بقي زعيم الثورة الريفية عبد الكريم الخطابي أثناء تواجده في العاصمة المصرية القاهرة، يفكر في إيجاد الطرق الكفيلة، بدفع المستعمر الفرنسي إلى مغادرة كل من المغرب وتونس والجزائر، وفي سبيل هذا المسعى ربط اتصالات بقادة الحركة الوطنية في الدول الثلاث من أجل بحث الأمر.
فبحسب ما جاء في كتاب زكي مبارك المعنون بـ"محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي وإشكالية استقلال المغرب" أن الخطابي في النداء الأول الذي تم بموجبه الإعلان عن ميلاد لجنة تحرير المغرب العربي قال إن "جميع الذين خابرتهم في هذا الموضوع من رؤساء الأحزاب المغربية ومندوبيها بالقاهرة قد أظهروا اقتناعهم بهذه الدعوة واستجابتهم لتحقيقها وإيمانهم بفائدتها في تقوية الجهود وتحقيق الاستقلال المنشود".
وأضاف موضحا "لقد كانت الفترة التي قطعناها في الدعوة إلى الائتلاف خيرا وبركة على البلاد، فاتفقت مع الرؤساء ومندوبي الأحزاب الذين خابرتهم على تكوين لجنة تحرير المغرب العربي من سائر الأحزاب الاستقلالية في كل من تونس والجزائر والمغرب على أساس مبادئ يجب احترامها بحيث أن المغرب العربي جزء لا يتجزأ من بلاد العروبة".
وكان الخطابي بحسب ذات المصدر يؤمن بأن الاستقلال التام، هو استقلال البلدان الثلاثة أي الجزائر وتونس والمغرب عن الاستعمار الفرنسي، كما كان يرفض التفاوض مع السلطات الاستعمارية من أجل نيل الاستقلال، وكان يؤمن بأن القوة وحدها هي الكفيلة بتحقيق الاستقلال.
القاهرة تجمع قادة التحرر في الدول المغاربية
ونجح الأمير الخطابي في 22 فبراير من سنة 1947، في تأسيس جمعية سياسية أطلق عليها اسم "لجنة تحرير المغرب العربي"، وضمت هذه الجمعية قياديين من حزب الاستقلال المغربي كان أبرزهم علال الفاسي، وعبد الخالق الطريس، إضافة إلى الحبيب بورقيبة عن الحزب الحر الدستوري التونسي، والشاذلي المكي عن حزب الشعب الجزائري.
وعقدت الجمعية مؤتمرها الأول بالعاصمة المصرية القاهرة، التي أضحت محجا لقادة التحرر في الدول المغاربية، خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 22فبراير 1947، واتفق المشاركون على "ضرورة تأسيس لجنةلتنسيق الأعمال، وتوحيد الجهود التي يبذلونها في سبيل تحرير البلاد من الاستعمار" ورأوا في محمد بن عبد الكريم أفضل من يمكنه ترأس اللجنة المستحدثة باعتباره رمزا للنضال في شمال إفريقي.
وقال الخطابي في بيان التأسيس بحسب ما يحكي زكي مبارك في كتابه "محمد الخامس وإبن عبد الكريم الخطابي وإشكالية استقلال المغرب" إذا "كانت الدول الاستعمارية على باطلها، تحتاج إلى التساند والتعاضد لتثبيت سيطرتها الاستعمارية، فنحن أحوج إلى الاتحاد وأحق من أجل إحقاق الحق لتقويض أركان الاستعمار الذي كان نكبة علينا، فجزأ بلادنا وابتز خيراتنا، واستحوذ على مقاليد أمورنا ووقف حجرة عثرة في سبيل تقدمنا ورقينا ثم حاول بكل الوسائل أن يقضي على جميع مقوماتنا كأمة مسلمة".
الخطابي والجيش المغاربي
وتمكن الخطابي من خلال هذه اللجنة من تأسيس النواة الأولى لجيش تحرير المغرب العربي، حيث قام بإرسال بعثات من الدول المغاربية لتلقي العلوم العسكرية بالكليات الحربية العربية، وبحسب ما يروي زكي مبارك فقد بدأ محمد بن عبد الكريم الخطابي في تكوين المجاهدين في سنة 1948 إلى غاية قيام الثورة الجزائرية سنة 1954، حيث أنشأ عدة مراكز للتدريب سواء في القاهرة أو ليبيا.
وكان الخطابي يطمح إلى تكوين ضباط عسكريين يتولون مستقبلا مهمة إعداد وتحضير الثورة المسلحة المغاربية، وتم إرسال أول دفعة إلى العراق في شهر أكتوبر من سنة 1948، وفي سنة 1951 أرسل بعض أعضاء اللجنة وهم الهاشمي الطود وحمادي العزيز وعبد الحميد الوجدي إلى بنغازي في ليبيا قصد إنشاء قاعدة متقدمة للتدريب، وفي الوقت ذاته كلف اثنين منهم بالاتصال بقيادات الأحزاب في الأقطار المغاربية.
ومن خلال هذه الخطوات كان الخطابي يحاول تنزيل ما جاء في نص البيان التأسيسي على أرض الواقع، حيث جاء في البيان الذي وافق عليه قادة الحركات التحررية في البلدان المغاربية "...ومنذ الآن، ستدخل قضيتنا في طور حاسم من تاريخها وسنواجه المغتصبين ونحن قوة متكتلة تتكون من خمسة وعشرين مليونا، كلها متحدة على كلمة واحدة وتسعى لغاية واحدة هي الاستقلال التام لكافة أقطار المغرب العربي، وسنعمل على تحقيق هذه الغاية بكل الوسائل الممكنة في الداخل كما في الخارج كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولن يجد المستعمر بعد اليوم لتثبيط عزائمنا وإيقاع الفتنة بيننا واستغلال تعدد الأحزاب وتفرق الكلمة لاستعبادنا وتثبيت أقدامه في بلادنا، فنحن في أقطارنا الثلاثة نعتبر قضيتنا قضية واحدة، ونواجه الاستعمار متحدين متساندين، ولن يرضينا أي حل لا يحقق استقلالنا وسيادتنا التامة".
آنذاك كان الخطابي يحاول الدفع بالعمل التحرري المغاربي إلى الأمام، إلا أنه مع بداية الخمسينات ستعرف لجنة تحرير المغرب العربي خلافات حادة وتصعيدا ملحوظا بين أعضائها، وهو ما أزعحه حيث قال بحسب ما ورد في كتاب زكي مبارك ".... من سوء الحظ أنني عشت لأرى أفكاري هذه تتشتت، ولأشهد مصرعها واحدة إثر الأخرى، فقد دخلت الانتهازية وحمى المتاجرة في قضيتنا الوطنية، ووجد من بين أعضاء هذه اللجنة من يسعى لتفتيت وحدة قضيتنا وتجزئتها...".