فعلى ضوء التطورات الأخيرة لهذا الملف، ما هي القراءة التي يمكن إعطاءها لمسلسل الأحداث الأخيرة، وما هي السيناريوهات الممكنة التي يمكن أن تؤول إليها الأوضاع في المنطقة، وما السبيل للحل الجدري والنهائي لهذا الصراع.
1- قراءة تحليلية للأوضاع الراهنة
1.1- الأزمة الجزائرية:
على إثر الأزمة النفطية الحالية التي يشهدها العالم أصبحت جل البلدان المصدرة للنفط في مهب الريح بمن فيهم الجارة الشرقية التي أصبح اقتصادها مريضا يئن تحت وطأة انخفاض أسعار البترول وفقا لآخر التقديرات الصادرة عن البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين دقا ناقوس الخطر بخصوص الوضعية المالية المتأزمة لهذا البلد نظرا للانخفاض الحاد في قيمة العائدات النفطية الشيء الذي أثر بشكل كبير على توازناتها الماكرو-اقتصادية. لهذا فقد حذر البنك الدولي في تقريره الأخير الجزائر من خطر استنزاف معظم مدخراتها من العملة الصعبة إذا ما استمرت في سياساتها الحالية.
زد على ذلك بعض الاختلالات الأخرى المتعلقة بتفاقم عجز الميزانية والحساب الجاري، تراجع قيمة الدينار الجزائري، ارتفاع نسبة التضخم، ارتفاع نسبة البطالة، إلخ...مما اضطر السلطات الجزائرية إلى اللجوء إلى بعض الإجراءات الاستعجالية بهدف إيجاد موارد إضافية وسعيا منها للحد من آثار الأزمة كرفع الدعم والزيادة في الأسعار بعض الخدمات والمواد الاستهلاكية (الكهرباء، الماء، الوقود...)، فرض رسوم ضريبية جديدة على بعض المواد، الرفع من الرسوم الجمركية، خوصصة بعض المؤسسات البنكية، توقيف الاستثمار العمومي وتعليق جميع المشاريع المبرمجة.
غير أن هذه التدابير التقشفية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية تظل مجرد حلول آنية، كما أنها إجراءات غير شعبية وذات تكلفة اجتماعية مرتفعة ونتائجها سوف تكون وخيمة على المدى المتوسط إن لم ترافقها إصلاحات جذرية وعميقة. كما أن هذه الإجراءات تعتبر غير كافية لسد الخصاص الحاصل في ميزان الأداءات، حيث أن 97% من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة مصدرها المواد النفطية في حين أنها تحتاج في المقابل إلى استيراد ما يفوق 70% من احتياجات مواطنيها. مما يحتم على الجزائر أن تبيع نفطها بسعر يفوق 100 دولار للبرميل إن هي أرادت أن توازن ميزانيتها.
فالجزائر تعد بلدا أحادي الصادرات حيث تمثل المواد النفطية جل صادراتها، هذا في غياب أية استراتيجية حكومية استعجالية للحد من آثار الأزمة والعمل على تنويع الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كلي على العائدات النفطية. غير أن ما يثير الدهشة ويبعث على الاستغراب هو أن الجزائر لم تستفد من البحبوحة المالية التي عرفتها طوال السنوات الماضية لتنويع اقتصادها والقطع مع اقتصاد الريع. فالحكومات الجزائرية المتعاقبة فشلت، منذ أكثر من نصف قرن في بناء اقتصاد قوي خارج قطاع المحروقات يجنب البلاد الهزات الاقتصادية والأزمات المالية.
والنتيجة اليوم مع انهيار أسعار النفط أن احتياطات الصرف أصبحت تتآكل (ومعها معدل تغطية الصادرات للواردات الذي انخفض إلى النصف خلال الثلاث سنوات الأخيرة)، والحكومة الجزائرية صارت تراهن على الحلول الترقيعية بهدف الحصول على مداخيل جديدة من جيب المواطن المقهور، الذي أصبح هو من يتحمل عبأ الأزمة ويكتوي بنار الزيادات والتدابير المتخذة، مما يحث الحكومة على القيام بمزيد من الإصلاحات بغية الحد من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ونظرا لتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت الجزائر على صفيح ساخن حسب آخر التقارير كالتقرير الأسود الذي أصدره جهاز الدرك الجزائري، والذي أبرز أن الجزائر أضحت على شفا حفرة من النار وأنها تعيش حالة حرب داخلية غير معلنة في ظل التعتيم الإعلامي المفروض من طرف وسائل الإعلام الرسمية. فقد بدأ الشارع ينتفض ضد السلطة القمعية والفساد المستشري في جميع المجالات تعبيرا منه على معاناته جراء السياسات الفاشلة المتبعة والتي سوف تودي بالبلاد إلى الهاوية.
ونظرا للسنوات العجاف التي تنتظر حكام الجزائر فقد شهدت الساحة السياسية الجزائرية بعض التحركات لترتيب الانتقال السياسي للسلطة، في ظل تدهور الحالة الصحية للرئيس الحالي بالإضافة إلى التعتيم والتضليل الإعلامي الممنهج الذي يحيط بمرضه رغم أن بعض الأنباء تفيد أنه انتقل إلى عفو الله منذ مدة طويلة وسط تكتم النظام وذلك بهدف الترتيب لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية فإن المعيقات التي تحول دون انتقال سلس للسلطة سوف تكون أكثر حدة نظرا لأن نظام العسكر في الجزائر سوف يسعى إلى الحفاظ على جميع الامتيازات الحالية التي يتمتع بها للخروج بأقل خسائر ممكنة. ومن المتوقع أن تشهد الساحة السياسية الجزائرية صراعات عنيفة وتجاذبات حزبية قوية والتي من المتوقع أن تصاحب الانتقال السياسي في ظل سياق إقليمي ودولي متأزم ومتضارب وما لذلك من تداعيات أمنية وسياسية جد خطيرة على المنطقة.
2.1- تداعيات الأزمة الجزائرية على البوليساريو:
مما لا شك فيه أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر منها الجزائر سوف تنعكس سلبا على الدعم المقدم للبوليساريو. وهو ما يعتبر من بين حسنات هذه الأزمة كما أن الأزمة الحالية ستدفع الجزائر على الأقل إلى توقيف سباق التسلح الذي تشنه ضد المغرب وتعليق كل أشكال الدعم الخارجي المقدم للدول والمنظمات المساندة لأطروحة الانفصال، ما عدا الدعم النفطي الذي يبقى الورقة الأخيرة التي يراهن عليها النظام الجزائري.
البوليساريو أصبح الآن يحتضر بعد تخلي العديد من الدول على مساعدته، كما أن هذه الأزمة من المحتمل أن تدفع الجزائر إلى فك ارتباطها المالي بالبوليساريو سيما وأن تواجد هذا الأخير على "أراضيها" يكلفها فاتورة مهمة تثقل كاهل ميزانيتها العمومية وقد يؤدي بها الأمر إذا ما سارت الأوضاع الاقتصادية نحو التفاقم في ظل هذه الأزمة الحالية إلى أن تفكر في طرد البوليساريو من فوق "أراضيها" وأن ترضخ لبعض المطالب التي تسير في هذا الاتجاه وهذا التوجه قد ينتج عنه خلق تحالفات وتجاذبات أخرى بين البوليساريو وبعض الدول المارقة والتي قد تصير مع ضعف الدعم الجزائري الحليف الأول للبوليساريو.
وهكذا فمع ضعف الجزائر وتقليص دعمها للبوليساريو صار هذا الأخير في مهب الريح وأصبح في ظل الأزمة الجزائرية يبحث له عن حلفاء جدد لسد الخصاص ولجلب موارد جديدة لضمان سير بعض المرافق الحيوية في المخيمات في ظل تردي مستوى بعض الخدمات كالإنارة والتزويد بالماء وكذا تدهور مستوى الصحة والتعليم. وقد أصبحت هاته المخيمات الآن في حالة مزرية نظرا لتوقف الدعم الجزائري وكذا الدعم المقدم من طرف بعض المنظمات والدول المساندة للبوليساريو، هذا بالإضافة إلى حالة اليأس والإحباط التي أصبح يعاني منها الصحراويون الرهائن بالمخيمات والمعاناة لتي يكابدونها في ظل ظروف طبيعية جد صعبة.
فمع حدة الأزمة استفاق حكام الجزائر أخيرا على حقيقة مرة وواقع مزري واستوعبوا أخيرة أن زمن البحبوحة المالية والبترودولارات قد ولى وأدبر إلى غير ما رجعة، وأنه حان الوقت لمراجعة سياساتها الخاطئة والمتغطرسة والسخاء المالي الذي ظلت تنهجه لسنوات طوال سواء داخليا بهدف شراء السلم الاجتماعي أو خارجيا اتجاه البوليساريو أو لشراء ذمم بعض الدول خاصة الإفريقية منها من أجل مساندة الأطروحة الانفصالية للبوليساريو وطمعا في استمالة المواقف ضد المغرب في قضية الصحراء.
لكن هذه السياسة وإن كانت ناجعة لفترة معينة تعتبر غير ذات جدوى على الأمد البعيد لأن العلاقات الدولية ليست ثابتة بل تخضع لمنطق التغيير ولمبدأ المصالح الاقتصادية وتظل رهينة بالظروف الجيوستراتيجية، كما أنها تجاري بشكل كبير الإيقاع السريع للأحداث والمتغيرات الدولية. وهذا ما لمسناه مؤخرا من ردة فعل الجزائر التي خاب ظنها ولم تستسغ موقف بعض الدول الإفريقية الموقعة على بيان طرد البوليسايو من الاتحاد الإفريقي لأنه أعقب إجراء جزائري سخي بإلغاء كافة ديون هاته الدول.
3.1- حرب المواقع داخل الاتحاد الإفريقي:
بدى واضحا وبالملموس أنه بعد القرار الشجاع بعودة المغرب لأحضان الاتحاد الإفريقي انطلق العد التنازلي لطرد البوليساريو من هذه المنظمة، وأصبحت هذه العودة بمثابة الكابوس الذي يوقد مضجع البوليساريون والسيف المسلط فوق رؤوسهم. خاصة وأن الخناق بدأ يضيق رويدا رويدا على البوليساريو جراء المساندة القوية التي أصبح يحظى بها قرار المغرب بالعودة للاتحاد الإفريقي حيث أصبحت رقعة المؤيدين تتسع لتشمل دول كانت إلى حد قريب من أشد المناصرين للبوليساريو.
وهكذا فخلافا لسياسة القطيعة التي مارسها زهاء ثلاثة عقود، أصبح المغرب اليوم ينهج سياسة هجومية لكسب المواقع إفريقيا تزامنا مع قرار العودة للاتحاد الإفريقي مما يجعل المغرب مطالبا بحشد تأييد أكبر عدد من الدول لإجراء التعديلات الضرورية على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وفقا للمادة 32 من نفس القانون وذلك بهدف طرد ما يسمى "بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" رغم أن عضويتها تعتبر غير قانونية وتعتريها الكثير من النواقص ويلفها الكثير من الغموض. لدى أصبح المغرب مطالبا بحشد تأييد (Lobbying) أكبر عدد من الدول الإفريقية عن طريق بناء استراتيجيات محكمة يكون هدفها التأثير على صناع القرار في البلدان الإفريقية الستة عشر التي ما تزال تعترف بالبوليساريو عن طريق إقناعهم بعدالة القضية المغربية، ومن أجل كذلك تعزيز التنسيق معهم خاصة في المحافل الدولية سعيا لتحقيق مكاسب جيوستراتيجية.
ومن أجل كسب أكبر قدر من التأثير ينبغي الأخذ بعين الاعتبار كذلك ضرورة تشجيع القنوات الغير الرسمية القادرة على ممارسة الضغط الشعبي في تلك البلدان والعمل على تعبئة الرأي العام المحلي ليكون أداة فعالة لكسب التأييد الدولي. مع تمكين المجتمع المدني خاصة في الأقاليم الجنوبية من بناء علاقات مثمرة وفعالة للاضطلاع بدوره كاملا في هذا المجال.
ومع قرب تنظيم المؤتمر العالمي للمناخ، استطاع المغرب من خلال هذا الحدث إعطاء زخم جديد وغير مسبوق للعلاقات المغربية الإفريقية. وبالتزامن كذلك مع تنظيم المغرب لهذا الحدث العالمي، لاحظنا مؤخرا تهافتا غير مسبوق للعديد من الدول الإفريقية والتي أبدت نيتها في التعاون مع المغرب، تزامنا أيضا مع قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي، إلى حد أن بعضها خاصة أولئك المحسوبين على محور الشر كجنوب إفريقيا ونيجيريا مثلا أصبحوا يطلبون ود المغرب ويبدون رغبتهم في توسيع العلاقات الثنائية وتطويرها إلى شراكة استراتيجية في جميع المجالات رغبة منهم كذلك في الوصول إلى مصالحة مع التاريخ والشرعية الدولية.
ويمكن إرجاء هذا التحول في التوجه الإفريقي إلى عدة عوامل نذكر من بينها:
أولا- المصلحة الاقتصادية:
انطلاقا من مبدأ: الاقتصاد يحكم السياسة الخارجية للدول ومواقفها اتجاه الأزمات والصراعات، وانطلاقا أيضا من أن الاقتصاد يمكن أن يصلح ما أفسدته السياسة، وأن التقارب الاقتصادي هو الطريق الأمثل نحو تخطي الخلافات السياسة، دخلت العلاقات الاقتصادية المغربية الإفريقية مرحلة جديدة من التطور من أجل إخضاع السياسة للاقتصاد. وهكذا فإن حكومات الدول الإفريقية في إطار سعيها لإيجاد مصادر بديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ترغب في الاستفادة من التجارب الناجحة للمغرب في جميع الميادين. لهذا شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية المغربية الإفريقية مؤخرا تطورا ملحوظا، حيث أصبحت المملكة المغربية من أهم شركاء الدول الإفريقية في التعاون التجاري والمالي: إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب وإفريقيا حوالي 5 مليار دولار سنويا، كما يعتبر المغرب ثاني أكبر مستثمر في القارة السمراء باستثمارات تصل إلى حوالي 500 مليون دولار.
ثانيا- البعد الجيوستراتيحي:
بالنظر إلى المكانة الاستراتيجية التي أصبح يحتلها المغرب في الخريطة الاقتصادية والسياسية على الصعيدين القاري والدولي كبوابة لإفريقيا وكحلقة وصل تربط بين أوربا وإفريقيا، وكبلد كذلك منفتح على العالم ينعم بالأمن ويتسم بالتسامح والتعايش بين مختلف الأديان وبين جميع الأعراق والجنسيات. ففي إطار السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد للانفتاح على العمق الإفريقي للمغرب شهدت العلاقات المغرب مع الدول الإفريقية في الآونة أخيرة انتعاشا ملحوظا وطفرة نوعية من أجل تمتين هذه العلاقات على جميع الأصعدة: السياسية، الاقتصادية، الأمنية، العسكرية، الثقافية، الدينية. وفي هذا السياق، سن المغرب استراتيجية تطوير وتنويع علاقاته مع الدول الإفريقية بفضل توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مشتركة وإنشاء آليات ثنائية للنهوض بهذه العلاقات.
ثالثا- إعادة توازن القوى:
من خلال إعادة بناء العلاقات الثنائية بما يتلاءم وموازنة المصالح القومية لهذه البلدان. لهذا تحاول العديد من الدول الإفريقية على الصعيد القاري بشكل عام وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي بشكل خاص إعادة هيكلة موازين القوى السياسية لإحداث التوازن في العلاقات عبر كسر هيمنة الجزائر وحلفاءها الذين أصبحوا يتحكمون في مراكز القرار داخل الاتحاد على حساب مصلحة باقي البلدان الأخرى.
رابعا- احترام الشرعية الدولية:
في إطار التوجهات الجديدة للعلاقات الدولية التي تنبني على احترام خيارات الدول والشعوب في بناء أنظمتها السياسية ودعم توجهاتها الوطنية وعدم التدخل في قضاياها الداخلية والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها بالسبل السلمية والديمقراطية ونبد كل أشكال التطرف والعنف بعيدا عن العسكرة والإرهاب. كما أن غالبية الدول أصبحت تلتزم مواقف وسطية بغية الحفاظ على أكبر قدر من مصالحها من جهة، ومن أجل امتلاك علاقات مرنة مع جميع الأطراف المتناقضة من جهة أخرى.
خامسا- تصحيح خطأ تاريخي:
سعيا منها لإعادة الأمور إلى نصابها وتحقيق العدالة والشرعية الدولية أصبحت العديد من الدول الإفريقية تتودد للمغرب لتصحيح خطأ تجاهلها الاعتراف بمغربية الصحراء لسنين عديدة ومن أجل تدارك سوء الفهم التاريخي الذي يتحمله أولئك الذين يروجون للأكاذيب وينسجون المغالطات.
سادسا- عدم الرضا عن الوضعية الحالية:
كما يعبر هذا التوجه عن امتعاض الرأي العام الإفريقي من الموقف الجزائري السلبي والمنحاز بشكل صارخ للبوليساريو، كما يعبر عن التفاعل الإيجابي إزاء عودة المغرب لشغل مقعده داخل الاتحاد الإفريقي، وعن الضيق المعبر عنه إزاء النزاع المفتعل في الصحراء. كما أن العديد من الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لم يعد يروقها الوضع الشاذ الذي أعطى لعصابة تمارس النصب والاحتيال الحق في أن تصول وتجول داخل أروقة الاتحاد من دون حسيب ولا رقيب، فقط إرضاء للجزائر ومن أجل إعلان الولاء لهذه الأخيرة وطمعا في سخاءها.
سابعا- الأخطاء القانونية في عضوية البوليساريو:
لنا أن نتساءل هنا كيف تم قبول عضوية شرذمة لا تتوفر فيها أدنى مقومات أو شروط قيام دولة حديثة (كمبدأ السيادة، المجال الجغرافي، المؤسسات الدستورية وعلى رأسها القضاء، البرلمان وغيرها..) داخل هيئة دولية كالاتحاد الإفريقي والتعامل معها على قدم المساواة مثل باقي الدول الكاملة السيادة. أما كان حريا بالاتحاد الإفريقي من باب الإنصاف والعدل أن يقبل عضوية كافة الحركات التحررية الإفريقية الأخرى داخل الاتحاد بما فيها مثلا: جمهورية أرض الصومال وشعب الأزواد بمالي، إضافة إلى باقي الأقليات الأخرى كالطوارق والقبايل بالجزائر.. لكن في هذه الحالة سوف تفقد هذه المنظمة مصداقيتها، لأنها بدلا من العمل على تحقيق وحدة وتضامن البلدان اﻹفريقية كما يشير إلى ذلك ميثاقها التأسيسي، سيؤدي بها الأمر إلى ترسيخ التفرقة وتأجيج الصراعات فيما بينها.
فالاتحاد الإفريقي إذن مدعو للقطع مع سياسة الكيل بمكيالين وفرض سياسة الأمر الواقع خاصة وأن النزاع لا يزال لم يلق طريقه إلى الحل كما أن الجمهورية الصحراوية التي تعتبر نفسها دولة قائمة بذاتها تظل غير معترف بها من طرف الأمم المتحدة ولا من طرف الجامعة العربية ولا حتى من قبل المنظمات والاتحادات الدولية الأخرى (الاتحاد الأوربي، اتحاد المغرب العربي ..)، علاوة على أن هذا الكيان لم يلق اعتراف أي دولة من الدول الأوربية إذا ما استثنينا حفنة قليلة من الدول المحسوبة على المعسكر الشرقي. فالمادة 27 من القانون التأسيسي تتحدث عن انضمام الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية، غير أن البوليساريو لا يرقى إلى مفهوم الدولة كما هو متعارف عليه حسب المادة المذكورة. فالدولة هي مؤسسة ذات سيادة، تبسط نفوذها على كافة أراضيها، لها موارد قارة لعمل مؤسساتها، معترف بها من قبل كافة الدول، كاملة العضوية في المنظمات والهيآت الدولية الشيء الذي لا تستوفيه البوليساريو.
كما لنا أن نتساءل هنا ماهي الإضافة التي تقدمها مرتزقة البوليساريو اليوم داخل الاتحاد الإفريقي لكي يتم الاحتفاظ به كعضو دائم وكامل العضوية، إذا ما استثنينا المؤامرات والدسائس التي ينسجونها بمعية أزلامهم في سبيل نشر أطروحتهم البائسة وممارسة النصب والاحتيال. وهذا يدعونا إلى التساؤل عن مدى شرعية هذا الكيان ولماذا لا يزال يلقى الدعم والتأييد من داخل الاتحاد الإفريقي من قبل ثلة من الدول ولو على قلتها ورغم انكشاف أكاذيبه المبنية على اللعب على وثر الأطروحة التظلمية وحق تقرير المصير.
2- السيناريوهات الممكنة
قبل القيام ببسط مجموعة من الحلول الممكنة المقترحة لحل هذا النزاع، يجب قبل ذلك سرد كافة السيناريوهات الممكنة والتي من الممكن أن تؤول إليها الأوضاع في خضم التطورات الحالية لهذه القضية. فمن خلال قرائتنا للأوضاع الحالية يبدو أن الأمور سوف تسير خلال الخمس سنوات المقبلة في اتجاه خمس سيناريوهات رئيسية.
- السيناريو الأول : السيناريو المثالي.
وهو إذعان البوليساريو للطرح المغربي وقبول المقترح الخاص بمنح الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية وفقا لصيغة دولة واحدة ونظام جهوي موسع في إطار السيادة المغربية والتشبث بمقدسات الأمة وثوابتها. وهذا السيناريو يمنح لقادة البوليساريو في إطار نظام الجهوية المتقدمة عفوا شاملا وامتيازات جد مهمة وكذا سلطات إدارية ومالية كبيرة مع إمكانية الاندماج في العمل السياسي بالمغرب. كما يمنح للأقاليم الصحراوية استقلالا شبه كامل عن المركز في مختلف المجالات باستثناء الاستقلال السياسي. غير أن هذا الحل يظل رهينا بالتحولات الجيوستراتيجية التي تشهدها المنطقة والمرتبطة على الخصوص بتطور الوضع الداخلي في الجزائر (الانتقال السياسي، تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية) وكذلك بتغيير عقلية قادة البوليساريو وفك ارتباطهم بمحور الشر مما يجعل من الممكن التوصل إلى حل نهائي للصراع. ويتطلب هذا السيناريو بالأساس تغيير جدري للعقلية التحررية لدى قادة البوليساريو ووقف دعم الجزائر.
السيناريو الثاني: النزاع العسكري.
يعتبر الخيار العسكري واحدا من بين الخيارات الواردة التي يجب وضعها في الحسبان، والتي تبقى مطروحة سواء كان المغرب في حالة دفاع شرعي عن النفس لدحر أي خطر يأتي من محور الشر أو العكس إذا كان هو صاحب المبادرة. ويتطلب هذا السيناريو تطوير ميزان القوى العسكري ويقتضي أن يكون المغرب على أهبة الاستعداد مع الحرص على تطوير ترسانته العسكرية بأحدث الأسلحة مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الطبيعية للمنطقة وامتدادها الجغرافي. كما أن أي عمل عسكري يمكن أن يكون محليا أو أن يكون على نطاق واسع. وقد يلجأ العدو إلى استخدام أساليب الحروب الخاصة وبالذات أسلوب حرب العصابات. كما يجب أن يوضع في الحسبان إمكانية حسم النزاع في بضعة أيام أو أسابيع أو أن يستغرق ذلك مدة أطول.. لدى بات مفروضا على المغرب العمل على تحديث وتقوية منظومته الدفاعية واستكمال تفوقه العسكري. وتتجلى أوجه هذا التفوق في تعزيز القدرات العسكرية الاستراتيجية للمغرب ليس فقط عبر تطوير ترسانته العسكرية وتعزيز قدراته الدفاعية، ولكن أيضا عبر المحافظة على تفوقه العسكري وتشجيع الصناعة والبحث العلمي في هذا المجال.
السيناريو الثالث: الحل عن طريق التفاوض.
وهو الحل الذي ترعاه الأمم المتحدة وهذا الحل يبقى طويل الأمد ومحفوفا بالمخاطر، كما أنه يبقى رهينا بتعنت البوليساريو ومناورات الجزائر. وهذا السيناريو قد يصطدم أيضا بإلزام المغرب تقديم مزيد من التنازلات.
السيناريو الرابع: تجميد النزاع وإبقاء الوضع كما هو عليه الآن.
يبقى هذا السيناريو، والقاضي بتثبيت الوضع القائم، في صالح المغرب على المدى البعيد، إذ يمكن من فرض سياسة الأمر الواقع كما أنه وفي إطار تعاقب الأجيال فإن زوال الجيل المؤسس لجبهة البوليساريو ووصول شباب ذووا عقليات متفتحة إلى سدة القيادة يمكنه أن يؤدي إلى بعض الانفراجات. لكن هذا السيناريو يستدعي من المغرب عدم البقاء مكتوف الأيدي بل عليه الدخول في ما يمكن تسميته ب "حرب استنزاف" طويلة الأمد ضد البوليساريو وكذا مراقبة الوضع في الجزائر عن كتب، مع المراهنة على أن ما ستؤول إليه اﻷوضاع في إطار التحولات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية في هذا البلد والتي نأمل أن تكون في صالح الحل النهائي لهذا النزاع.
السيناريو الخامس: انهيار البوليساريو من الداخل
من وجهة نظري أن انهيار البوليساريو أصبح واقعا ومسألة وقت ليس أكثر وأنه استكمل كافة العوامل التي ستعجل بفنائه لكي يتلاشي ويندثر من الوجود ويتم نسيانه إلى الأبد، وذلك:
- لأن التصدعات والانشقاقات التي أصبح يعرفها هذا الكيان أصبحت ظاهرة أكثر من أي وقت مضى خاصة منذ رحيل الأب الروحي للبوليساريو؛
- لأن البوليساريو كان منذ البداية يحمل عوامل فنائه في داخله لهذا لن يستطيع الصمود كنظام مستقل قائم بذاته دون اللجوء إلى الدعم الخارجي؛
- لأن البوليساريو يقوم على أساس منهج فكري وإيديولوجي هش ومغلوط ويضم اتجاهات فكرية وعقائدية متناقضة مما يعجل بحتمية الصراع بين هذه الاتجاهات المختلفة داخل هذا التنظيم؛
- لأن القيادة لا تجمعها قواسم مشتركة فيما بينها، ما يجمعها هو ماض فاسد وحاضر مزري ومستقبل غامض؛
- لأن هناك شرخ كبير بين القادة الذين لا يكترثون إلا لمصالحهم الذاتية والصحراويين المحتجزين المغلوبين على أمرهم الذين يعانون في صمت ويدوقون الأمرين بسبب القمع والبؤس دون مبالاة أو اكتراث لحالهم ولمعاناتهم من طرف قيادة البوليساريو؛
- وأخيرا وليس آخرا لأن البوليساريو تحول من حركة انفصالية إلى تنظيم داعم للإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار الدولي في المخدرات.
فكل هذه العوامل تجعلنا نعتقد جازمين أن البوليساريو قد أوشك على نهايته وأصبح يعيش لحظاته الأخيرة، بل إن نهايته اقتربت أكثر مما يظن البوليساريون أنفسهم. فمهما أعطى البوليساريو انطباعا خارجيا مستقرا وعلى أنه يتحكم في زمام الأمور، فإن مظاهر انحلاله من الداخل قد بدأت تظهر جليا بسبب: النقص الحاد في الموارد المالية لسير المرافق ولأداء الأجور، الفساد المستشري في كل أركان هذا التنظيم، الانفلات الأمني في المخيمات، التحكم الاستبدادي للزعماء وأيضا بسبب الصراعات الداخلية على القيادة.
والنتيجة الحتمية التي لا مناص منها في ظل تردي الأوضاع الداخلية وأيضا الخارجية (بفضل تضييق الخناق على البوليساريو الذي بات يفرضه المغرب وإحكام طوق العزلة عليه) هي أن ينقلب السحر على الساحر عبر انتفاضة الحرية والكرامة لسكان المخيمات الذين ليس لهم من مفر إلا الانقلاب على هذه الوضعية والفرار من الجحيم الذي يعيشونه بالعودة إلى بلدهم المغرب.
فعاجلا أم آجلا سوف ينتفض الصحراويون على الإذلال وسيطالبون بالحرية والكرامة. وهذه النتيجة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع قد سبق وأن أشار إليها ابن خلدون الذي وضع الأسس الأولى لعلم الثورات في مقدمته منذ أكثر من 600 سنة حيث ربطها ب: الانهيار الاقتصادي، انتشار الظلم، انتهاك الحقوق والحريات، ترف وفساد القيادة. وبالإسقاط عل الوضعية الحالية بالمخيمات نرى أنن كل هذه العوامل والمسببات هي الآن موجودة وحقيقة فعلية وتنطبق كثيرا على الوضعية الراهنة. وبما أن سوء توزيع الثروات يؤدي حتما إلى اندلاع الثورات، بات حريا على البوليساريو وحاضنتها الجزائر قراءة التاريخ جيدا واستخلاص الدروس والعبر من الأحداث الماضية قبل فوات الأوان، فما أحداث انتفاضة 5 أكتوبر 1988 منهم ببعيد، وما الانتفاضات المتتالية وما حالات الفرار المتكررة التي تعرفها المخيمات إلا مؤشرات دالة على حالة الاحتقان التي تعيشها المخيمات والتي يجب وضعها في الحسبان.
3- الحلول الممكنة
وأخذا بعين الاعتبار ما سبق، يبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن للمغرب القضاء على الجمهورية الوهمية بشكل نهائي في ظل الأوضاع الراهنة؟
إن أي حل للمعادلة الصعبة لقضية الصحراء المغربية والتي استعصى حلها لما يربو عن نصف قرن لا يجب البحث عنه بمنأى عن العلاقة التي تجمع الجزائر بالبوليساريو. فعلينا أن ندرك أن مفتاح مشكل الصحراء هو بيد الجزائر وأي توجه لا يأخذ بعين الاعتبار ضرورة فك هذا الارتباط الوشائجي وإحداث القطيعة بين البوليساريو وحاضنتها الجزائر وكسر الوثاق والتحالف القائم بينهما وكذلك العمل على خلخلة علاقة التبني الغير الشرعي التي تنهجها الجزائر اتجاه ابنها المدلل يعتبر في رأيي غير ذي جدوى. فالجزائر لا تتوانى عن تقديم أوجه الدعم المختلفة لقادة البوليساريو رغم أنها تدرك تمام الإدراك أنهم أناس يمارسون حالة من التمرد على الشرعية التاريخية التي لا ينكرها إلا جاهل أو مغتر. فلولا الضغط الذي تمارسه الجزائر على البوليساريو لقبل هذا الأخير المقترح المغربي من دون تردد، لكن للأسف كل القرارات والمواقف التي تصدر عن البوليساريو يتم طبخها من قبل جهاز المخابرات الجزائري.
فلا الأمم المتحدة ولا مبعوثها الخاص ولا حتى الدول العظمى بيدها الحل لهذا النزاع أو على الأقل تريد تنزيل حل نهائي وجدري لهذا الصراع الأزلي لأنها ببساطة تعتبر المستفيد الأكبر من حالة التوتر واللاستقرار التي تعيشها المنطقة مما يمكنها من خلق بؤرة للتوتر تشكل عائقا أمام التنمية والاندماج المغاربي والإفريقي وسوقا لبيع وترويج أسلحتها، مما يدفعها أيضا إلى العمل على إطالة عمر الأزمة من أجل توظيف هذه الوضعية كورقة ضغط عند الحاجة لنيل مكاسب جيوستراتيجية.
وبما أن الجزائر هي من يوفر للبوليساريو الأرض والدعم المالي، العسكري، السياسي والدبلوماسي، إلخ.. فلا شك أنه إذا توقفت الجزائر عن دعم البوليساريو تم القضاء على هذا الأخير بشكل نهائي. وسيكون حينئذ مجبرا على قبول العرض المغربي الذي يعتبر عرضا سخيا، واقعيا وذا مصداقية وذلك بشهادة العالم برمته. فما الذي على المغرب اتخاذه إذن من إجراءات على ضوء ما تقدم للوصول إلى حل جدري ونهائي لهذا النزاع؟
هناك في نظري عدة تدابير يمكن عن طريقها تحقيق هذه الغاية والتي تدخل في إطار ما يمكن أن نسميه "حرب الاستنزاف الكبرى" وذلك حفاظا على المصلحة القومية للمغرب، من بينها:
-المحاصرة الاقتصادية:
من منظور اقتصادي، تعتبر المحاصرة الاقتصادية من بين الأساليب الناجعة والفعالة في استنزاف العدو من أجل إحكام الطوق عليه وعزله اقتصاديا، وهذه السياسة تلجأ إليها الدول العظمى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ضد من تعتبرهم بقوى الشر، ويدخل في هذا الباب إغلاق كل المنافذ وقطع كافة أشكال الإمدادات بشكل مباشر وذلك على الطريقة الترامبية لتجفيف منابع التهريب والتجارة الغير الشرعية من سلع، مخدرات وأسلحة وكذا تجارة البشر التي تعرفها المنطقة.
والملاحظ أن التحركات الأخيرة للمغرب التي تدخل في إطار الإجراءات الاحترازية والاستباقية أضحت تشكل مصدر إزعاج وقلق بالنسبة للبوليساريو، الذي أصبح شبه محاصر من جميع الجهات من خلال بسط المغرب سيطرته على جميع المعابر. مما يبين مدى أهمية وفعالية هذه الإجراءات لمحاربة جميع عمليات التهريب التي تشكل منبعا من المنابع المهمة التي يقتات منها البوليساريو ومصدر من مصادر تمويله. الشيء الذي سيدفعه من دون شك في المستقبل القريب إلى تبني استراتيجية جديدة كحرب العصابات وقطع الطرق واعتراض السبل أمام تنقل الأشخاص والسلع خاصة على المحور التجاري الحدودي مع الجارة الجنوبية.
ومن جهة أخرى، فكلما تم تعميق البحث والتحليل بحثا عن حل نهائي لملف الصحراء، لا يمكن استبعاد البعد الاقتصادي ولا الدور المهم الذي تلعبه الأزمات الاقتصادية في إعادة تشكيل خريطة العالم ورسم حدود جديدة للتحالفات الدولية الراهنة على المستوى الإقليمي والعالمي. ففي ظل أزمة انخفاض أسعار النفط التي تضرب الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن وبغض النظر عن ترجيح نظرية المؤامرة الكبرى والإدارة الموجهة لهذه الأزمة والتي يراد منها إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية للعالم، فإنه من المرتقب أن تكون لهذه الأخيرة عواقب وخيمة على العديد من الاقتصاديات خاصة للدول المصدرة للبترول والأنظمة الريعية الفاسدة التي تعتمد بشكل كبير على عائداته والتي لا محالة ستفشل في احتواء هذه الأزمة نظرا لاعتمادها على المداخيل النفطية بشكل كلي.
هذا بالإضافة إلى ما سيسفر عنه ذلك من تصادمات وصراعات داخلية في هذه البلدان سيما وأن هاته الأزمة وخلافا لبعض التكهنات ستعمر أكثر مما يظن البعض بالرغم من المساعي الحثيثة لبعض البلدان وعلى رأسها الجزائر والتي تراهن وتمني النفس على ارتفاع أسعار النفط وتعمل جاهدة من أجل تطويق هذه الأزمة والحد من تداعياتها الخطيرة عبر تثبيت إنتاج البترول لدول الأوبك. ففي أصعب محنة اقتصادية يمكن أن يواجهها بلد على الإطلاق، تقترب فينزويلا مثلا من حافة الانهيار الاقتصادي ومن نهايتها الحتمية التي لا مفر منها، في ظل سيطرة شبح السياسات الاقتصادية الفاشلة في بلاد تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم.
- المحاصرة المالية:
ويدخل في هذا الباب ضرورة فرض حصار محكم لتسرب العملة المغربية لمحور الشر. وتعتبر الإجراءات الأمنية الأخيرة للمغرب والعمليات التطهيرية التي يقوم بها في المناطق الحدودية خاصة الجنوبية منها خطوات مهمة تسير في الطريق الصحيح، والتي من شأنها الحد من أنشطة التهريب والتجارة الغير منظمة بما فيها تجارة العملة خاصة المغربية وتسريبها إلى داخل المخيمات لكونها تعتبر العملة الأساسية في المعاملات التجارية للعدو إلى جانب عملته المحلية "البسيطا الصحراوية".
لهذا يجب العمل على تغيير هذا الوضع الشاذ والغير مقبول. فكيف يعقل أن كيان يدعي الاستقلالية ويعمل في نفس الآن على استغلال عنصر ورمز من رموز السيادة المغربية ألا وهو الدرهم المغربي. لهذا يجب العمل على الحد من تجارة العملة بطرق غير شرعية وتدفقها إلى داخل المخيمات ومحاصرة القنوات والآليات التي يتم عن طريقها هذا الاستغلال وكذا الضرب بيد من حديد على تجار العملة الوطنية ووسطاء السوق السوداء. وفي هذا الصدد، يجب إنزال كافة الإجراءات والتدابير المالية في المناطق الجنوبية التي ترمي إلى تشجيع استعمال البطاقات الائتمانية عوض النقود في المعاملات التجارية اليومية، الرفع من مستوى الخدمات البنكية خاصة معدل استخدام النظام المصرفي والقضاء على جميع أشكال التهريب وكبح جماح الريع وكذلك الحد من جميع مظاهر الاقتصاد الغير المهيكل بهدف تجفيف منابع دعم البوليساريو.
- المحاصرة التجارية:
عبر الحد من تدفق المنتجات النفطية للجارة الشرقية نحو الأسواق المغربية. مما سيعمل على تحسين الميزان التجاري للمغرب اتجاه الجزائر الذي يعرف اختلالا كبيرا لفائدة هذا الأخير بحوالي 4,5 مليار درهم. فلا يعقل لبلد يكن العداء للمغرب منذ سنين عديدة وبهذه الطريقة الغريبة والمبهمة، رغم سياسة اليد الممدودة التي ما فتأ ينهجها المغرب لفتح عهد جديد من العلاقات الثنائية، ومع ذلك يستفيد من تحويلات العملة الصعبة المغربية مع أنه بالإمكان إيجاد بدائل أخرى تغني المغرب عن النفط والغاز الجزائريين.
وهذا الأمر يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جدوى تشبث المغرب باتفاقيات لا تخدم مصالحه البثة. فالمغرب الذي يعتبر الزبون الأول للجزائر على الصعيد الإفريقي في السنوات الأخيرة (حيث تصدر الجزائر للمغرب ما مقداره 8 مليار درهم في السنة من المحروقات) يعد في نظر الجزائر شريكا مهما وسوقا كبيرا لا يجب الاستغناء عنه، ولهذا لا يتوانى القادة في الجزائر رغم العداء الذي يكنونه للمغرب من التصريح من حين لآخر عن إرادتهم المشتركة للتعاون ورغبتهم في تعزيز العلاقات مع المغرب. ومن هنا أيضا يمكن فهم ازدواجية الخطاب لدى القيادة الجزائرية بين سياسة المهادنة تارة والاصطدام تارة أخرى.
فعلى مستوى الخطاب نلاحظ أن الجزائر تدعي الحياد التام وتبدي رغبتها في تطوير العلاقات الثنائية مع المغرب والرقي بها إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين. لكن على مستوى الممارسة نجد ما يفند ذلك جملة وتفصيلا. فالمتتبع للسلوك الجزائري سيلاحظ بجلاء مدى ازدواجية الخطاب الذي تتبناه القيادة الجزائرية إزاء المغرب ما بين محاولة إظهار الانفتاح وفتح صفحة جديدة معه وما بين ممارسات تدخلية، تستهدف زعزعة الأمن القومي للمغرب وخلخلة استقراره والنيل من وحدة أراضيه.
كما أن هذا السلوك المتناقض والشيزوفرني يجد ما يفسره في المحاولات الحثيثة المعلنة والخفية للجارة الجزائر لاستثمار هذا النزاع بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي وفرض سياسة الأمر الواقع ولو على حساب المصالح العليا للمغرب. كما تعمل الجزائر على توظيف هذه الأزمة وأزمات أخرى في المنطقة لتحقيق مصالحها مع الحرص على الاحتفاظ ببعض الأوراق كأدوات للمناورة والضغط، ولتأكيد أهميتها باعتبارها لاعبا أساسيا في حل أزمات المنطقة إفريقيا وعربيا وداعما أساسيا لحركات التحرر ومحاربة الأنظمة العنصرية، بالإضافة إلى أن الجزائر تسعى إلى فرض تصوراتها الخاصة بقضايا وأزمات المنطقة على بعض الدول.
لهذا فالازدواجية الجزائرية تبدو واضحة أيضا في طريقة تعاملها مع الصراع المفتعل في الصحراء بحيث ترفع شعارات التعاون والحوار، وتتعامل على الأرض بمنطق فرض الأمر الواقع وتدعم من يريدون النيل من وحدة المغرب واستقراره كما حصل مؤخرا في اجتماع دول عدم الانحياز متجاهلة بذلك مبادئ حسن الجوار التي تقرها الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. بل إن الجزائر أصبح شغلها الشاغل ليس هو إيجاد الحلول لأزماتها الداخلية بل إنها تتحين الفرص للتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب ولا تتوانى في معاكسة أمن واستقرار دول أخرى بدعوى حماية من تسميهم بالأقليات المظلومة في هذه الدول وتتعهد بدعمهم، لكنها على الجانب الآخر ترفض أي دفاع عن حقوق الأقليات الجزائرية وتصر على اعتبار ذلك تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية وتصفه بالمؤامرة.
كل هذا يحث المغرب على ضرورة إجراء تقييم عقلاني لعلاقاته مع جيرانه وتحديد أولوياته بعدما تبين أن سعيه لاستكمال وحدة أراضيه لا يروق البعض ويقف حجر عثرة أمام تجسيد الوحدة المغاربية التي تظل حلما بعيد المنال بل أصبحت تشكل سرابا في ظل العقليات والممارسات الحالية. كما أنه آن الأوان من خلال التطورات الأخيرة للقطع مع الدول التي يمكن تصنيفها في خانة الدول المنبوذة والخارجة على القانون التي أعلنت علنا ولائها لقوى الشر ضاربة عرض الحائط العلاقات الثنائية المبنية على التعاون وحسن الجوار، والتي تتصرف ليس وفقا للقانون والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها بل تتصرف وفقا لمنطق الدول المارقة التي تمثل تهديدا لجيرانها والراعية للإرهاب فوق "أراضيها".
- النمو الاقتصادي:
عن طريق العمل على جعل المغرب قوة اقتصادية في المنطقة ويتجلى ذلك عبر الرفع من عجلة التنمية الاقتصادية من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة لسنوات متتالية. وتكمن الغاية من وراء هذا الهدف هو العمل على الرفع من هيبة ومكانة المغرب بين الدول حتى لا يكون لقمة سائغة في فم الأعداء. وهذا الهدف يتطلب ليس فقط حكومة وأحزاب ترقى إلى مستوى التطلعات، وسياسيين لا يتوانون عن تقديم مصلحة الوطن على مصالحهم وأطماعهم الذاتية الضيقة والتخلي عن الأنانية وحب الكراسي والبعد عن الهمز واللمز والتنابز، بل في نفس الوقت يلقي على عاتق الحكومة المقبلة مسؤوليات جسيمة.
فالمرحلة المقبلة تتطلب حكومة جادة ومنضبطة، تقطع مع الفوضى السياسية والخطاب التظلمي التضليلي وتتحلى بروح المسؤولية وتكون قادرة على تحقيق التنمية المستدامة والوصول لنسب نمو تقدر ما بين 8% و10% كمعدل خلال السنوات المقبلة مما يستلزم العمل الجاد من أجل معالجة كافة الإكراهات والاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد المغربي والتي تقف عائقا أمام تدفق الاستثمار الأجنبي. فكفانا إذن من البهرجة وإهدار الوقت في صراعات عقيمة وغير مجدية تخلق مناخ من الضبابية وتعيق الاستثمار الداخلي وتنفر الاستثمار الخارجي، مما يؤثر سلبا على معدلات النمو ويعطل عجلة التنمية والتطور. كما على الجميع الآن تحمل مسؤولياته كاملة لنكون في مستوى التحديات والإكراهات التي تفرضها المرحلة.
- تشجيع السياحة الصحراوية:
عبر خلق شبكة للمواصلات البرية والجوية في متناول كافة فئات الشعب المغربي نظرا لبعد المسافة وتشجيع الاستثمارات السياحية والعمل على خلق مناطق سياحية شاطئية بالمدن الساحلية الجنوبية كالعيون والداخلة في إطار مخطط المغرب الأزرق وذلك على غرار باقي المدن الأخرى. ويبقى الهدف من هذا ذلك هو التعريف بهذه المناطق لدى شريحة واسعة من المغاربة وكذا الأجانب التي لا تعرف إلا القليل عنها والرفع من الارتباط الفكري والوجداني لديهم وكسب مزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء دوليا.
- خلق محور للخير:
يكون مضادا لمحور الشر والمتمثل في جيران المغرب الذين يكون له العداء ويبطنون له الحسد والبغضاء وذلك بالاعتماد على دول الدعم والارتكاز الجغرافي كمالي، النيجر، السنغال وكذلك ليبيا في حال تحسن أوضاعها الداخلية وذلك عبر تكثيف التعاون العسكري والاقتصادي مع هذه البلدان.
-الرفع من أداء الدبلوماسية المغربية:
التي تعتبر القلب النابض والعنصر الأساسي والمحوري لأي سياسة خارجية. غير أنها للأسف تبقى إلى حد الآن محدودة الفعالية ولا ترقى إلى مستوى التطلعات بالرغم من بعض الإنجازات التي عرفها هذا الملف مؤخرا. لدى بات من الضروري التركيز على صنع سياسة خارجية تتلائم والظروف الدولية والعمل على خلق ثورة مضادة لتلك التي تشنها البوليساريو وحليفتها الجزائر على المصالح المغربية وكذا نهج سياسة ديبلوماسية استباقية تأثر في محيطها مع ضرورة القطع مع ديبلوماسية ردة الفعل إلى ديبلوماسية الفعل والقطع كذلك مع دبلوماسية الصالونات والحفلات، لأن مهمة السفير ليست تشريفا أو تتويجا لمسار مهني معين بقدر ما هي تكليف وعمل مضني في سبيل المصلحة القومية للمغرب كما أن مهمة السفير يجب أن تخضع لمعايير ولتكوين معين، خاصة بالنسبة للسفارات المعتمدة لدى الدول المعادية للوحدة الترابية للمغرب.
- تلميع صورة المغرب دوليا:
عبر القيام بمجموعة من المبادرات سواء منها على الصعيد الحقوقي (الطي النهائي لملف معتقلي أحداث اكديم ازيك الذي لا يتوانى الخصوم على إثارته كورقة ضغط في المحافل الدولية) أو على الصعيد الإعلامي كتكثيف البرامج والأشرطة الوثائقية والأفلام السينمائية وكذا إنشاء قنوات تلفزية دولية بشتى اللغات لإيصال صوت المغرب لأرجاء العالم يكون هدفها هو: شرح حيثيات هذا النزاع، إبراز النهضة العمرانية والحضارية للمناطق الصحراوية والروابط التاريخية لسلاطين المغرب بالقبائل الصحراوية، وكذا إظهار هوية المغرب الإفريقية والتي تجسدها الحقائق الجغرافية والتاريخية التي لن تمحوها لا المغالطات السياسية ولا تقلباتها.