وإن التطابق التام بين الأهداف والمبادئ والآليات والخيارات السياسية والعسكرية التي قامت عليها كل من جبهة التحرير بالجزائر و جيش التحرير المغربي، ساعد على توحيد الكفاح المسلح ضد المستعمر. فكيف تم هذا التنسيق بين البلدين وكيف تأسس جيش التحرير في المغرب الكبير؟
بعد نفي محمد الخامس توضح أن تضامنا بين الكفاح المغربي والجزائري يلوح في الأفق، ففي أقل من شهرين من أحداث 20 غشت 1955، أصدرت حركة المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية بلاغا مشتركا ينص على تكوين قيادة موحدة تتولى الإشراف على حركة التحرير القائمة في القطرين، والتي سينضوي جميع أفرادها في جيش يسمى "جيش تحرير المغرب العربي"، وهي مسألة كانت مطروحة من طرف المسؤولين في الجبهة الذي كانوا يعبرون عن تخوفهم من البقاء وحدهم في مواجهة الاستعمار الفرنسي، فاقترحوا إعلان وحدة المغرب العربي وتأسيس جيش تحرير له لكي يتفادوا الانعزال في المواجهة.
لهذا العرض تشكلت لجنة تنسيق مشتركة مكونة من الطرفين (المغربي - الجزائري) تناولها المؤرخ الغالي العراقي في كتابه، ذاكرة نضال وجهاد ‘ بحيث أشار إلى أن أول اجتماع كان لهده اللجنة، كان بمدينة تطوان ضم شخصيات عدة من كلا الطرفين (عن الجانب المغربي) :عبد الكريم الخطيب ، وعبد الرحمان اليوسفي، حسن صفي الدين وسعيد بونعيلات.
أما الجانب الجزائري فتكون من: (أحمد بن بلة، ومحمد بوضياف، محمد خيضر، وحسين آيت أحمد) فوقع الاتفاق على تحرير جميع الأقطار، وفي حالة استقلال دولة معينة تتحول إلى قاعدة لتحرير الدولة الأخرى.
لقدتم تأسيس جيش تحرير المغرب العربي من أجل تحقيق عدة غايات ومرامي من أهمها الكفاح حتى النهاية في سبيل الاستقلال التام لأقطار المغرب العربي، وعودة محمد الخامس الملك الشرعي إلى عرشه، وبعد توفر الأسلحة واستكمال التنسيق وتكوين عناصر جيش تحرير المغرب العربي، اندلعت حرب التحرير في مناطق الاحتلال الفرنسي في تونس والجزائر والمغرب بعد أن اتخذ قرار تدشين المقاومة في أكتوبر1955 ضمن المراكز المتقدمة للقوات الفرنسية في أكنول وتيزي أوسلي وبورد ومناطق أخرى في وهران.
وقد شكل ميلاد جيش تحرير المغرب العربي تجربة هامة جدا على صعيد المحاولات الوحدوية المغاربية خاصة أثناء فترة الكفاح المسلح وكان لها نتائج ايجابية على صعيد المقاومة في الأقطار المغاربية الثلاث مهما حاول البعض التشكيك في هذه التجربة الرائدة والتي تعتبر بحق ثمرة نضال طويل وحلم الكثير من الوطنيين الثوريين من أبناء المغرب العربي.
وبهذا تأكدت مظاهر الوحدة والتنسيق من خلال ذلك التضامن والالتحام في المعركة المشتركة خاصة من خلال اختيار قيادة الشمال القسنطيني يوم 20 غشت 1955 م موعدا لشن هجومات عسكرية، الذي جسد تضامنا حقيقيا مع الشعب المغربي في الذكرى الثانية لنفي الملك محمد الخامس، فقد عبر ازغيدي لحسن، في مقاله ضمن مجلة الثقافة ،الثورة الجزائرية والبعد المغاربي أن زيغود يوسف وهو أحد قادة الثورة الجزائرية ورفاقه عبروا بروح وطنية تجسد الحس النظالي المشترك ووحدة المعركة، والتنسيق لتنظيم العمليات المشتركة في الريف المغربي ومنطقة وهران وذلك بدءا من يوم 2 أكتوبر 1955.
أمام هذا التنسيق العسكري الذي ترافق مع تطور العلاقات السياسية بين حزب الاستقلال، وجبهة التحرير الجزائرية، وحزب الدستور التونسي، أصبحت فرنسا في مواجهة خطيرة ومعقدة، فهي تحارب على ثلاث جبهات، وتواجه نموا نضاليا يتضمن إمكانية قيام وحدة سياسية في المغرب العربي، تهدد مباشرة المصالح الإستراتيجية لفرنسا وتضعف نفوذها على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
وفي ظل هذه المقاومة العنيفة التي ترتبت عن تأسيس جيش تحرير المغرب العربي لم يكن أمام فرنسا سوى الاعتراف باستقلال المغرب، وتونس، كي تتفرغ إلى إخماد الثورة الجزائرية، وبذلك بدأ يلوح في الأفق فشل الإستراتيجية القائلة باستمرار الكفاح المسلح بهدف تحرير الأقطار الثلاث التي كان ينادي بها زعيم حزب الاستقلال علال الفاسي وعبد الكريم الخطابي في القاهرة، والمقاومة المغربية الجزائرية بالشمال، لكن هذه النظرية أثبتت فشلها بعد عودة محمد الخامس، واللقاء الذي كان بين بوضياف والعربي بن المهيدي مع الخطيب وعباس ألمساعدي لبحث أفاق المقاومة بعد استقلال المغرب.