حتما منع المسيرة سيجعل هذا الأخير في المقدمة، مادام الصراع قد اتخذ صبغة هوياتية ودفاعية عن الحياة والعرض. محليا وهوياتية دفاعية عن الكرامة والمواطنة محليا ووطنيا: وهو ما تؤشر عليه المسيرات و الوقفات التضامنية في مختلف ربوع البلاد. لكن هذه المعطيات التاريخية في جزء منها والمغرقة في الذاتية تبقى مجرد فرضيات تفتقد للكفاية المنهجية التي لا تستقيم الا برد الذاتي الى الموضوعي ورد الموضوعي إلى بنيات وانساق كفيلة بالصمود امام الانحراف المعياري ووهم امتلاك الواقع والتحكم فيه. طالما ان المعيارية محايثة لكل بناء وهدم في الانساق والبنيات قديمها وجديدها. تاسيسا على ما سبق يبرز في التحليل بنية هوياتية تضامنية بين جيلية جعلت بعض الاحزاب وهيئات المجتمع المدني من قبيل الجمعية المغربية لحقوق الانسان؛ طبعا فيدرالية اليسار والنهج، حركة أمل...الخ قادرة على مواكبة تحولات مستحدثة وذات خصوصية وحساسية شديدة ثقافيا وسياسيا. وهي الهوية الصراعية بين الجيلية بما تحمله من ممكنات للبناء السياسي الديموقراطي ؛ على انقاض سيكولوجية جماهير الشباب...
إن المخزن لا يعرف سيكولوجية الجماهير المستعبدة في الهامش المغربي الذي مايزال يحتفظ بقيم ووعي هوياتي مرتبط بالنحن المضمرة والمقصية. وهي نحن (الشعب) تنتفض ضد الآخر (الدولة/الاستبداد/المخزن) كشكل من أشكال الانتصار للذات ضد الآخر الذي يتحول في زمن القمع والاستعباد إلى عدو محتمل. ولا يعرف ان الدولة بدأت تمثل لدى الجيل الجديد العدو. وهو تحول في القيم والرؤية الاجتماعية والسياسية حدث في وقت قياسي وفي زمن سياسي شديد الخصوصية؛ وجب على الدولة والنظام الإنصات له بعمق. لانه لا يعقل أن نحرق عقودا بأكملها من البناء بسبب عقم في المخيلة والبصيرة لأشخاص لن ينفع فيما بعد حتى اعترافهم بالخطأ.
ان تطورات المشهد السياسي بالمغرب. ومقابل بوار الحزبي وتحنط سياسيي الواجهة بات يعرف تحولات وطفرات رهيبة ليس أقلها انتصار جيل الشباب قيميا على النسق القيمي الأبوي البطريركي المؤسس على مرجعية الهيمنة والحجر. وهو ما جعل فكر الوصاية يدخل في مرحلة ممانعة قوية للتغيير؛ ليس ادناها انتصارهذا الجيل لقيم جندرية حطمت الحواجز بين الجنسين وباتت من ثم المراة أحد مكونات المشهد السياسي الشعبي المقاوم(كثافة حضور المرأة في حراك الريف وفي المسيرات الوقفات التضامنية في مختلف مدن المغرب) .من هنا فقدان مؤسسات الوساطة لقدرتها على البناء والتوجيه والتاطير راجع الى ان هذه القيم حاملة لفكر هيمنة ووصاية وحجر بات الجيل الجديد يرفضها. وقد أبان في الكثير من المواقف انه يحمل رؤية للعالم والأشياء أكثر انصافا وحداثة من جيلنا نحن الآباء باستثناء قلة من الذين تشبعوا بفكر حداثي ديموقراطي.او من الذين انتصروا لقيم الحياة والكرامة واستطاعوا تفهم تطلعات الجيل الجديد بما في ذلك اشتغاله القيمي والسلوكي على تفكيك الهيمنة الذكورية التي تأسست عل فحولة متخيلة في السياسة والاجتماع .
هكذا؛ فحراك الريف للمثال لا الحصر، طالما امامنا مثال الاطباء المتدربين والاساتذة المتدربين....الخ يعكس ما مدى تأثير هذا الجيل الجديد على جيل الآباء(الأبناء يقنعون الآباء بالاحتجاج). وكيف يمكن الحديث عن تفكيك منظومة السلطة الابيسية وقلب الادوار؛ لذلك فعطب المخزن والدولة هو عطب بنيوي مؤسس لفكر جيل وثقافة الحجر والوصاية. وهو ما يجب الانتباه إليه والإنصات لتطلعات جيل جديد انكسرت على صلابة تطلعاته كل القيم التقليدانية في عصر رقمي شديد الحساسية والخصوصية قبل فوات الاوان.
انه لم يعد ممكنا التعايش مع بنيات الفساد والإقصاء المجتمعي في عصر الصورة وثقافة التأويل. ولذلك وجب قراءة القرار الجماعي للمعتقلين بالاضراب عن الطعام في سياق وعي سياسي وثقافي جديد لا ينفصل عن رؤية المعتقلين بما فيهم سيليا للحياة التي بدون شروط المواطنة والكرامة تصبح نسخة عن الاستعباد وهو ما يرفضه الحراك ومن أجله خرج.
واعتقد ان على الجميع الإنتصار لقيم هذا الجيل وتفهم رؤيته للعالم والاشياء حتى نجعل من الحراك ومن الشباب مرحلة مهمة من البناء الديمو قراطي. أتمنى ان لا نضيع موعدنا مع التاريخ.