بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، إثر التوقيع على معاهدة إيكس ليبان، اعتبر جيش التحرير أن البلاد حصلت على استقلال شكلي، ورفض الاعتراف بنتاج اتفاقية إيكس ليبان، واستمر في القيام بعمليات عسكرية في العديد من مناطق المغرب.
اغتيال عباس لمساعدي
رفض جيش التحرير إلقاء السلاح، سيدخله في صراع مع أجهزة الدولة المغربية، ومع حزب الاستقلال الذي كان يتمتع بنفوذ كبير آنذاك، وفي 27 يونيو من سنة 1956، سيتم اغتيال قائد جيش التحرير محمد بن عبد الله ابن الطيب بن الحبيب المشهور بعباس مساعدي.
وكان حادث اغتيال عباس لمساعدي بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس وأحدثت تغيرا جوهريا في منطقة الريف، وفي 2 أكتوبر من سنة 1958 وخلال نقل جثمان عباس المساعدي من قبره في فاس، لإعادة دفنه بأجدير قرب مدينة الحسيمة، اندلعت مواجهات بين المشيعين من جهة وممثلين للدولة، وسرعان ما تحولت هذه المواجهات إلى انتفاضة في منطقة الريف، بعدما امتدت لتشمل مناطق أخرى.
ودعا آنذاك محمد الحاج سلام أمزيان إلى عصيان مدني ومقاطعة المخزن وحزب الاستقلال، ليتحول إلى رمز لهذه الانتفاضة.
إعلان الحسيمة منطقة عسكرية
في السابع من شهر أكتوبر من سنة 1958 تطورت الأمور، وتم الإعلان عن إنشاء حركة التحرير والإصلاح الريفية، وصاغت ملفا مطلبيا من أهم ما جاء فيه منح إقليم الريف حكما ذاتيا، وعودة محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى البلاد وجلاء الاستعمار وعملاءه عن الريف.
وأدى رفض الدولة لمطالب الحركة، إلى تغير هذه الأخيرة إلى جبهة النهضة الريفية، بعدما تحولت إلى تنظيم مسلح تحت قيادة الشريف الخمليشي.
بقيت العلاقة بين منطقة الريف والدولة المركزية متوترة، وفي 29 نونبر من سنة 1958 سيتم إعلان منطقة الحسيمة منطقة عسكرية، بموجب الظهير الشريف رقم 1.58.381 الصادر بالجريدة الرسميّة، عدد 2405، المؤرخ ب 17 جمادى الأول 1378/ الموافق ل 29 نونبر 1958، موقع من طرف أحمد بلافريج الذي كان رئيسا للحكومة المغربية.
وفي التاسع من شهر يناير من سنة 1959، أشرف ولي العهد آنذاك الحسن الثاني على إرسال فيالق عسكرية للقضاء على انتفاضة الريف، وتمكن الجيش المغربي الذي كان يقوده الجنرال أوفقير، من دخول مدينة الحسيمة في 16 يناير 1959.
اشتهرت العملية العسكرية المغربية بعنفها الشديد، ورح ضحيتها المئات، الذين دفنوا في مقابر جماعية لا زلت تعتبر معضلة حقوقية لحد الآن.
الحسن الثاني والأوباش
وبعد قمع انتفاضة الريف، دخلت مدينة الحسيمة وباقي المدن الريفية في مرحلة من التهميش الاقتصادي، الذي تجلى في غياب الاستثمارات العمومية في الصحة والتعليم، إضافة إلى إبقاء الدولة المغربية على عزلة المنطقة بغياب للاستثمارات على مستوى البنيات التحتية والطرق.
أجبرت هذه الوضعية سكان الريف إلى الهجرة بشكل كبير نحو أوروبا، وحسب إحصاء 1971، كان إقليم الحسيمة الثاني على المستوى الوطني (وراء الناضور) في نسبة المهاجرين، بنسبة 19 مهاجرا لكل 1000 نسمة.
كما أدى التهميش إلى نمو الأنشطة الموازية الغير الشرعية، وخاصة التهريب وزراعة وتجارة القنب الهندي.
وفي 19 يناير من سنة 1984، كان إقليم الريف على موعد جديد مع احتجاجات كبيرة، وذلك بعد اتخاذ الحكومة المغربية إجراءات اقتصادية (نتيجة لسياسة التقويم الهيكلي)، أدت إلى ارتفاع كلفة المعيشة.
وانتقلت هذه الاحتجاجات إلى مدن أخرى كالناضور وتطوان والقصر الكبير ومراكش ووجدة. وعلى غرار انتفاضة 1958، تم قمع احتجاجات بالقوة، ما خلف سقوط أربعة ضحايا في مدينة الحسيمة، حسب الرواية الرسمية المشكوك في صحتها.
بعد هذه الاحتجاجات خرج الملك الحسن الثاني عن صمته، وألقى خطابا مشهورا وصف فيه سكان الريف بـ"الأوباش" وقال " الأوباش في الناظور الحسيمة تطوان القصر الكبير، الأوباش العاطلين الذي يعيشون على التهريب والسرقة.. أنا أقول لكم الأوباش ذهبوا إلى السجن...ناس الشمال عرفوا ولي العهد (تذكير بقمع انتفاضة 1958)، ومن الأحسن لهم أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب".
تحول جذري
تغيرت سياسة الدولة اتجاه منطقة الحسيمة بعد تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في سنة 1999، وتم فتح العديد من الأوراش الكبرى على مستوى البنيات التحتية والتطوير العمراني لمدينة الحسيمة، لكن رغم هذا التغير ظلت المقاربة الأمنية حاضرة في تعاطي الدولة مع مطالب سكان المنطقة.
ومن أبرز مظاهر تغيير الدولة لسياستها تجاه الإقليم قيام الملك محمد السادس سنة 2000، بزيارة إلى مدينة الحسيمة، وهي الزيارة الأولى لملك مغربي منذ قمع انتفاضة سنة 1958.
خمس سنوات بعد ذلك وبالضبط في سنة 2005، أصدرت هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها الختامي، الذي أوصى بجبر الضرر الجماعي وصيانة الذاكرة التاريخية، إلا أنه لم يحدد المسؤوليات في ما يتعلق بأحداث 1958-1959 بالمنطقة، وصنفها في دائرة الصراع الحزبي، هو ما جعله محط انتقاد من قبل فعاليات حقوقية وأكاديمية.
وفي 20 فبراير من سنة 2011 تحولت الاحتجاجات التي دعت إليها حركة 20 فبراير إلى أعمال عنف في الحسيمة وبني بوعياش وإمزورن. ما خلف مقتل خمسة شبان، لا زال الجدل قائما بشأن الرواية الرسمية التي تفسر وفاتهم. وفي نهاية سنة 2016 فجر حادث مقتل شاب يعمل في بيع السمك احتجاجات شعبية انطلقت من الحسيمة لتعم العديد من المدن المغربية.