على امتداد يوم واحد التقى رئيس الحكومة المعين سعد الدين العثماني، بمقر حزب لعدالة والتنمية بالعاصمة الرباط، مثلين عن الأحزاب الأكثر تمثيلية في البرلمان، وهكذا التقى الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، وممثلين عن حزب الاستقلال، وعزيز أخنوش ومحمد ساجد عن حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، وادريس لشكر عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وكذا محمد نبيل بنعبد الله عن حزب التقدم والاشتراكية.
فهل تؤكد تحركات العثماني المكثفة، الخبر الذي نقلته العديد من وسائل الإعلام المغربية والذي تحدث عن إمهاله من قبل الملك محمد السادس خمسة عشر يوما من أجل تشكيل الحكومة؟ علما أن قياديين في حزب العدالة والتنمية رفضوا تأكيد أو نفي الخبر.
مهلة الخمسة عشر يوما؟
في تصريح لموقع يابلادي قال أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، عمر الشرقاوي، إنه يصعب تأكد خبر منح الملك مهلة 15 يوم للعثماني أو نفيه، مضيفا أن المؤكد "هو أن الملك قدم درسين منذ انتخابات السابع من أكتوبر، الدرس الأول هو أنه عين رئيس الحكومة يومين بعد إعلان الانتخابات، أما الدرس الثاني فهو تعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة بعد 24 ساعة من صدور بلاغ الديوان الملكي الذي تم بموجبه إعفاء بنكيران". ورأى الشرقاوي أن:
"الفكرة الأساسية من وراء كل هذا، هو أن الملك يولي اهتماما كبيرا للزمن الدستوري، وهذه رسالة سياسية تركت أثرا على الفاعلين السياسيين، فلا يمكن أن يسرع الملك بشكل كبير في التعيينات، بمقابل تأخر تشكيل الحكومة".
وتابع الشرقاوي أنه "رغم أنه لا يوجد أي شيء يفرض على الملك الاسراع بالتعيينات، إلا أن هذه الممارسة الملكية التي تحترم الزمن كان لها تأثير على ما يقوم به العثماني اليوم، كما يمكن أن يكون رئيس الحكومة المكلف قد تلقى تعليمات من الملك، فالوثيرة التي يسير بها العثماني تبين أن هناك رغبة في إعطاء الزمن مدلولا سياسيا".
ومن ناحية أخرى يضيف الشرقاوي "لا يجب أن ننسى أن هذه السرعة هي منطقية لأن العثماني كان شريكا في المفاوضات الماضية، فهو ليس رجلا جديدا في المفاوضات وبالتالي هو تتبع تفاصيل ما جرى في البلوكاج الأول".
من جانبه رأى محمد زين الدين أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في كلية الحقوق بالمحمدية أنه يمكن القول "إن سعد الدين العثماني لا ينطلق من فراغ، بل من الحصيلة التي قام بها بنكيران، هناك أرضية تشكل منطلقا للتفاوض بشكل عام. وهناك إلمام من العثماني بطبيعة التعثرات التي وقعت في عهد بنكيران". وتابع زين الدين أن:
"هدر الزمن السياسي من قبل بنكيران سيستغل بشكل جيد من قبل العثماني بالنظر إلى إلمامه بالتفاصيل خلال الخمسة أشهر الماضية، إضافة إلى أن هناك ضغط يمارسه الرأي العام، وهذا يدعو من ناحية الممارسة إلى القيام بمراجعة دستورية تشمل تدبير الحيز الزمني"
بدوره قال عبد الرحيم العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في تصريح لموقع يابلادي انه لا وجود لشيء مؤكد بخصوص منح العثماني أجلا محددا مضيفا أنه "من الناحية الدستورية لا يمكن أن يخضع رئيس الحكومة المعين لآجال محددة، وبالتالي كونه يشتغل بهذ الطريقة أمر عادي، وربما هي طريقة جديدة في الاشتغال من أجل تجاوز أخطاء التجربة السابقة".
ووصف العلام الجولة الأولى من المشاورات بأنها "جولة صغيرة عبر فيها عن حسن نيته مع الجميع، الجولة الثانية ستكون أطول وأعمق، ما تم البارحة هو فقط لقاءات لأخذ الصور لا أٌقل ولا أكثر ولا يمكن أن نسميها مفاوضات إطلاقا، وإنما هي تعبير عن حسن نية باتجاه الجميع". وواصل العلام حديثه للموقع قائلا:
"هناك إيحاء بأن هناك طريقة جديدة، أعتقد أن ما وقع ليس مرتبطا بآجال محددة، وإنما هناك أحزاب استدعيت لتكون أرانب سباق، من أجل الجلوس مع أحزاب أخرى، وأتوقع أن الأحزاب المعنية حقيقة بالمشاورات هي حزب الاستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية فقط، أما الأحزاب الأخرى فهي مجرد أرانب سباق".
هل هناك قطيعة مع المفاوضات السابقة التي قادها بنكيران؟
في إجابته على سؤال حول ما إذا كان العثماني قد انطلق من الصفر في مشاوراته قال الأستاذ عمر الشرقاوي "ليست هناك قطيعة بين المشاورات الأولى والحالية، ولكن هناك منهجية مغايرة قليلا، لا أظن أن العثماني بدأ من الصفر، هناك محاولة لتغيير المنهجية، لكن مع المحافظة على المضامين التي توصل إليها بنكيران". وتابع أن "المؤكد هو أن العثماني أراد أن يعدد هوامش الاحتمالات".
وبخصوص حديث كل الأحزاب السياسية التي التقاها بنكيران عن رغبتها في دخول الحكومة باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة قال الشرقاوي:
"الأطراف الأخرى ستكون ساذجة وغير منطقية إن عبرت عن مواقف أخرى، العثماني عبر عن أنه يريد أن يسمع للكل ويريد أن يتفاوض مع الجميع، وهذا الخطاب الجديد له أثُره السياسي، ما جعل الأحزاب ترد بنوع من الدبلوماسية، خصوصا وأننا أمام الجولة الأولى من المشاورات العامة التي لا توجد بها تفاصيل فطبعا الكل سيعبر عن رغبته في دخول الحكومة. وهذا ليس موقفا جديدا فهو مشابه لما وقع مع بنكيران في الجولة الأولى من المفاوضات".
وتابع أن "المواقف ستبدأ في الظهور خلال الجولة الثانية من المشاورات التي ستتطرق للتفاصيل فيما يخض العروض السياسية المقدمة".
وأكد الشرقاوي أن استقبال ادريس لشكر بمفرده وليس رفقة عزيز أخنوش ومحمد ساجد "لا يدل على أن التحالف الرباعي انتهي، ما حدث أمس مجرد جولة عامة، وعندما ستنطلق الجولة الثانية ستظهر التوجهات والمواقف".
أما الأستاذ محمد زين الدين فقال للموقع إن الذي تغير مقارنة بالمفاوضات التي أجراها بنكيران هو أن:
"الملك تدخل من أجل الحسم، وهو ما حمل إشارة سياسية ليس فقط للبيجيدي بل للأطراف الأخرى كي تتعامل بنوع من المرونة. التصلب في المواقف السياسية لا يعطي أكله، السياسة هي فن التوافقات النسبية وليس المطلقة".
وتابع زين الدين أن من بين العوامل التي ستعجل بميلاد الحكومة "الظرفية السياسية التي يمر بها المغرب فهناك أجندة كبيرة تقبل عليها البلاد".
أما عبد الرحيم العلام فقد قال في تصريحه للموقع إن المشاورات التي يجريها العثماني لا تشبه تلك التي أجراها بنكيران لأن "المرحلة السابقة أتت بعد حملة انتخابية وبعد صراع سياسي كانت أبرز ملامحه هو الخصام بين الغريمين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، وحتى لو كان العثماني آنذاك هو الذي سيشكل الحكومة طبيعي جدا ألا يجلس مع البام لأن الأمر كان سيشكل استخفافا بمشاعر مجموعة من الناس الذين صوتوا للحزبين". وتابع:
"اليوم كلما ابتعدنا عن محطة 7 أكتوبر كلما تم نسيان هذا الأمر وخفت حدته، أعتقد أن الذي تبدل هو الابتعاد عن محطة السابع من أكتوبر. عنصر الفشل الذي واكب المرحلة الأولى، أكيد أنه سيكون بين أعين الجميع سواء المؤسسات الرسمية أو الحزبية".
أهم السيناريوهات
بخصوص السيناريوهات المتوقعة قال الشرقاوي إن "البلوكاج الماضي غير الميزاج السياسي للعدالة والتنمية، بحيث غير الحزب مواقفه المتصلبة اتجاه بعض الأحزاب، وظهر هذا من خلال استقبال البام، وإن كان هذا الاستقبال شكليا فإن له دلالاته السياسية". وقال الشرقاوي أيضا:
"أظن بأن العثماني يملك الفرصة كي يشكل الحكومة، بعيدا عن الاشتراطات التي وضعها الحزب وأصر عليها بنكيران، أظن أن العثماني شيشكل الحكومة إن بقي بعيدا عن الضغوطات الحزبية، ولا أظن أن الاشتراطات التي وضعها البيجيدي ستبقى صلبة في المشاورات الجديدة، وسيكون هناك نوع من المرونة".
ورأى أن العثماني يملك ثلاثة خيارات، "الخيار الأول يتمثل في تشكيل الحكومة من أحزاب الأغلبية السابقة، أما الخيار الثاني فهو إضافة الاتحاد الاشتراكي إلى الأغلبية السابقة، وثالث الخيارات هو إشراك البام وهو خيار ضعيف".
فيما رأى الأستاذ زين الدين أنه "لا يمكن للخلاف بشأن حزب واحد أن يبقي البلاد جامدة، يمكن الاقتصار على الأغلبية السابقة، مع الإبقاء على الاتحاد الاشتراكي في الانتظار، إلى حين القيام بتعديل وزاري، وهو ما سينقذ ماء وجه العدالة والتنمية، وكذا حزب التجمع الوطني للأحرار". وتابع أن
"سبب التعثر الظاهري في تشكيل الحكومة هو حزب الاتحاد الاشتراكي، والآن يمكن أن يتم الاكتفاء بالأغلبية السابقة لتشكيل الحكومة. الأغلبية السابقة كاملة هي الخيار الأفضل، هذه هي الوصفة العادية والاتحاد الدستوري لا يطرح مشكل".
من جانبه قال العلام "لاحظنا أن ادريس لشكر يرفض التفاوض بالنيابة في إشارة ربما لعزيز أخنوش لكي يتوقف عما كان يقوم به، وهو ما قد يكون إشارة للعدالة والتنمية يؤكد من خلالها أن حزبه ليس في جيب أحد". وتابع أن:
"حزب الاستقلال عاد إلى دائرة المفاوضات بعدما كانت هناك خطوط حمراء عليه اليوم لم تعد هذه الخطوط الحمراء موجودة، خاصة معى تواري وعودة شباط إلى الخلف، وتقديم أشخاص آخرين، قادمين من بيئات أخرى، لأن السلطة ربما تريد أن تحدث توازن معين داخل الحكومة، لأنه هناك اليوم توجه نحو زحف العنصر الأمازيغي، ولا يعقل أن يستمر الوضع هكذا، ولا بد من عودة العنصر الفاسي والعنصر الصحراوي إلى الحكومة. وحزب الاستقلال سيضمن للحكومة توازنها".