة الثقافية الأمازيغية والطلبة الصحراويون
لم يكن طلبة اليسار وحدهم من يعادي طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، بل إن الطلبة الصحراويين الذي يحملون بدورهم توجها يساريا، كانوا يرون في هذا الفصيل الطلابي عدوا لهم، نظرا لاختلافاتهم الإيديولوجية.
وتحولت الخلافات إلى صراعات ومواجهات، أسفرت بدورها عن سقوط بعض الضحايا، كان آخرهم الطالب عبد الرحيم بدري، الذي سقط في المواجهات التي شهدتها جامعة ابن زهر بأكادير في 19 ماي الجاري، على يد طلبة محسوبين على الفصيل الأمازيغي.
ولم يكن عبد الرحيم بدري الضحية الوحيدة للصراع بين الفصيلين، ففي 27 يناير من سنة 2016، لفظ الطالب عمر خالق المعروف بـ"إيزم"، والذي ينتمي للفصيل الأمازيغي أنفاسه الأخيرة في جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش.
ولم يقتصر العنف في الجامعات المغربية على الفصائل الطلابية فيما بينها، بل إن العديد من المؤسسات الجامعية شهدت مواجهات بين الطلبة ورجال الأمن، خلفت بدورها سقوط العديد من الضحايا، كان آخرهم الطالب محمد الفزازي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى الجامعي بفاس يوم 26 يناير من سنة 2013، متأثرا بإصابته في تدخل لرجال الأمن في الحي الجامعي سايس بمدينة فاس.