القائمة

الرأي

في الرد على السؤال : لمن تتسلح الجزائر؟

بدلالة السباق المجنون على التسلح بين المغرب والجزائر يعتقد بعض المختصين في شؤون المنطقة بأن البلدان يستعدان لحرب بينهما ، ستكون حتما حربا مدمرة وكارثية على الطرفين اللذان سيفكران مليون مرة قبل اشعال فتيلها خصوصا في ظل الوضع الداخلي الجزائري الذي يعيش على إيقاع ترتيبات ما بعد رحيل الرئيس بوتفليقة وفي ظل وضع مغربي وجزائري معقد تعقيد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتعقيد الأزمة الاقتصادية العالمية .

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

كل شيئ وارد طبعا ، ولكنني أستبعد كثيرا جدا اندلاع هذه الحرب !. وأكاد أجزم أن السباق على التسلح بين المغرب والجزائر يستهدف أمران :

الأمر الأول ، الردع، و لهذا تحرص كلتا الدولتين على توجيه رسائل لبعضهما البعض بين الفينة والأخرى ملخصها أنهما يملكان من التسلح كميا ونوعيا ما يجعل تفكير أحدهما في شن حرب على الأخرى ضربا من الجنون ستكون عواقبه خطيرة و محفوفة بالمطبات والمنزلقات وغير مأمونة المآلات. فالبلدان يعرفان جيدا بأن مثل هذه الحرب لو اندلعت فلن يكون فيها حسم لهذه الجهة أو تلك بحكم توازن القوى وبحكم الاستقطاب العالمي والمصالح الدولية . ويعرفان طبعا أن الانعكاسات السلبية لمثل هذه الحرب ستطال ليس فقط المغرب والجزائر، بل أيضا ضفتي البحر الأبيض المتوسط وعمق الغرب والساحل الإفريقي و الصحراء الكبرى . وطبعا من نافلة القول التذكير أن القوى العظمى وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين لن يسمحوا أبدا بنشوب هذه الحرب نظرا للتهديدات الأمنية التي ستترتب عنها وتهديدها المباشر للمصالح الاقتصادية والجيوإسترتيجية للقوى العالمية.

الأمر الثاني ، إن إقدام الدولتين بين الفينة والأخرى على تسريب أخبار عن إبرام صفقات كبيرة من السلاح النوعي ما هو إلا محاولة من المغرب أو الجزائر لتقديم نفسه ، للقوى العالمية المهتمة بالمنطقة، كشريك أساسي في ضبط السلم والأمن العالمي في هذا الإقليم الملتهب ولاثبات جدارته في أن يكون القوة المحورية فيه ، قوة قادرة على ضبط وترتيب محيطها وبما يساعد أيضا في الحرب العالمية ضد الإرهاب والجريمة المنظمة.

وإذا كانت الجزائر قد سبقت لهذا الأمر بحكم سياستها الخارجية النشطة ، فإن المغرب ومنذ نصف عقد قد دخل مجال التنافس معها وهذا ما يفسر حرص الجزائر على ابعاد المغرب من التحالف الإقليمي ضد الإرهاب في بلاد الساحل والصحراء الكبرى ويفسره محاولة المغرب اختراق عزلته وتطويقه في هذه المنطقة الحساسة بالتحرك الديبلوماسي المدعوم اقتصاديا والذي قاده ملك المغرب في اتجاه إفريقيا عموما والسينيغال ومالي وبعض دول الساحل والغرب الإفريقي خصوصا ، تحرك توج باتفاق بين أطراف الصراع في مالي الشيئ الذي لم تستصغه الجزائر فعمدت إلى إسقاط الاتفاق بين الآزواد والطوارق من جهة والحكومة المركزية في مالي من جهة أخرى ومحاولة استبداله باتفاق جديد تشرف هي عليه . وهو ما رد عليه المغرب بسياسة إفريقية طموحة متعددة أوجه ومجالات التعاون مع العديد من الدول الإفريقية والعودة إلى منظمة الوحدة الإفريقية . أي إن كل تحرك إفريقي يهدف إلى تقوية الدور الإقليمي أو القاري لأحد البلدين كان يواجه فورا بتحرك معاكس في نفس القوة والدلالة من الطرف الآخر .

طبعا لا بد من التنويه أن هناك تحولات جيواستراتيجية عالمية متسارعة ولعل معالم نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب قد بدأت تلوح في الأفق وهناك بالتأكيد قلق أمريكي وغربي على الوضع في الغرب الإفريقي وبلادالساحل والصحراء الكبرى وعلى الوضع في عموم إفريقيا الشمالية و لهذا قد لا يمانعون في بروز قوة أو قوى إقليمية تحديدا في المنطقة المغاربية أو تعاون إقليمي في شمال إفريقية لمواجهة خطر الإرهاب والجريمة المنظمة والمساعدة على ضبط الأمن والسلم الإقليمي.

وإذا كان الشيء من الشيء يذكر فإن الحكومة المغربية القادمة مطالبة بخصوص سياستها الإفريقية أن تعمل من خلال شعار : " من أجل أن يكون مغرب قوة إقليمية في الشمال وغرب إفريقيا " وهو ما سيترتب عنه مجموعة من الإجراءات الضرورية في المرحلة القادمة منها :
- التسريع في وتيرة إعادة المغرب إلى المنتظم الإفريقي ليلعب دوره المحوري إفريقيا ،
- إعادة الدفأ للعلاقات المغربية الموريتانية وتطويرها على كل الأصعدة باعتبار هذا البلد ممرا طبيعيا وصلة وصل بين المغرب والغرب الإفريقي من جهة وبين المغرب وبلاد الساحل من جهة أخرى،
- تعزيز علاقة التعاون في مختلف المجالات ومن بينها طبعا العلاقات الثقافية والاقتصادية بين المغرب والدول الإفريقية عامة وبين المغرب ودول الغرب الإفريقي وبلاد الساحل خاصة ،
- إعادة الدفأ والحياة للاتحاد المغاربي ،
- استغلال الرأس مال اللامادي للمغرب باعتباره مركز اشعاع ديني سني مالكي وصوفي وباعتبار المكانة الرمزية الدينية التي يحضى بها علماء وفقهاء المغرب وحواضره التاريخية كفاس ومراكش وباعتبار السمعة والرمزية الدينية التي كانت دائما لملوك المغرب في منطقة الغرب الإفريقي وبلاد الساحل والصحراء الكبرى ،
- توظيف الامكانيات المادية والكفاءات البشرية المغربية في مختلف المجالات : في الصيد البحري والفلاحة والصناعة والتجارة لتوطيد العلاقات مع الدول الإفريقية ودعم الوجود المغربي بهذه الدول ،
- التفاعل مع مختلف انتظارات الشعوب والدول الإفريقية وتبني قضاياهم العادلة ،
- تعزيز دور المغرب كوسيط لحل المشاكل الداخلية للدول الإفريقية و البينية بين دولها ،
- تعزيز دور المغرب كبلد يساهم في تكوين الأطر والكفاءات للدول الإفريقية ،

هذا بعض من ملامح البرنامج الحكومي الذي نأمل من خلاله تحويل المغرب إلى محور حقيقي تتمحور حوله العديد من دول القارة الإفريقية . الطريق لن يكون سهلا بوجود المنافسة القوية من طرف الجزائر ولكن هذا قدر المغرب الذي لن يستطيع الفرار منه . إنه التحدي الكبير ونحن شعب لا نخاف التحدي .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال