طفا الخلاف حول ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر، منذ السنوات الأولى لنيل الجزائر استقلالها عن فرنسا، وطالب المغرب الحكومة الجزائرية بالامتثال للاتفاق الذي وقعته الحكومة الجزائرية المؤقتة مع المغرب، وما بين 13 و15 مارس توجه الملك الراحل الحسن الثاني إلى الجزائر العاصمة من أجل مناقشة هذه المسألة مع رئيس الوزراء الجزئري أحمد بن بلة.
فقبل استقلال الجزائر بفترة وجيزة وفي السادس من شهر يوليوز من سنة 1961، عقدت المملكة المغربية، اتفاقا مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بعد مفاوضات طويلة، وورد في هذا الاتفاق بحسب ما جاء في المجلد السابع من سلسلة "مذكرات من التراث المغربي" أن "حكومة صاحب الجلالة ملك المغرب ستتعرض بجميع الوسائل لأية محاولة تقسيم التراب الجزائري أو اقتطاع جزء منه...".
بالمقابل اعترفت الحكومة الجزائرية المؤقتة "بأن المشكلة الترابية الناتجة عن الحدود التي فرضتها فرنسا بصورة تعسفية بين البلدين ستجد حلها بالمفاوضة بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر المستقلة...وأن الحكومة المؤقتة الجزائرية تؤكد بأن الاتفاقيات التي قد تبرم إثر المفاوضات الفرنسية الجزائرية لن يحتج بها على المغرب فيما يتعلق بتحديد الحدود بين الجزائر والمغرب".
وأكدت الحكومتان على هذه الالتزامات "بإنشاء لجنة مغربية جزائرية تجتمع في أٌرب الآجال لدراسة هذه المشكلة وإيجاد حل لها بروح الأخوة والوحدة التي يتميز بها المغرب العربي".
وسبق لرئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة بنيوسف بن خدة أن أكد في تصريح بالعاصمة الرباط في أوائل شهر يناير من سنة 1962، التزامه بالاتفاق الموقع مع المغرب بشأن ترسيم الحدود.
وبعد استقلال الجزائر ألح الملك الحسن الثاني على ابن بلة الشروع في إجراء محادثات حول مشكلة الحدود، ورد الرئيس بنبلة بحسب ما جاء في نفس المجلد من "مذكرات من التراث المغربي" بالقول "أطلب من جلالتكم أن تتركوا لي من الوقت ما أقيم فيه المؤسسات الجزائرية، وأصبح رئيسا للدولة الجزائرية، وأضبط أمر حزب المعارضة، وحينئد، وحوالي شهري شتنبر وأكتوبر، ستكون لي الصلاحية والسلطة الكاملة اللتان تمكنانني من فتح ملف الحدود معكم. ولا جرم أن الجزائريين لا يعتبرون أنفسهم مجرد ورثة لفرنسا فيما يتعلق بالحدود الجزائرية...".
وبعد ذلك قرر الحسن الثاني أخد زمام المبادرة والتوجه شخصيا إلى العاصمة الجزائرية، من أجل مناقشة مشكلة الحدود مع المسؤولين الجزائرين، غير أن هذه الزيارة لم تسفر عن نتائج ملموسة.
الحسن الثاني بجانب بنبلة في 15 مارس 1963
وبعد أن تمكن ابن بلة من الإمساك بزمام الأمور في الجزائر، تراجع عن الاتفاق الذي سبق للحكومة الجزائرية المؤقتة أن أبرمته مع المغرب، ورفض فكرة كل تفاوض حول التنازل عن أي أرض "حررت بدماء الشهداء" للمغرب، بل ورأى الجزائريون في المطالب المغربية تدخلا في الشؤون الداخلية لبلادهم.
وتوترت العلاقات بين البلدين بعد ذلك، إلى أن وصلت إلى الصدام المسلح، ففي شهر أكتوبر من سنة 1963، كان البلدين الجارين على موعد مع أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما أطلق عليها حرب الرمال، وانتهت بوساطة من منظمة الوحدة الإفريقية، حيث توصل البلدان لاتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964 في مدينة باماكو عاصمة مالي.
ورغم انتهاء هذه الحرب إلا أنها خلفت توترا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية، فبعد 13 سنة وبالضبط في 27 من شهر يناير من سنة 1976 تجددت المواجهات بين جيشي البلدين في واقعة أمغالا.