نعم الديمقراطية لها ميزاتها وحسناتها ونقط قوتها الكثيرة ولكن لها أيضا نقاط ضعفها . فالديمقراطية قد تكون تجسيدا لإرادة الأغلبية ولكنها قد تشكل آلية لوصول جماعات أو حكام متطرفين أو ذوي الميول العنصرية والفاشية اللذين يستعملونها ليصلوا إلى السلطة والانقلاب عليها . قد تكون تجسيدا لإرادة وخيارات الأغلبية من دون سحق الأقلية أو الدوس واجهاض حقوقها ومصالحها وقد تأتي بمن يستعمل المال والإعلام وينجحون في استقطاب النخب من أجل توظيف الديمقراطية كقنطرة و صهوة ممتطات من أجل سحق الإرادة الشعبية والدوس على حقوق الأغلبية ومصادرة حقوقها بالمناورة والكيد والدسائس من أجل استمرار حفنة من المنتفعين في الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم بسحق مصالح من انتخب عليهم وأوصلهم لقبة البرلمان ولسدة الحكم .
في أمريكا حيث هناك نظام رآسي، يتمتع الرئيس بالكثير من الصلاحيات تساعده على اتخاذ القرارات من دون الرجوع إلى البرلمان، قام الرئيس المنتخب دونالد ترامب باتخاذ قرار منع مواطني سبع دول إسلامية من الدخول والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فعارضه قضاة فدراليون وقضاة الإستئناف ورفضوا مرسومه باعتباره يمس بجوهر الدستور الأمريكي ومنافي للقانون الدولي وأبطلوا مفعوله وفرضوا على الرئيس الأمريكي التفكير في سبل أخرى لتطبيق وعوده في ما يخص هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية . .
أما في البرازيل فهناك نظام برلماني حيث إن للبرلمان صلاحيات تساعده على اتخاذ القرارات بما في ذلك عزل الرئيس . في هذا البلد الحديث العهد بالديمقراطية وحيث الفساد مستشري بشكل كبير في كل مرافق الدولة بما فيها البرلمان ، قام مجلس الشيوخ حيث يهيمن الفاسدون الذي لم يتورعوا في شراء الأصوات بالمال والترهيب والترغيب وشراء ذمم بالاطاحة بالرئيسة اليسارية ديلما سيلفا المنتخبة ديمقراطيا بحجة اتهامها بالفساد وهي تهمة لا يمكن البت فيها إلا من طرف قضاء متخصص وعين بديلا عنها رئيسا بالنيابة أقل ما يقال عنه أن سجله ثقيل في مجال الفساد .
لست هنا في موقع المفاضلة بين النظامين : الرآسي و البرلماني ، ولكن أريد أن أكرر ما قلته مرارا وتكرارا وهو أن الديمقراطية تحتاج لقيم ومبادئ مُؤسِّسة للديمقراطية، ولدستور ديمقراطي، ولنخب وأحزاب ديمقراطية مواطنة مقتنعة حد اليقين بهذه المبادئ والقيم والأعراف، ومجتمع مدني متشبع بالديمقراطية، وشعب على قدر من الوعي واليقظة تمنعه من بيع صوته أو الخضوع للتضليل الإعلامي الخ .. وتحتاج بالدرجة الأولى إلى الفصل بين السلطات فصلا حقيقيا وخصوصا سلطة القضاء الذي يرافع فيه قضاة شجعان يحترمون مهنتهم ويقدرون مسؤولياتهم في الدفاع عن المؤسسات والدساتير والنصوص المؤسسة للديمقراطية . . . .
هذا الفصل الحقيقي بين السلط الذي جعل القضاء حرا مستقلا ونزيها هو ما ميز النظام الأمريكي عن البرازيلي بالرغم أن النظام الأمريكي رآسيا والبرازيلي برلمانيا .