القائمة

interview_1

سمية نعمان جسوس: احترام كرامة الطفل أمر نادر في نظامنا التعليمي

بعد انتشار مقطع فيديو يظهر أستاذا لمادة الرياضيات وهو يعرض تلميذة للضرب وينعتها بألفاظ نابية داخل الفصل الدراسي بثانوية إعدادية بخريبكة، تشير سمية نعمان جسوس، أخصائية في علم الاجتماع في حوار مع موقع يابلادي إلى وجود نقص في تدريب الأساتذة في مجال التربية والتواصل اللاعنفي.

نشر
سمية نعمان جسوس، أخصائية في علم الاجتماع
مدة القراءة: 5'

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي في بيان لها يوم أمس الاثنين 21 ماي عن فتح تحقيق بتكليف من وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي بعد بث مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر واقعة تعرض تلميذة للتعنيف من قبل أستاذها بالفصل الدراسي ونعثها بألفاظ نابية بثانوية إعدادية تابعة للمديرية الإقليمية بخريبكة.

عن ماذا يكشف العنف في الوسط التعليمي في نظرك؟

لطالما شكل العنف جزءا من النظام التعليمي بالمغرب، هناك مقولة شهيرة بالمغرب تقول أن" العصا خرجت من الجنة"، وهي فقط جزء من التقاليد لأنها لم تذكر في أي آية قرآنية. لم تكن العقوبة الجسدية سائدة في المدارس فقط بل أيضا في المنازل، عندما كانت الأسرة مكونة من سبعة أو ثمانية أطفال يصعب تربيتهم عن طريق التواصل والحوار وإقناعهم بالامتثال للآداب والأحكام الاجتماعية، كان الآباء يلجؤون إلى أسلوب الضرب والتعنيف، فهو بالنسبة لهمم أسهل بكثير من الحوار والتواصل اللذان يتطلبان الوقت والطاقة والصبر.

أما الآن فقد تغير تفكير الشباب وأصبح الوعي سائدا في المجتمع المغربي، فأصبحت العائلات صغيرة، تتكون من عدد أقل من الأطفال يسهل تربيتهم والتحاور معهم. وتغيرت طريقة التعليم أيضا، وأصبح العديد من الأساتذة يعتمدون أسلوب الحوار وتبادل الحجج.

من جهة أخرى، هناك بعض الآباء الذين يسمحون للأساتذة بضرب أطفالهم من أجل مصلحتهم وبهدف تربيتهم، ومنهم من لا يقبل أن يتعرض أطفاله للضرب حتى لو كانت ضربة بسيطة على اليد، ويعتبرونها إهانة لهم ولأطفالهم.

العنف الجسدي واللفظي ظاهرة مقبولة في مجتمعنا منذ وقت طويل، ففي الماضي لم تكن المدارس التعليمية، وكان الآباء يصطحبون أبنائهم إلى المدرس القرائية عند "الفقيه" وكانوا يرحبون بفكرة ضربهم من أجل التعلم، بل منهم من بل يحث الفقيه على اللجوء إلى ذلك إن استدعت الضرورة.

وطريقة العقاب المعروفة في المدارس القرآنية هي "الفلقة"، وهي نوع من العصا الخشبية بها تقبان وحبل يمر بين التقبين، كان الطفل المعاقب ينام على ظهره ويرفع ساقيه ليضع قدميه على الحبل ويحكم الفقيه قدميه بالحبل ويستدعي طفلين يمسكا بطرفي العصا ثم يضربه، وكانت هذه الممارسة مقبولة عد الجميع باعتبارها طريقة جيدة لتربية التلاميذ.

هل تعتقدين أن هذا الفيديو كان سيكون صادما قبل 20 سنة؟

بالطبع كان سيكون صادما لأن الفتاة المعنفة تلقت صفعات على وجهها، بالإضافة إلى شد شعرها.. هناك دائما رد فعل مغاير عندما يرى المرء أفعاله. كثير من الناس لا يدركون خطورة ما اقترفوه إلا بعد رؤية ما صنعت أيديهم، لذلك أرى أن تصوير مقطع الفيديو ونشره كان فكرة جيدة، جعلتنا ندرك أن العنف لا يزال موجودا في مجتمعنا إلى اليوم، كما أنه وسيلة فعالة تحث على ضرورة تجنب للجوء إلى العقاب البدني.

وأوضحت ردود الفعل الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي أن العنف بات مرفوضا في مجتمعنا، لكن رد فعل أب التلميذة الذي سامح الأستاذ ولم يرفع أية شكوى ضده، يوضح العكس ويشير إلى أن العنف لا يزال مقبولا نوعيا.

ومن جهة أخرى يمكن أن يكون هذا الأب خائفا من الانتقام، فقد تتعرض ابته إلى إهانات مضاعفة أو نحصل على نقاط سيئة.

وقد ترجع أسباب تفشي العنف بالنظام التعليمي حاليا إلى تعرض هؤلاء الأساتذة والمعلمين إلى التعنيف في صغرهم سواء في المنزل أو في المدرسة.

تكتبين في مقالاتك على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك أن العنف المدرسي أكثر انتشارا بالبوادي...

نعم، هذه الأفعال منتشرة بشكل أكبر في البوادي لأن الآباء في المدن يذهبون إلى المدارس ويراقبون أطفالهم، لكن في البوادي الناس غير واعين بالأمر، ولا يزال الناس يعتقدون أن الأستاذ "يربي" وأن التربية تتضمن تستلزم نوعا من العنف. 

ومن جهة أخرى يخشى الآباء من الانتقام، خاصة وأن الأساتذة متضامنين مع بعضهم البعض، بالإضافة إلى أن المدير لا يتدخل أو يفرض أية عقوبات في حالات العنف.

يؤمن البعض اليوم أن الأطفال أصبحوا غير منضبطين لأنهم لا يتعرضون للضرب كما من قبل، وهذا الأمر غير صحيح. أنا مقتنعة أن الأستاذ يستطيع فرض نظام تواصل مبني على الحوار. وجدير بالذكر أن هناك العديد من العوائق والظروف -كالاكتظاظ والجمع بين مستويين أو أكثر داخل فصل واحد-   التي تقلق الأساتذة وتضعهم تحت ضغط شديد، لكن هذا لا يسمح لهم بتعنيف التلاميذ.

ما رأيك في رد فعل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي؟

أعتقد أن هذا الأمر ليس جزءا من أولوياتهم، فالتعليم في المغرب متدهور، وهم يحاولون الآن تعميم التدريس ورفع المستوى، لكن التربية هي العنصر الأساسي الذي من شأنه أن يرفع المستوى. وكما نعلم جميعا أن المعلمين والأساتذة لا يحصلون على أي تدريب في مجال التربية والتواصل اللاعنفي، ينتقل الطلبة إلى مجال التعليم دون إجراء أي تقييم. وحتى في حالة إجراء الاختبار، تترك الملاحظات في الخزانة دون إجراء أو متابعة على المستوى التربوي.

كيف يمكن أن يؤدي العنف اللفظي و/أو الجسدي إلى الهدر المدرسي؟

عندما لا يشعر التلميذ بالراحة في المدرسة أو القسم، وتتم إهانته بسبب أخطائه أو نعته بـ "الحمار"، حتما سيتوقف عن الدراسة عندما تتاح له الفرصة.

وقد ترك العديد من التلاميذ بالبوادي الدراسة بسبب مواقف وتصرفات المعلمين، يجب أن يشعر الطفل بالراحة في المدرسة لكي يذهب إليها بفرح وبرغبة واسعة في التعلم، لأنه إذا شعر بالخوف والإهانة سوف يتركها يوما ما. ولكن للأسف كرامة الطفل والتلميذ أمر منتهك في نظامنا التعليمي.

لكن للأسف احترام كرامة الطفل يظل أمرا نادرا في نظامنا التعليمي.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال