فلقد شاهد الكثيرون على مواقع النت أرملة ربان باخرة الداخلة وهي تبكي وتصرخ بصوت مرتفع، قائلة: "أنا كنوجه هاد الرسالة للملك: أ جلالة الملك رحنا مقهورين، راه تظلمنا فهاد لبلاد وتعذبنا، ورَجْلي خلوه بلا خدما وبغاوه يشهد بالزور صحا، هاهم قتلوه وصيفطوه لروضا، هاد الشي مشي معقول، حنا مزاوكين فيك، غيتنا يا جلالة الملك، راحنا كيحرقو فينا، ما عندي لا حنين ولا رحيم، هاد الشي مكيوصلوهش لك، المعقول مكيوصلوهش لك، كلشي كيخبيوه عليك، أنا براسي عطيت الدوسي لوزير الداخلية، بيديا فكروس مونانتانا، وطلبتو، وبكيت عليه، وقلتلو راجلي مظلوم، وشد من عندي الدوسي، وقال لي غادي نشوف المشكل، ونعيط عليك، واعطيتو النمرة، وعطيتو لكارط، وما دار ليا تاحق، مشا لوزارة ما كاين حق، مشا للمحكمة ماكاين حق، اللهم هاد الشي منكر، أنا مزاوكة فيك أجلالة الملك، تعتقني، راه حتى واحد ما بغا يبين لي حقي، أنا مزاوكة في الله وفيك، انت هو ملكنا، وحنا متنعرفوش شي حد من غيرك".
هل سمعت يا جلالة الملك بكاءها، وأنينها، وألمها، وهي تتوجه إليك، وتجادلك في ما حصل لزوجها، وما تعرض له من اضطهاد، فلم تبق أمامه من وسيلة لإيصال مظلوميته إليك، وإثارة انتباهك إليه، إلا إحراق نفسه بالنار، بعد أن شرب البنزين وسكبه على جسمه، لكي تلتهمه ألسنة اللهب بسرعة فائقة، تلتهمه من داخل جسمه ومن خارجه.
لقد اختار خالد قادر، كمكان لإنهاء حياته، مندوبية وزارة الصيد البحري بالداخلة، وواضح أن هدفه من اختيار هذا المكان، هو إشعارك، وإشعار الرأي العام بمسؤولية الوزير أخنوش عما لحق به من ظلم وعدوان.
وكانت زوجة الربان قد كشفت أن زوجها تعرض للتهديد والضغط عليه ومحاولة قتله، من أجل تغيير التقرير الذي أنجزه ووضعه لدى البحرية الملكية المغربية، بخصوص غرق السفينة التي كان يقودها؛ لأنه تقرير لن يمكّن الشركة المالكة للسفينة من الحصول على التأمين، واتهمت الزوجة مندوبية وزارة الصيد البحري المشرف عليها السيد أخنوش، وكذا الشركة المالكة للسفينة التي كان يشتغل عليها زوجها كربان لها، بالوقوف وراء ما تعرض له زوجها من تهديدات، وأشارت إلى أن السفينة تم إغراقها عمدا من طرف أحد العاملين بها.
جلالة الملك،
راسل الربان المتوفى الوزير أخنوش في هذا الشأن، وطالب بلقائه لكي يضعه في صورة الوقائع المتصلة بغرق السفينة التي كان يقودها، ولكن الوزير لم يهتم برسالته. إن هذه المأساة تبين أننا لسنا دولة مؤسسات، وإنما دولة الأشخاص.
إن هذه الدولة هي التي تشكل البنية الرئيسية للجهاز المخزني، وهي مؤلفة من العناصر التي لديها مصالح مشتركة في بقاء الحال على ما هو عليه، إننا أمام تحالف بين المخزن السياسي والإداري والمخزن الاقتصادي.
لقد انتقدتَ في خطبك الإدارة المغربية، واتهمتها بعدم تنفيذ تعليماتك، وانتقدت جهاز العدالة، والاختلال والشبهات التي تحوم حوله، وصفق المواطنون لخطبك، وللشجاعة التي تحليت بها في الإفصاح جهرا عما كان متداولا همسا، واستبشروا خيرا بذلك، ولكن يتضح، يوما بعد يوم، أن خطبك وتعليماتك لا يتم التقيد بها، وإنما تذهب أدراج الرياح، وتظل حبرا على ورق.
وفي الحالات النادرة التي يريدون خلالها التظاهر بأنهم ينفذون تعليماتك، فإنهم يقدمون للشعب كباش فداء يضحون بهم لامتصاص الغضب، ويكون هؤلاء الكباش في الغالب من صغار الموظفين؛ إذ تلصق التهم الكبيرة بهم دون غيرهم، كما حدث في مأساة الشاب فكري في الحسيمة، وفي قضية مّي فتيحة بالقنيطرة، وفي قضايا أخرى.
لقد قدمت يا جلالة الملك التعازي في وفاة الشاب فكري، وأرسلت وزيرك في الداخلية لمواساة أسرته، وإشعارها بوقوفك إلى جانبها في مأساتها تلك، غير أن السيد أخنوش، الوزير المكلف بملف الفلاحة والصيد البحري، لم يكلف نفسه عناء التوجه إلى الحسيمة للوقوف في عين المكان على الملابسات التي جرت فيها واقعة موت فكري، رغم أنها توجد في صلب اختصاصه ما دامت تتعلق بالصيد البحري.
إنه هو المسؤول السياسي والإداري الأول الذي كان مفروضا فيه، بحكم مسؤوليته هذه، أن يقدم، هو لا غيره، الحساب في شأن ما وقع لفكري، لكنه لم يفعل، وها هو يعيد الكرة من جديد مع القتيل خالد قادر؛ إذ لم يصدر عنه أي رد فعل، ولو حتى مجرد تصريح بسيط وعابر للصحافة حول الموضوع، وكأن شيئا لم يقع، وكأن لديه شعورا بالحصانة والاطمئنان التام من إمكانية التعرض لأية مساءلة أو محاسبة.
والأدهى والأمر في موت الربان خالد قادر هو أن السيد أخنوش توصل، بحسب زوجة الهالك، بملف متكامل حول الظروف التي كان يعيشها زوجها، والاختلال الذي يشوب قطاع الصيد البحري في الداخلة، الاختلال الذي كان وراء انتحاره. والأمر نفسه ينطبق على وزير الداخلية، فهو بدوره توصل بملف حول الموضوع ولم يحرك ساكنا.
وتبعا لذلك، ألا يمكن اعتبار تصرف كل من السيد أخنوش، والسيد حصاد، نوعا من الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، طبقا للفصل 431 من القانون الجنائي، إنهما تجاهلا، عمدا، مناشدات الرجل المتكررة، ورفضا الإصغاء إلى النداء الذي وجهه إليهما، والشعور بالظلم والألم يعتصر قلبه، مما دفعه إلى الإقدام على الانتحار، كَمَداً، وتعبيرا عن الاحتجاج على التجاهل الرهيب الذي خصا به الوزيران نداءه.
جلالة الملك،
نحن أمام وزيرين في قفص الاتهام، وتشير الأصابع إليهما في إخلالهما بواجبهما، فهل يعقل أن يصبحا وزيرين مجددا في حكومة العثماني؟ ألم يكن من الأفضل والأليق ألا يقدما ترشيحهما للوزارة إلا إذا تأكدت براءتهما مما نسب إليهما من إهمال أدى إلى انتحار مواطن؟ في دول أخرى يقدم الوزراء استقالاتهم لمجرد شبهات تحوم في قطاعاتهم، بالأحرى موت مواطنين أو انتحارهم في المؤسسات الواقعة تحت مسؤوليتهم.
جلالة الملك،
إن ما وقع لربان الباخرة خالد قادر لم يعد محصورا في قضية داخلية مغربية محضة، أصبحنا أمام هدية وقع تقديمها إلى أعداء وحدتنا الترابية لاستغلالها في تشويه صورة المغرب والتشهير به، والتشكيك في الجهود التي يبذلها للرفع من مستوى التنمية في تلك المناطق، وفي مسعاه إلى الانفتاح، واحترام حقوق الإنسان، وتوفير الرعاية والعدالة الاجتماعية لساكنتها.
ففي الوقت الذي كانت فيه أرملة خالد قادر تذرف دموعها مدرارا، وبحرقة، وتناشدك قائلة: "إنني سألاحقك يا جلالة الملك لأضع شكايتي بين يديك، لكي تأخذ لي حقي، وتنصفني"، لم نر، ولو حزبا سياسيا واحدا، أو زعيما، يتفاعل مع دموعها، ويعلن عن موقف مطالب بالتحقيق بشكل نزيه في مأساة زوجها؛ فهاجس هؤلاء الأول، ليس ما يعانيه المواطن أو المواطنة، ولكنه الحصول على النصيب الدسم من الكعكعة الوزارية المعرضة هذه الأيام للوزيعة. أما عن السكوت المطبق لرئيس الحكومة المكلف عن القضية، فحدث ولا حرج. إن المسؤولين السياسيين عندنا كلهم صم، بكم، عمي، إلا من رحم بي.
جلالة الملك،
إن هذه السيدة تخاطبك؛ لأن بيعتها في عنقك، ولأنك، حسب الفصل 42 من الدستور، أنت المؤتمن على حقوقها.
وكما تعلم، لما بويع أبو بكر الصديق للخلافة خطب في الناس قائلا: "أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت فيكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله".
أرملة خالد قادر والشعب المغربي ينتظرون منك رد حقها إليها، ومعاقبة المسؤولين عن الفاجعة.
مع كامل احتراماتي.
الرباط في 3 أبريل 2017