كيف تنظرون لقرار إبعاد بنكيران من منصب رئاسة الحكومة؟
دائما الإخراج عندما يكون مغرضا يحاول أن يخفي حقيقة المشكل، ولذلك المشكلة ليست في بنكيران، وليست حتى في العدالة والتنمية، رغم أن بنكيران يبقى شخصية مهمة، والحزب أيضا مهم جدا. المشكلة أكبر من هذا بكثير، هي مشكلة نكسة وردة في مسيرة تراكم منجزات الانتقال الديمقراطي، وبالتالي ما وقع هو التفاف أو حتى انقلاب سياسي على الدستور، ولكن بإخراج متقن يبدو فيه وكأن هناك مشكل مفاوضات، وأنه تم إعطاء الوقت الكافي لبنكيران، والحال أن الذين تفاوضوا مع بنكيران لم يكن هدفهم تطبيق الدستور ولا حل المشكل السياسي أبدا، والذين يوجهونهم أيضا ليس هذا هو هدفهم، ولو توفرت الإرادة لأعطي لهم الأمر ولدخلوا إلى الحكومة في الأسبوع الأول.
إذن أين تكمن المشكلة؟
أسبوع أو خمسة أشهر أو سنة، ليست هذه هي الإشكالية، الموضوع هو هل هناك إرادة من طرف الفئات والطبقات والقوى التي كانت تستفيد من وضع ما قبل 2011، والتي قامت بانقلاب 2002 ضد عبد الرحمان اليوسفي، وقامت بانقلاب قبل ذلك في الستينات على حكومة عبد الله ابراهيم.
ولذلك فالأمر يتصل بمشكلة الانتقال الديمقراطي، الطرف الرجعي والفرانكفوني لا يريد المسير إلى الأمام، هو يضطر بين الفينة والأخرى للانحناء للعاصفة، ويبدو آنذاك مستجيبا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، غير أنه بعد لك يعود إلى قواعده سالما.
القوى المضادة للديمقراطية، والتي أعتبرها رجعية فرانكفونية، والمتكتلة في حزب فرنسا وعقلية المخزن، هي قوى مجتمعة ولها مركز قرار رغم تعدد أسمائها، ولكن القوى الديمقراطية غير متكتلة ومخترقة، فالمستهدف ليس فقط بنكيران وحزب العدالة والتنمية، إنما هي القوى الديمقراطية
وحزب الاستقلال مستهدف أيضا لأنه تخاض ضده حرب من داخله، وما يقع له جزء من هاته المعركة، لأن حزب الاستقلال وقع منذ البداية إقصائه ثم وقع بث الفتنة داخله من قبل أصابع الإدارة .
وهناك أيضا مخطط لاختراق حزب العدالة والتنمية، عن طريق اصطناع تناقضات بين بنكيران وبين زعامات أخرى، الآن بنكيران يبحثون له عن بنعرفة، وبالطبع هذا سيحدث الفتنة داخل حزب العدالة والتنمية بنفس الدرجة التي يستهدف بها حزب الاستقلال، إذن المطلوب من المضطهدين ومن المظلومين ومن المستهدفين موضوعيا هو الاجتماع في تكتل ديمقراطي له مشروعية تاريخية ومشروعية شعبية، و يترك بعد ذلك المجال لمن يقبل الالتحاق بمعركة استكمال الانتقال الديمقراطي.
هل قرار الإعفاء يجد له سندا في الدستور المغربي؟
الدستور والقانون عموما يشبه المطاط يتمدد وقت الحاجة، والقوانين عموما سواء كانت سامية أو تشريعية أو تنظيمية الجوهري فيها هو حسن النية، لأن عندما توضع ويقع عليها التوافق بالإجماع، فما يجمع المتوافقين هو حسن النية، وهذه مسألة مبدئية في تنزيل وتأويل القوانين، عندما يظهر أن طرفا ما مغرض فإنه يؤول الدستور أو يطبقه في النوازل تصريفا بسوء نية وعندئذ يفقد روحه.
هل لا زالت أوراق بيد حزب العدالة والتنمية وبنكيران بعد القرار الملكي؟
يقول المثل العربي "كل الصيد في جوف الفرا"، بنكيران يمسك الأوراق كلها بيديه، معه الجماهير ومعه الدستور ومعه المنطق الدولي، ومعه الحزب...، وبالتالي كل من يريد أن يتصدى له يحرق نفسه، الحكومة منحته شرعية كبيرة، والانتخابات أعطته شرعية أكبر. الرجعية تحفر قبرها بيدها هي التي صنعت بنكيران، بنكران بالأمس القريب لم يكن معروفا، وكانت تتصور أنها بعد أن قضت على عبد الرحمان اليوسفي وعلى الأموي وعلى اليسار أن الأمر انتهى، لكنه خرج لها من حيث لا تحتسب.
الرجعية عبأت فرنسا والإمارات العربية المتحدة والرأسمالية، والإدارة المغربية، غير أن كل ذلك يزيد من شعبيته، وهذا القرار الأخير يضاعف شعبيته، فبالتالي ما يهربون منه يقعون فيه.
ما بعد هذا القرار الوضع سيء جدا، لأنه يوجد انحراف وردة، ويجب أن نقرأ الأحداث بمنطق سيميائي وليس بمنطق سياسي، لأنه إن أخدنا الأمور في ظاهرها، فكل شيء عادي، ولكنها في حقيقة الأمور ليست عادية بالبت والمطلق.
بعدما عاد الملك إلى أرض الوطن كان من المفروض أن تعود الأمور إلى نصابها، فإذا بذلك الذي له الشرعية وتنازل تنازلات لا حصر لها، هو الذي يُطلب منه ليس التنازل، لكن إلغاء نفسه وتفجير الحزب من داخله، والظالم الذي يطالب بما ليس له، ويتصرف وكأنه هو الذي انتخبه الشعب، هو الذي تعطى له التزكية.
هذا شيء غير معقول والشعب لن يقبله، نفسيا الجماهير ستحس بنكسة. بمجهود جبار أعيد الشعب إلى السياسة، وابتعد عن التطرف وعن اللامبالاة تدريجيا، فإذا به يراد للجماهير أن تعود إلى التطرف وإلى العنف وطبعا القوى الرجعية تعيش وتحيى في التوتر وفي شروط غير مستقرة وغير آمنة ومضطربة، أما الديمقراطية فتقضي عليها.
المخطط العولمي، مخطط الفوضى العارمة، بدأ يطل برأسه على المغرب، وإلا ما معنى أن تبقى الدولة من دون حكومة لمدة خمسة أشهر، أليست هذه هي الفوضى؟