في كتابه" الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي" طرح الباحث المغربي امحمد مالكي، العديد من الأسئلة حول مؤتمر طنجة وأشغاله وحصيلة أعماله، من قبيل هل مثل مؤتمر طنجة في مسيرة النضال المغربي المشتركة لحظة أو محطة بارزة في هذه المسيرة؟ وإلى أي حد استمر حاضرا بأعماله، وموجها لقراراته، ثم ما هي الصيغة التي خلص إليها المؤتمرون لنقل فكرة الوحدة المغربية من الإطار الحماسي والنضالي إلى طور العمل والتطبيق؟.
ورغم أهمية المؤتمر المنعقد بمدينة طنجة بقصر مارشال من يوم 27 إلى غاية 30 أبريل 1958م بالنسبة لإستراتيجية الثورة التحريرية الجزائرية، إلا أنه أثار خلافا بين زعماء جبهة التحرير الوطني الجزائري فيما يتعلق بمشاركة أو عدم مشاركة الجبهة في المؤتمر، حيث ظهر رأيان داخلها، فالأول يعارض حضور الجبهة ومشاركتها بدعوى أن المؤتمر في حد ذاته مؤتمر قطري انفصالي، ولا يعبر عن البعد الحقيقي العربي للقضية الجزائرية، ومن هذا المنطلق لا يحق لجبهة التحرير تزكية نزعة انفصالية عن الوطن العربي، أما الرأي الثاني فقد أكد على ضرورة حضور المؤتمر لسببين اثنين هما : أولا : أهمية المغرب الأقصى وتونس بالنسبة للثورة الجزائرية، وثانيا: ضرورة استغلال هذا المؤتمر لدعم الكفاح المسلح داخل الجزائر.
كان الرأي الثاني هو الذي رجح الكفة، وبالتالي شاركت جبهة التحرير الوطني في هذا المؤتمر الذي اكتسى أهمية كبيرة بالنسبة للمغرب العربي، من خلال التركيز على دعم القضية الجزائرية وإبراز مكانتها العربية والدولية وكانت الغاية من عقد هذا المؤتمر الذي حضره ممثلي أهم وأقوى الأحزاب السياسية المغاربية التي قادت الكفاح التحريري في كل من المغرب وتونس، وتقوده في الجزائر منذ ثورة الفاتح من نوفمبر 1954م، دراسة ومناقشة الوسائل والسبل التي من شأنها القضاء على رواسب الاستعمار ومظاهر وجوده في البلدان الثلاثة، ووضع الخطط من أجل نهضة تنموية شاملة ومشتركة، واجهة للتكتلات الخارجية، والتصدي للتحديات الاستعمارية التي تقف في وجه بناء الوحدة المغاربية وفي طليعتها تصفية الاستعمار في القطر الجزائري الشقيق بتقديم كامل الدعم والمساندة لشعبه وثورته.
يرى السياسي والمؤرخ عبد الكريم غلاب أن الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر كان يمليها كذلك الوضع الدولي الاستعماري الذي يهدد المغرب العربي من جديد، فقد كانت الحرب التحريرية الجزائرية في أوجها، وكان الاستعمار الفرنسي يتحرش بالقطرين المغربيين الحديثي العهد بالاستقلال، وفي وقت مازالت فيه القوات العسكرية الفرنسية والاسبانية متواجدة في البلاد وتتحرك وتتنقل بكل حرية.
إن هذا المؤتمر انعقد في مرحلة حاسمة وخطيرة من تاريخ المغرب العربي، حيث كانت كل من تونس والمغرب الأقصى قد حصلت على استقلالهما سنة 1956، بينما كانت الثورة الجزائرية تمر بأخطر مرحلة من مراحلها نظرا للسياسة التي انتهجتها السلطات الاستعمارية الفرنسية قصد القضاء على هذه الثورة وما سخرته من إمكانيات مادية وبشرية لخنق الثورة من محيطها الاجتماعي داخليا وخارجيا وما ترتب عن هذه السياسة الوحشية من تدمير للمجتمع الجزائري ماديا وبشريا، ولقد تمت الدعوة إلى هذا المؤتمر في ظروف بالغة الخصوصية، كما تميزت من جهة أخرى بتصعيد استعماري فرنسي خطير في منطقة المغرب العربي تمثل في الهجوم الشامل على جيش التحرير المغربي والعدوان على تونس واشتداد الخناق على الثورة الجزائرية.
كما جاء مؤتمر طنجة بعد شهرين من انعقاد الوحدة المصرية السورية (فبراير 1958م) والعدوان الاستعماري الفرنسي على ساقية سيدي يوسف (8 فبراير 1958م) حينما قصف الطيران الفرنسي هذه القرية بطريقة وحشية ذهب ضحيتها أطفال المدارس أساسا، وكان الغرض منه توجيه إنذار قوي وتحذير شديد للدولة التونسية مفادها أن القوات الفرنسية لن تتردد في مطاردة الثوار الجزائريين حتى داخل التراب التونسي إن اقتضت الضرورة الحربية ذلك، وعلى هذا الأساس وفي يوم 2 مارس 1958 م قرر أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال المجتمعين في مدينة طنجة دراسة الوسائل الخاصة بتدعيم تضامن ووحدة المغرب العربي، وبعد عشرة أيام عقد المكتب التنفيذي للحزب جلسة عمل خصصها لدراسة موضوع اتحاد إفريقيا الشمالية، وفي يوم 17 مارس توجه السيد أبو بكر القادري والدكتور محمد بناني إلى تونس بتكليف من الحزب ليهيئ مع القادة التونسيين برنامج المؤتمر في سبيل إبراز فكرة الوحدة للوجود وتلبي المطامح الصادقة لشعوب المغرب العربي الثلاثة، وفي نفس الوقت توجه لنفس الغرض السيدان المحجوب بن الصديق وعبد الرحمان اليوسفي إلى القاهرة لمقابلة قادة جبهة التحرير الجزائرية، أسفرت هذه الاتصالات في كل من تونس والقاهرة على الاتفاق حول عقد مؤتمر طنجة لتوحيد المغرب العربي.
لقد شكل الاستقلال محور أعمال المؤتمر وجوهر قراراته، وذلك أن بقاء الجزائر مستعمرة بعد تحرر كل من المغرب وتونس، وتعرضها لأعتى أساليب الاضطهاد والإبادة، قد جعل القيادات التاريخية لحزبي الاستقلال والحر الدستوري، تشعر بثقل وضغط المسؤولية التي هي مطالبة باستكمال تحملها، انسجاما مع التزاماتها السابقة بمكتب المغرب العربي، واستحضار أيضا للروابط التي جمعت الحركات الوطنية المغربية الثلاث ولازالت تجمعها حتى لحظة انعقاد المؤتمر وبعده، فبقراءة خطب رؤساء الوفود المشاركة، ما يوضح المكانة التي حضي بها مطلب استكمال واستقلال أقطار المغرب العربي "إن مصير شمال إفريقيا واحد".