تميز تاريخ النضال المغربي ضد الاستعمار بين سنتي 1912 و 1956، بعدة مراحل، لكن السنوات القليلة التي سبقت الاعلان عن جلاء قوات الحماية الفرنسية عن البلاد كانت الأكثر عنفا، فقد تصاعدت العمليات الفدائية التي كانت ينفذها المقاومون، الذين كانوا غالبا منضوون تحت تنظيمات سرية.
لكن وإلى جانب أولئك كانوا يقاتلون من أجل مغرب حر، كان البعض الآخر يسعى لتحقيق أهداف أخرى، ومن بين هؤلاء أحمد الطويل "المقاوم" الذي بدأ حياته المهنية سائقا لشاحنة تنقل السلاح من القاعدة العسكرية الأمريكية بالنواصر إلى الدار البيضاء، قبل أن ينتهي به المطاف على رأس جماعة مسلحة نسبت إليها عدة جرائم قتل واغتيالات.
أحمد الطويل رجل فوق القانون
ولد أحمد الطويل سنة 1925، ولا توجد سوى معلومات قليلة عن بداياته، كل ما يروى عنه أنه كان "سائق شاحنة يحمل أسلحة القاعدة الأمريكية في النواصر إلى مدينة الدار البيضاء" حسب ما تحكي صحيفة الأخبار في مقال لها، آنذاك كان أحمد الطويل مؤسس الميليشيات التي تحمل اسمه، يساعد المقاومين من خلال توفير الأسلحة لهم "لكنهم وضعوا علامات استفهام كثيرة أمام المصدر الذي كان يحصل منه شاب بسيط على السلاح".
ومع حصول المغرب على استقلاله قرر القائمون على أمر تشكيل النواة الأولى للإدارة العامة للأمن الوطني، ضمه إلى صفوف الإدارة الجديدة سنة 1956.
لكن وإلى جانب عمله كضابط شرطة، كان يقوم بعمليات أخرى موازية، مع مجموعة أنشأها، وهي المجموعة التي أراد لها أن تكون متخصصة في نشر الخوف والإرهاب والقيام بأنشطة غير قانونية، بدءا من الاختطاف والاغتصاب إلى الاغتيالات.
ونقلت صحيفة "الأخبار" عن تقارير سرية أعدتها المخابرات الفرنسية التي كانت مهتمة بالمغرب وتفاصيل الجهاز الأمني المغربي مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، أن أحمد الطويل كان يقود مجموعة من العمليات الخارجة عن صلب العمل الأمني الذي يعمل داخله، وأصبح يستغل سلطته كـ"كوميسير" بالإدارة العامة للأمن الوطني.
البداية كانت من خلال عمليات اختطاف في الشارع العام لأناس لا علاقة لهم بأي عملية أمنية، وابتزازهم مقابل المال. وكان رجال فرقة أحمد الطويل يستغلون علاقتهم بالرجل، ويمتنعون عن أداء ثمن القهوة في المقاهي الشعبية التي اعتادوا الجلوس بها، بدعوى أنهم يعملون مع أحمد الطويل، كما أن بعضهم قام بعمليات اغتصاب وإكراه على ممارسة الجنس على فتيات، وكانوا يعمدون إلى اصطيادهن من الشارع العام. هذه المعطيات، تضمنتها تقارير سرية، كُشفت لاحقا، بعد أن كانت ممارسات أحمد الطويل ورجاله، تتم في الخفاء، ووصلت إلى مسامع الغزاوي، المدير العام للأمن الوطني في تلك الفترة، وقرر أن يكبح جماح أحمد الطويل. لكن الأخير كان قد بلغ من القوة مبلغا كبيرا، ومن النفوذ ما أمكنه به السيطرة على المسؤولين الكبار، ليصبح ورجاله فوق القانون".
وحسب ما يحكي الصحافي احمد ولد القابلة في مقال له حول "التنظيمات السرية بالمغرب" فقد أشاعت "ميليشيا أحمد الطويل" الرعب واستهدفت رجال الأعمال كما قامت "باغتيال مالك سينما شهيرة بالبيضاء، وكان محسوبا على الفقيه البصري وهو ما دفع الأخير إلى تكليف المقاوم رحال المسكيني باغتيال الطويل بعد خروجه من حفل زفاف، لكن مجموعة الطويل لم تنتظر سوى أيام لتقوم باغتيال المسكيني.
كما دخلت "ميليشيا أحمد الطويل" على الخط في الصراع المحتدم الذي دار بين "المنظمة السرية" و"الهلال الأسود" مما إلى اغتيال زعيم، "الهلال الأسود" عبد الله الحداوي إلى جانب ثلاثة من رفقائه ليلة السبت 29 يوليوز 1956.
ومن بين أعضاء "الهلال الأسود" الذين يشتبه في كون مجموعة الطويل اغتالتهم يمكن ذكر أحمد الشرايبي الذي حاول أعضاء المجموعة ضمه إليهم، لكنه رفض، و شعيب الزيراوي المقاوم صاحب أول تفجير في الدار البيضاء وقد اغتيل في 25 يوليوز 1956 بالدار البيضاء. كما ينسب إليها كذلك تصفية ثريا الشاوي، أول طيارة في المغرب العربي، وذلك في الفاتح من مارس 1956، علما أن والدها كان ينتمي لحزب الشورى والاستقلال.
"مليشيا أحمد الطويل" تغتال زعيمها
مع توالي حوادث الاغتصاب والاختطاف التي كانت تنفذها ميليشيا أحمد الطويل، والتي وقعت بعض الأسر النافذة ضحيتها، كان لا بد من وضع حد لطغيان الطويل.
وبحسب ما تحكي جريدة الأخبار فقد تلقت هذه الأسر وعودا مطمئنة بأن الطويل سيلقى جزاءه، بعيدا عن فضائح المحاكم. وبحسب المصدر ذاته فقد عملت المديرية العامة للأمن الوطني على تكليف أقرب الناس إلى الطويل بأمر تصفيته.
وتم الاتفاق على أن يتم اغتياله بينما يكون متجها إلى لقاء متفق عليه مسبقا، وفي الطريق وعند إشارة ضوئية حاصرته ثلاث سيارات، وبدأ أربعة أشخاص يطلقون النار عليه، ولم يتوقفوا عن ذلك إلا بعد أن تأكدوا أنه قد مات.
ومنذ ذلك الوقت لم يتم ذكر "ميليشيا أحمد الطويل" التي ربما اختفت نهائيا باغتيال زعيمها.